أفلا يتدبرون القرآن؟!
مناظرة مع ابن القيّم -رحمه الله تعالى حول آية من كتاب الله تعالى:
"فلا أقسم بالخُنّس"
مناظرة مع ابن القيّم -رحمه الله تعالى حول آية من كتاب الله تعالى:
"فلا أقسم بالخُنّس"
قال تعالى:
"فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ –جبريل- * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ –محمد- بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ –محمد رأى جبريل- بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ –القرآن- بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" . التكوير: 15-29.
ذهب المفسرون في تفسيرهم (الخُنّس) إلى خمسة أقوال:
أحدها: أنها خمسة أنجم تَخْنُس بالنهار فلا تُرى، وهي زُحَل، وعُطَارد، والمشتري، والمرِّيخ، والزُّهرة، قاله علي، وبه قال مقاتل، وابن قتيبة.
والثاني: أنها النجوم، قاله الحسن وقتادة على الإطلاق، وبه قال أبو عبيدة.
والثالث: أنها بقر الوحش، قاله ابن مسعود.
والرابع: الظباء، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير.
والخامس: الملائكة، حكاه الماوردي.
والأكثرون على أنها النجوم.
وبالإجمال فآراؤهم ترجع إلى ثلاثة؛ إما المراد بالخنس: النجوم أو الوحوش أو الملائكة، والأكثرون على أنها النجوم.
وقد رجّح الإمام ابن القيّم مذهب الأكثرين، وردّ تفسير مَن قال إنها (الوحوش)، حيث قال: "وليس قول من فسرها بالظباء وبقر الوحش بالظاهر لوجوه :
(أحدها): أن هذه الأحوال في الكواكب السيارة أعظم آية وعبرة.
ويرد عليه أن الله عز وجل له أن يُقسم بما شاء، ثم أن السياق القرآني هو ما يُحدد المقصود باللفظ، وإن كان حمل اللفظ على معنى خارج السياق أقوى آية وعبرة، فالعبرة بالسياق القرآني، وليس دلالة اللفظ وقوتها. كما في قوله تعالى: "والنجم والشجر يسجدان" فسجود النجم الذي في السماء أعظم آية وأقوى عبرة، من النجم الذي هو –النبات الذي لا ساق له- لكن السياق القرآني هو ما يُحدد المقصود من النجم. وإن كان كل من النجم والشجر يسجد لله العظيم. قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ".
أحدها: أنها خمسة أنجم تَخْنُس بالنهار فلا تُرى، وهي زُحَل، وعُطَارد، والمشتري، والمرِّيخ، والزُّهرة، قاله علي، وبه قال مقاتل، وابن قتيبة.
والثاني: أنها النجوم، قاله الحسن وقتادة على الإطلاق، وبه قال أبو عبيدة.
والثالث: أنها بقر الوحش، قاله ابن مسعود.
والرابع: الظباء، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير.
والخامس: الملائكة، حكاه الماوردي.
والأكثرون على أنها النجوم.
وبالإجمال فآراؤهم ترجع إلى ثلاثة؛ إما المراد بالخنس: النجوم أو الوحوش أو الملائكة، والأكثرون على أنها النجوم.
وقد رجّح الإمام ابن القيّم مذهب الأكثرين، وردّ تفسير مَن قال إنها (الوحوش)، حيث قال: "وليس قول من فسرها بالظباء وبقر الوحش بالظاهر لوجوه :
(أحدها): أن هذه الأحوال في الكواكب السيارة أعظم آية وعبرة.
ويرد عليه أن الله عز وجل له أن يُقسم بما شاء، ثم أن السياق القرآني هو ما يُحدد المقصود باللفظ، وإن كان حمل اللفظ على معنى خارج السياق أقوى آية وعبرة، فالعبرة بالسياق القرآني، وليس دلالة اللفظ وقوتها. كما في قوله تعالى: "والنجم والشجر يسجدان" فسجود النجم الذي في السماء أعظم آية وأقوى عبرة، من النجم الذي هو –النبات الذي لا ساق له- لكن السياق القرآني هو ما يُحدد المقصود من النجم. وإن كان كل من النجم والشجر يسجد لله العظيم. قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ".
(الثاني): اشتراك أهل الأرض في معرفته بالمشاهدة والعيان.
وهذا كذلك يستوي مع مَن قال إنها الوحوش، فلا يخفى على أحد أن البقر أو الظباء أو الحُمُر الوحشية تخنس –من الرجوع - عند حالة الخوف من المفترس، ثم تسرع في هروبها ورجوعها –تجري/ الجواري- ثم تكنس؛ أي تحاول –الاستتار - والاختفاء من عدوها. وهذا كله لا يخفى على أهل الأرض.
