الأحد، 26 أبريل 2015

إشكالية القرآن الكريم حمّال أوجُه

إشكالية القرآن الكريم
حمّال أوجُه
 الخلاف في فهم الآيات القرآنية لا يُسوّغ عدم الاستدلال به لكونه "حمّال أوجُه" هذه حُجّة الضعفاء. أما الجهابذة فإنهم يشمّرون عن ساعد الجِدّ للوصول إلى الفهم الراجح للآيات وفق معايير صارمة. مما ورد في بعض كتب التراث عبارة: "القرآن الكريم حمّال أوجه". وقد نُسبت هذه العبارة إلى علي رضي الله تعالى عنه، فعن ابن عباس أن عليًا بن أبي طالب أرسله إلى الخوارج فقال: "اذهب إليهم فخاصمهم ولا تحاجهم بالقرآن فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسّنّة". انظر: السيوطي، جلال الدين، الإتقان في علوم القرآن، ج1، ص409، وفي كتاب نهج البلاغة ورد: "لا تخاصمهم بالقرآن فان القرآن حمال أوجه، ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنة، فإنهم لن يجدوا عنها محيصًا". انظر: نهج البلاغة، ط5، بيروت: دار الكتب العلمية، 2003م، ج1، ص 405. والعبارة من حيث الإسناد في كلا المرجعين لا تصحّ. والأخذ بها مطلقًا يشكّل مطعنًا في القرآن الكريم. فالقرآن الكريم يقرّر أنه هو الحكم بين المخاصمين والمختلفين قال تعالى: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً". النساء: 59. فكيف يدعو الله تعالى المتنازعين إلى كتابه وهو حمّال أوجه؟؟ لذا فالعبارة بحاجة إلى توجيه، ويمكن الأخذ بها على أن تفسّر كالآتي:
أولاً: أن المراد بذلك هو أن بعض المفردات القرآنية تحمل عدّة دلالات تحتملها العربية. ثانيًا: أو أن القرآن الكريم فيه مفردات يمكن أن تعطي معنىً يناسب عصرًا ما. وتعطي نفس المفردة معنىً آخر في زمان آخر متقدّم. ومثل ذلك الآيات التي فيها إشارات علمية كقوله تعالى: "بينهما برزخ لا يبغيان". الرحمن: 20. وقوله تعالى: "أوَلم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها؟". الرعد: 41. فالفهم المعاصر للآيتين مختلف عن السابق. فيصحّ أن يقال عنه (حمّال أوجه) بحسب تطوّر الزمان واتساع أدوات الفهم. أما القول بأن فهم الدلالات اللغوية لا يكفي لفهم القرآن الكريم، فلا بدّ للسّنّة النبوية أن تبيّن القرآن الكريم، كما يقول البعض. فهذا قول فيه مغالطة، فهل السّنّة فسّرت كل القرآن أو حتى بعضه إلا النزر اليسير؟؟ ثم أليست السّنة وهي كلمات وألفاظ ومفردات حمّالة أوجه كذلك؟؟ نعم السّنّة النبوية الثابتة تفسّر القرآن الكريم لكن بعد إثبات كونها –أي السّنة- صحيحة وذلك بعرضها على الكتاب المبين. أما القفز إليها بحُجّة أنها صحيحة الإسناد دون المرور في فهم الآيات القرآنية بالآيات. فلا يستقيم هذا منهجيًا. ولا يقبل أيضًا منهجيًا أن يستدل ببعض آيات للبرهنة على قضيةٍ ما دون الإحاطة بجميع الآيات التي تتحدث عن موضوع القضية. فالقرآن الكريم وإن تعددت الفهوم لبعض آياته لكن ينبغي أن تؤخذ جميع الآيات في المسألة الواحدة لتعطي الفهم العام للقضية وإلا كان الفهم ناقصًا أو مشوّهًا. فالحقيقة أن المعنى الذي تفيده مجموع الآيات في الموضوع الواحد قد يعطي أكثر من معنى واحد. لكن هذه المعاني تصبّ في باب واحد وليست متشاكسة. أما النظر المعتمد على جزء من آيات الكتاب سيعطي معاني متشاكسة للناظر في أجزاء أخرى من آيات الكتاب كما احتج الخوارج بقوله تعالى: "إن الحكم إلا الله". يوسف: 40. ونفوا أن يكون الحكم لغيره. وبذلك يصبح القرآن الكريم محلاً للمثبت والنافي. وهنا التشاكس الذي نفاه القرآن عن نفسه: "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد". فصلت: 42. والتشاكس دليل على عدم الإتقان الذي يؤدي إلى البطلان.

