الجمعة، 26 ديسمبر 2014

دائرة الغيب ودائرة الشهادة في مرحلة "التأزّم الحضاري"

دائرة الغيب ودائرة الشهادة في مرحلة "التأزّم الحضاري"
الديانات في سيرورتها التاريخية تمرّ في مراحل من البدء وحتى التصارع ما بين الغلبة أو التراجع، إلى أن تصل إلى مرحلة "الإكمال" والاستقرار، ثم ما تلبث بعض القطاعات بالنظر إلى النصوص الدينية التي لا تنفك عن الحديث أو الإشارة إلى عالم "الغيب المطلق" الذي ليس من مجال لكشفه إلا بقدر ما تفسح النصوص له، والجدال في أمور هذا النوع من الغيب إنما يكون بعد استكمال النصوص واستقرار الحكم به، وإضعاف شوكة المعتدين، واسترخاء الناس، فيميل الهواةُ إلى فهم النص المتعلق بالغيب بمناهج مختلفة فتظهر عندئذٍ مدارس في فهم النص، فتتباين وجهات النظر، فتظهر بعض صور التنازع أو التشاجر وأحيانًا التكفير والاقتتال. وهذا ما حصل مع الديانات ومن ضمنها -الإسلام- فبعد استقرارها. يصير التفرغ إلى الكلام حول عالم الغيب، والأصل أن تستفرغ القوى والقدرات نحو عالم الشهادة، ففيه تفنى الأعمار والأجيال، ويبقى في هذا المجال متسع.
على أن المصيبة هي أن يعاد دراسة وجهات النظر ذاتها مع اختلاف السياق التاريخي والمصيري للأمة، إذ المجال الأكمل لاستفراغ القدرات والطاقات ينبغي أن يصبّ في اتجاهات أوْلى، لكن إذا ما أعيد إحياء ودراسة تلكم القضايا في غير سياقها التاريخي، فإن هذا يكون مؤشرًا لـ"تأزم معرفي"، إذا ما كانت المرحلة مرحلة "تأخّر حضاري"، لا مرحلة ترف وتحضّر. كما هو واقعنا اليوم.
أما الأعمال والأفعال فهذه هي المقصودة وهي داخلة في "عالم الشهادة"، وفيها يقال: غير كاملة أو أقرب للكمال، ولا ينبغي التفسيق أو التكفير، بل يوجب النقد الأدبي ببيان أوجه النقص أو التناقض بأدلة يعتبرها المنتقَد عليه، فإن اتبع الوجه المطابق للأدلة كان به، وإلا قلنا إنه متبع للهوى ومكابر، وهذه آفة تحكم على صاحبها بعدم الانسجام.
أما إذا اختلفت المنطلقات والأدلة الحاكمة، فبالتأكيد فالنتائج والمُخرجات ستكون متغايرة ومتباينة ولا بأس، ويبقى النقد الأدبي هو سيّد المواقف بينها، وإن لم يكن ثمّة مجال للنقد لعدم وجود الأدلة المعتبرة المشتركة لدى المنتقد عليه، فتبقى الحرية الكاملة له، على أن لا يؤدي بأفعاله إلى عرقلة المجتمع أو إيذائه أو تبديد قواه.
فالأفكار المتباينة على الجملة لها حظ من الاشتراك قد يزيد أو ينقص، ومن هذه النقطة والأرضية المشتركة المعتبرة، ينطلق الحوار والنقد الأدبي، والكلمة العليا تكون دومًا فوق السفلى، والعمل الصالح يرفعه، وأما الزبد فيذهب جفاءً، وما ينفع الناس فيمكثُ في الأرض.


الإنشاء والإبداع

الخلق
الإنشاء
الذرء
التسوية
التعديل
الفطر
الجعل
الإبداع