وهذا كذلك يستوي مع مَن قال إنها الوحوش، فلا يخفى على أحد أن البقر أو الظباء أو الحُمُر الوحشية تخنس –من الرجوع - عند حالة الخوف من المفترس، ثم تسرع في هروبها ورجوعها –تجري/ الجواري- ثم تكنس؛ أي تحاول –الاستتار - والاختفاء من عدوها. وهذا كله لا يخفى على أهل الأرض.
(الثالث): أن البقر والظباء ليست لها حالة تختفي فيها عن العيان مطلقًا بل لا تزال ظاهرة في الفلوات.
أقول: ليس المراد من اختفاء الوحوش في الآية عن أعين الناس، بل عن أعين مفترسيها.
أقول: ليس المراد من اختفاء الوحوش في الآية عن أعين الناس، بل عن أعين مفترسيها.
(الرابع): إن الذين فسروا الآية بذلك قالوا ليس خنوسها من الاختفاء. قال الواحدي: هو من الخنس في الأنف؛ وهو تأخر الأرنبة وقصر القصبة، والبقر والظباء أنوفهن خنس والبقرة خنساء والظبي أخنس. ومنه سميت الخنساء لخنس أنفها، ومعلوم أن هذا أمر خفي يحتاج إلى تأمل وأكثر الناس لا يعرفونه، وآيات الرب التي يقسم بها لا تكون إلا ظاهرة جلية يشترك في معرفتها الخلائق، وليس الخنس في أنف البقرة والظباء بأعظم من الاستواء والاعتدال في أنف ابن آدم فالآية فيه أظهر.
أقول: كلام بعض المفسرين على أن معنى الخَنَس هو الاختفاء والاستتار، عن ابن عباس: البقر تكنس إلى الظل، وقول آخر عنه: هي الوحش تكنس لأنفسها في أصول الشجر تتوارى فيه. عن مجاهد: هي الظباء إذا كنست كوانسها. أي؛ تغيب في المواضع التي تغيب فيها.
أقول: كلام بعض المفسرين على أن معنى الخَنَس هو الاختفاء والاستتار، عن ابن عباس: البقر تكنس إلى الظل، وقول آخر عنه: هي الوحش تكنس لأنفسها في أصول الشجر تتوارى فيه. عن مجاهد: هي الظباء إذا كنست كوانسها. أي؛ تغيب في المواضع التي تغيب فيها.
(الخامس): أن كنوسها في أكنتها ليس بأعظم من دخول الطير وسائر الحيوانات في بيته الذي يأوي فيه ولا أظهر منه حتى يتعين للقسم.
هذا صحيح، ولكن السياق القرآني أراد كنوس الوحوش لمقصد عظيم، سيتبيّن بعد قليل- لذا خصّه وأقسم به.
هذا صحيح، ولكن السياق القرآني أراد كنوس الوحوش لمقصد عظيم، سيتبيّن بعد قليل- لذا خصّه وأقسم به.
(السادس): أنه لو كان جمعًا للظبي لقال: الخُنْس - بالتسكين - لأنه جمع أخنس فهو كأحْمر وحُمْر، ولو أريد به جمع بقرة خنساء لكان على وزن فعلاء أيضًا كحمراء وحُمْر فلما جاء جمعه على فُعَّل - بالتشديد - استحال أن يكون جمعًا لواحد من الظباء والبقر، وتعين أن يكون جمعًا لخانس كشاهد وشُهَّد وصائم وصُوَّم وقائم وقُوَّم ونظائرها.
هذا أيضًا صحيح، فالله أقسم بمخلوق من مخلوقاته–الوحوش-، وصوّر حالةً من حالات هذا المخلوق، حالة تعرضه لخطر الافتراس، فذكَر سبحانه الحالات التي تعتريه، وهذا ما أراده. وقد ورد في حديث صحيح أن المقصود بالخُنّس البقر، إذا أخرج الحاكم في المستدرك عن أبي ميسرة قال : سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: في قوله عز و جل: {فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس} قال: "هي بقر الوحش" .
(السابع): أنه ليس بالبيّن إقسام الرب تعالى بالبقر والغزلان وليس هذا عُرف القرآن ولا عادته، وإنما يقسم سبحانه من كل جنس بأعلاه، كما أنه لما أقسم بالنفوس أقسم بأعلاها وهي النفس الإنسانية، ولما أقسم بكلامه أقسم بأشرفه وأجله وهو القرآن، ولما أقسم بالعلويات أقسم بأشرفها وهي السماء وشمسها وقمرها ونجومها ولما أقسم بالزمان أقسم بأشرفها وهو الليالي العشر، وإذا أراد سبحانه أن يقسم بغير ذلك أدرجه في العموم كقوله :{فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون} وقوله {الذكر والأنثى} في قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك.