 لذا ترك منهجية النظر في جميع الآيات المتعلقة بالمسألة الواحدة يعدّ بغيًا بعد إتيان العلم وإنزال الكتاب وختم النبوة. فلا بد من تفسير القرآن بالقرآن وجمع الآيات المتعلقة بالمسألة الواحدة وفهمها في إطار عام ثم الاستعانة بالروايات التي لا تخالف القرآن الكريم.

بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

الثلاثاء، 7 أبريل 2015

المنهجية المثلى في كيفية التعامل مع التراث

المنهجية المثلى في كيفية التعامل مع التراث بقلم: إياد محمّد أبو ربيع

يتناول مسائل الدين والتراث كثير من المفكرين والدعاة بُغية تنقيحه وعرضه على الناس بما ينتفع الإنسانية، ويرفع الشنار أو سوء الفهم عن الإسلام وتصرفات المسلمين، بيْد أن بعض القائمين على هذه المهمّة المكلفة والمرهقة يغيب لديهم المنهج، فتراهم يأخذون ما يوافق آراءهم ويسترون أو يبترون ما يخالفها. وتارةً يحمّلون الكلام ما لا يحتمل، وبعضهم لديهم ضعف شديد في اللغة والربط والتحليل السليم.
ومع كل ذلك فإن هذه المساهمات وإن كان بعضها يقوم ببعض المغالطات إلا أنها على الأقل تفتح بابًا لإعادة الفكر والفحص من جديد، مما يزيد من وعي شباب الأمة في قضايا دينهم ودوره في حلّ همومم وإشكالياتهم وطبيعة الخطاب والمراس.
وهنا أودّ وضع لبنة هذه المساهمات ومحاولة في صياغة منهج في كيفية التعامل مع التراث من وجهة نظري المتواضعة.
النقطة الأولى:
ضرورة التفريق بين الآتي:
1- القرآن.
2- الروايات.
3- التراث.
4- الفكر السائد.
5- الفكر المعاصر.
حينما نتناول قضية ما، فيجدر بنا أن ننظر هل هي مذكورة في القرآن؟ وهل هي في القسم الظرفي أو العلاجي أم من القسم التأسيسي الأبدي؟
أم أنها في (الأحاديث) الروايات؟ ما مدى مطابقة الرواية واتفاقها مع مقاصد القرآن؟ لا تبحث عن صحّة الإسناد بل عن مدى مطابقة الرواية مع مقاصد القرآن.
أم أنها في كتب التراث؟ ما مدى اتفاقها مع مقاصد القرآن؟
أم أنها فكرة سائدة؟ وهل هي الأصحّ طبقًا لاتفاقها مع القرآن؟ أم أنها سائدة طبقًا للأعداد المؤمنة أو القائلة بها؟
أم أن هذه القضية من الفكر المعاصر؟ وهل تخالف مقاصد القرآن أم توافقه؟
فكما هو واضح فإن نقطة الارتكاز والمعيار لأي قضية هو مدى موافقتها أو عدم مخالقتها مقاصد القرآن الكريم.
النقطة الثانية:
عند الرجوع إلى كتب التراث نضع في اعتبارنا الاحتمالات الآتية:
- الاحتمال الأول: أن يكون الكتاب منحولاً أو منسوبًا.
- الاحتمال الثاني: أن يكون الكاتب قد كتبه جبرًا عنه، أو إرضاءً لسلطة، أو تعصّبًا لمذهب.
- الاحتمال الثالث: أن يكون الكاتب قد تراجع عن آرائه في كتاب لاحق.
حتى بعد المرور في كل هذه الحلقات من الشكوك، فالآراء الواردة لا مصداقية لها حتى لو ثبت أنها ليست منسوبة ولا منحولة، أو أنها كُتبت إحقاقًا للحق، أو أنها حصاد نظر وفكر. فلا اعتبار لهذه الآراء إلا بعد موافقتها للدليل والبرهان ومطابقتها لمقاصد القرآن.
النقطة الثالة:
كتب التراث والفئة المستهدفة