لكن من المعلوم أن الله العظيم يُقسم بما شاء من مخلوقاته. بل قد أُقسم الله تعالى بالبهائم، كقوله تعالى: "والعاديات ضبحًا" على اختلاف بين المفسرين في المقصود بها (الإبل- الخيل)، وكذلك في قوله تعالى: "والصافّات صفًّا". على قول مَن قال إنها الخيل.
لكن من المعلوم أن الله العظيم يُقسم بما شاء من مخلوقاته. بل قد أُقسم الله تعالى بالبهائم، كقوله تعالى: "والعاديات ضبحًا" على اختلاف بين المفسرين في المقصود بها (الإبل- الخيل)، وكذلك في قوله تعالى: "والصافّات صفًّا". على قول مَن قال إنها الخيل.
(الثامن): أن اقتران القسم بالليل والصبح يدل على أنها النجوم، وإلا فليس باللائق اقتران البقر والغزلان والليل والصبح في قسم واحد. وبهذا احتج أبو إسحاق على أنها النجوم، فقال: هذا أليق بذكر النجوم منه بذكر الوحش.
متعلقات المُقسَم عليه –الخُنس/ الوحوش هي (الجواري –الكنس)؛ الهاربة المختبئة، انتهت في السياق، وبعد ذلك انتقل إلى موضوع جديد لا اقتران لفظي بين السابق له واللاحق به، بقوله: "والليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس". فالقسم بالخُنّس مقترن بالقسم بالليل والصبح من حيث الدلالة لا الوصف، فحمل معنى الخُنّس على النجوم التي ترجع وتغيب يتناسب مع الليل والنهار في الإقبال والإدبار، حمل يُضيّع المعنى الأدقّ والأعمق. إذ المقصود بالقسم الأخير "والليل إذا عسعس* والصبح إذا تنفّس" أن ظلمة الجهل والشرك ستزول بنور الوحي والنبوة. فالليل كناية عن الجهل والشرك، والصبح كناية عن الوحي والنبوة. ووجه الاقتران بين القسم بالخُنّس (حالة الحُمر عند الخوف -النفور والفرار-) والقسم بالليل والصبح (حالة زوال الجهل والشرك وانتشار العلم والتوحيد)، وهو المسبب لكلاهما فالمسبب لفرار الوحوش هو المفترس، والمسبب لزوال الجهل والخوف هو الوحي والنبوة، فالمفترس –كما توهّمه الكفار- هو النبي صلى الله عليه وسلم. وسيأتي بيان ذلك قريبًا.
متعلقات المُقسَم عليه –الخُنس/ الوحوش هي (الجواري –الكنس)؛ الهاربة المختبئة، انتهت في السياق، وبعد ذلك انتقل إلى موضوع جديد لا اقتران لفظي بين السابق له واللاحق به، بقوله: "والليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس". فالقسم بالخُنّس مقترن بالقسم بالليل والصبح من حيث الدلالة لا الوصف، فحمل معنى الخُنّس على النجوم التي ترجع وتغيب يتناسب مع الليل والنهار في الإقبال والإدبار، حمل يُضيّع المعنى الأدقّ والأعمق. إذ المقصود بالقسم الأخير "والليل إذا عسعس* والصبح إذا تنفّس" أن ظلمة الجهل والشرك ستزول بنور الوحي والنبوة. فالليل كناية عن الجهل والشرك، والصبح كناية عن الوحي والنبوة. ووجه الاقتران بين القسم بالخُنّس (حالة الحُمر عند الخوف -النفور والفرار-) والقسم بالليل والصبح (حالة زوال الجهل والشرك وانتشار العلم والتوحيد)، وهو المسبب لكلاهما فالمسبب لفرار الوحوش هو المفترس، والمسبب لزوال الجهل والخوف هو الوحي والنبوة، فالمفترس –كما توهّمه الكفار- هو النبي صلى الله عليه وسلم. وسيأتي بيان ذلك قريبًا.
(التاسع): أنه لو أراد ذلك سبحانه لبيّنه وذكر ما يدل عليه، كما أنه لما أراد بالجواري السفن قال: {ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام}، وهنا ليس في اللفظ ولا في السياق ما يدل على أنها البقر والظباء، وفيه ما يدل على أنها النجوم من الوجوه التي ذكرناها وغيرها.
بل معرفة مقصود الله تعالى بحاجة إلى مزيد تأمل وتدبر. "أفلا يتدبّرون القرآن"؟؟!
بل معرفة مقصود الله تعالى بحاجة إلى مزيد تأمل وتدبر. "أفلا يتدبّرون القرآن"؟؟!
(العاشر): أن الارتباط الذي بين النجوم التي هي هداية للسالكين ورجوم للشياطين وبين المقسم عليه- وهو القرآن الذي هو هدى للعالمين وزينة للقلوب، وداحض لشبهات الشيطان- أعظم من الارتباط الذي بين البقر والظباء والقرآن. والله أعلم.
هذا الاستنتاج طبيعي تِبعًا للمقدمات التي استعرضها. لكن بالتدبر سنجد ارتباطًا أقوى بإذنه تعالى.
قلنا إن الله العلي العظيم أقسم بمخلوقاته الوحوش وذكر بعض حالاتها، وهي حالة الخوف من مفترسيها، فحالتها ساعتئذٍ الرجوع عن طريق مفترسيها والهروب منها والاختفاء عنها، وهذه الحالة هي ذاتها حالة الكفار تجاه النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "فَمَا لَهُمْ –الكفار- عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ–مفترس أو عدو-" .
فالكفار –بوهْمهم- حالهم مع نبيّهم عليه الصلاة والسلام كحال الحُمُر والوحوش مع المفترس، والفارق أن النبوة والوحي ليس كما يتوهّمون لجلب المفاسد عليهم وشقائهم، بل هو في الحقيقة لجلب المنافع لهم وسعادتهم، كما أن الرابط بين حالة الكفار (الخُنّس-الجواري- الكنّس) مع المقسَم عليه –القرآن الكريم- قوله تعالى: "فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" .
إذ حالة الكفار مع ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام –القرآن- الإعراض عنه الخَنس فهم (خُنّس)، والفرار منه فهم (جواري)، والاختفاء منه فهم (كُنّس)، وما ذاك إلا بسبب توّهم أصابهم تجاه القرآن، والحقيقة أنه هداية له ورحمة، لذا فهم يُناديهم: أين تذهبون؟ ويقول لهم: "كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ" .
ونلاحظ هنا الترابط القوي في السياق القرآني في سورتي المدثر والتكوير بين حالة هروب الحُمُر من الأسد، وحالة هروب الكفار من القرآن، فالحُمُر تفرّ حفاظًا على حياتها، لكن الكفار يفرّون حفاظًا على مصالحهم، والحقيقة أن هذا توهّم منهم، إذ المصلحة كل المصلحة باتباع القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم. إذ بذلك سيزول الجهل والشرك، وتنمحي الضلالة والفرقة والذلة، وسينتشر ويستقر العلم والتوحيد، وتعُمّ الهداية واللُحمة والعزة والكرامة.
هذا الاستنتاج طبيعي تِبعًا للمقدمات التي استعرضها. لكن بالتدبر سنجد ارتباطًا أقوى بإذنه تعالى.
قلنا إن الله العلي العظيم أقسم بمخلوقاته الوحوش وذكر بعض حالاتها، وهي حالة الخوف من مفترسيها، فحالتها ساعتئذٍ الرجوع عن طريق مفترسيها والهروب منها والاختفاء عنها، وهذه الحالة هي ذاتها حالة الكفار تجاه النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "فَمَا لَهُمْ –الكفار- عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ–مفترس أو عدو-" .
فالكفار –بوهْمهم- حالهم مع نبيّهم عليه الصلاة والسلام كحال الحُمُر والوحوش مع المفترس، والفارق أن النبوة والوحي ليس كما يتوهّمون لجلب المفاسد عليهم وشقائهم، بل هو في الحقيقة لجلب المنافع لهم وسعادتهم، كما أن الرابط بين حالة الكفار (الخُنّس-الجواري- الكنّس) مع المقسَم عليه –القرآن الكريم- قوله تعالى: "فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" .
إذ حالة الكفار مع ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام –القرآن- الإعراض عنه الخَنس فهم (خُنّس)، والفرار منه فهم (جواري)، والاختفاء منه فهم (كُنّس)، وما ذاك إلا بسبب توّهم أصابهم تجاه القرآن، والحقيقة أنه هداية له ورحمة، لذا فهم يُناديهم: أين تذهبون؟ ويقول لهم: "كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ" .
ونلاحظ هنا الترابط القوي في السياق القرآني في سورتي المدثر والتكوير بين حالة هروب الحُمُر من الأسد، وحالة هروب الكفار من القرآن، فالحُمُر تفرّ حفاظًا على حياتها، لكن الكفار يفرّون حفاظًا على مصالحهم، والحقيقة أن هذا توهّم منهم، إذ المصلحة كل المصلحة باتباع القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم. إذ بذلك سيزول الجهل والشرك، وتنمحي الضلالة والفرقة والذلة، وسينتشر ويستقر العلم والتوحيد، وتعُمّ الهداية واللُحمة والعزة والكرامة.
بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