كتب التراث من كتب الحديث والتفسير والعقائد والتاريخ وسائر العلوم النقلية إنما ألّفت لعلماء مثلهم نظراء أو طلبة علم، أو لأمراء وولاة، ولم تُؤلّف في عمومها لعامة الناس وأفرادهم ككتب ثقافة عامة.
والمؤلفون العلماء أدرجوا في كتبهم ما وصلهم من أخبار، ولم يجعلوا لكتبهم عصمة، فسطّروا ما وصلهم من غثّ وسمين، لكن النظراء العلماء والأمراء بما عندهم من علماء يستطيعون تمييز الصحيح من غير الصحيح في طيّات تلك الكتب. بالرغم من وجود إشكاليات في الدواعي لتأليف بعض العلماء لبعض الكتب، لكن الدراس لمناهج العلماء يستطيع تمييز الداعي والدافع للتأليف ومدى الشفافية في تناول الموضوعات. وكما أن إشكالية الكتب المنحولة أو المنسوبة يستطيع المختصون معرفة مدى مصداقية انتمائها إلى عالم من العلماء. وهذا اشتغل عليه علماء كبار على مدى عصور كثيرة.
بقي الإشكال في كتب التراث ككل، فاليوم بعد توافر وتنافس دور الطباعة والنشر، والتقليد الذي يكسو معظم الخرّيجين وصلت تلك الكتب إلى أيدي الناس، وهم حيال ذلك على ثلاثة أقسام:
1- القسم الأول: الذي يرى أن الخير والعلم في السابقين فهو مصدّق بكل ما في كتب الموروث.
2- القسم الثاني: الذي يفهم منهج المؤلفين في ذاك الزمان. فيقبل ويرفض ضمن منهج صارم رصين.
3- القسم الثالث: الذي لم يفهم منهج المؤلفين في ذاك الزمان، وهو على صنفيْن:- الأول: يحاول تبرئة العلماء ويرى أن تلك المغالطات مدسوسة على كتبهم.- الثاني: يرى في العلماء وكتبهم تضليلاً وإفسادًا. فيرفضها جملةً وتفصيلاً.
أزمة المثقفين اليوم أنهم لا يدرسون ولا يحاولون معرفة ظروف الكاتب، ولا دواعي الكتابة، ولا مجال الكتاب، أو الفئة المستهدفة. فالقسم والأول والصنف الثاني من القسم الثالث على طرفي نقيض وكلاهما متطرّف، أما القسم الثاني وهو ما أنتمي إليه وأحاول الدعوة إليه، وأما الصنف الثاني من القسم الثالث فكي يكون على حقّ فيما يطرحه لا بدّ من أدلة صارمة لا مجرّد قوْل "ربّما" أو التخريص والظنّ والتشكيك.
النقطة الرابعة:
ينبغي ألا يغيب عن الدراس الآتي:
1- أنّ المجتهد ابن بيئته ويتأثر فيها في بعض الأطروحات ولو بطريق اللاوعي.
2- أنّهم مجتهدون غير معصومين.
النقطة الخامسة:
تجنّب الآفات الآتية:
1- بتر القول/الكتابة من سياقه.
2-بتر القول / الكتابة من السياق التاريخي. وسحبه اليوم الحاضر.
النقطة السادسة:
الخلافات الفكرية (العقدية) التي لا يشهد لها القرآن الكريم بنصّ قطعي لا تهمّ المسلم المعاصر بل الأهم هو الجانب (العملي). وأيّ تقديم للجانب العقدي المختلف فيه أو إبرازه هو مخالفة لـ(الأوليات) و معرقل للتنمية والتحضّر.
أخيرًا أقول إن الدفاع عن الإسلام (القرآن أو الرسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الصحابة) أو الفقهاء والمحدّثون بجهل أو ردّة فعل (مادّي أو معنوي) يعتبر إساءة من حيث لا ندري.
أحسبُ أن هذه المنهجية تحسم الكثير من الخلافات. وتدعم الأمة نحو الارتقاء والتقدّم الحضاري.
بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