في زمن سهُل فيه الوصول إلى المعلومة وبنفس القدر
سهُل فيه تزييفها.
ومن المسائل التي يتطرق إليها الشباب غير المسلم
وتوجَّه نحو الشباب المسلم مسائل تتعلّق بالقرآن الكريم المتداول من حيث مصدره ومن حيث صحته ومن
حيث صلاحيته.
أما كون مصدره من الله تعالى فهذا لا مجال للبحث
التجريبي في بيانه فضلاً عن تأكيده أو برهنته. فيبقى المقطوع به على الأقل أنّ الذي جاء به هو محمد (ص). والفرْضيات التي يرى أصحابها أن القرآن الحالي هو من تراث القرن الثالث أو الرابع الهجرييْن لا تثبت عند الفحص والتحقيق.
أما من حيث صحة من حيث ثبوته وحفظه فيتوقف الأمر على إثبات النسخة أو
الوثيقة "الأصلية" التي دُوّنت وقت التنزيل، والواقع أنه لم يثبت حتى اللحظة تلكم النسخة الأصلية،
وهذه إشكالية.
أما القول بأن القرآن الكريم نُقل بالتواتر وحُفظ بالصدور،
فهذا الأمر يصحّ إذا ثبت وجود النسخة الأصلية، وللتواتر أفضلية نشر القرآن على نطاق واسع.
فالبرغم من وجود نسخة واحدة وقت الرسول النبي (ص) إلا أن القرآن محفوظ في الصدور،
ونقل إلى الأجيال اللاحقة بالتواتر. فإن الحفظ في الصدور والتواتر فينقل المحفوظ يفيدان في أفضلية نشر القرآن
لا في إثباته من حيث التدوين.
والذي نقله إلينا المؤرخون أن فترة الرسول النبي كان
القرآن يكتب متفرّقًا على الوسائل المتاحة آنذاك، وقد حفظ بعض الصحابة القرآن
كاملاً في صدورهم، وفي عهد الخليفة الصّدّيق تم جمعه لأسباب توثيقية "نسخة الصّديق" أو "مصحف حفصة"، ومضى
المسلمون على حفظهم للقرآن الكريم في صدورهم وبقي مصحف الصّدّيق هو النسخة
"المعتمدة" مع وجود بعض النسخ "الخاصة" لدى بعض الصحابة، وبقي
الأمر على ما هو حتى خلافة عثمان، وفي هذه المرحلة بدأت قراءة القرآن الكريم وحفظه بالاضطراب في بعض البلاد المفتوحة. وما أدّى ذلك إلى انشغال العسكريين بالقتال وقلّة
اهتمامهم بالضبط والإحكام لقراءة آيات القرآن الكريم، وأيضًا ورد لدينا خلافات بين
بعض الصحابة في كيفية قراءة بعض الآيات مما يدل أن الاضطراب أيضًا قد كان في الحضر
وفي المدينة، ومهما يكن من سبب، فقد دخل الاضطراب في قراءة القرآن الكريم، وقد تمّ
نسخ عدة نسخ على اختلاف الروايات التاريخية من النسخة المعتمدة
"الصّدّيق" وهذه النسخ عرفت بـ"المصاحف
العثمانية". والواقع أن لا أثر لأي نسخة منها فضلاً عن "مصحف حفصة".
وهذه إشكالية. لكن ربما يكشف لنا الزمان عنها.
وفي أثناء نسخ الخليفة
عثمان للمصاحف نقل إلينا المؤرخون حرقه لباقي النسخ "الخاصة"، وحثّ على
تداول المصاحف التي نسخها في سائر بلدان المسلمين.
ومع ذلك ما زال بعض
المسلمين يحفظ القرآن الكريم في صدره، ولم يكن آنذاك آلة لتسجيل الأصوات كعصرنا هذا
إذًا لأمكن المقارنة والفحص إن تطابقت مع قراءتنا المعاصرة، وقد نقل لنا بعض
المؤرخين بعض الاختلافات بين القرّاء في كيفية قراءة بعض الآيات، فظهر بما يعرف
بعِلم القراءات، وجعلوا لها شروطًا.
أما "المصحف المعاصر" فقد تمّ طباعته في المملكة السعودية وهو وفق قراءة حفص عن عاصم المتواترة، وهناك
مصاحف طبعتها دولة ليبيا والسعودية أيضًا وهي وفق قراءة ورش عن نافع، وهناك مصاحف
وفق قراءة شعبة عن عاصم. وكلها متواترة، وقد تمّ الاعتماد على كتابتها على كتب
القراءات.
والمدقّق بين هذه
القراءات يجد زوائد ونواقص بين بعض الكلمات تم تفسير هذه الاختلافات على أنها وجوه للقراءة المتواترة. ومهما يكن فإن هذه الاختلافات ليست متناقضة. أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا" النساء: 82. فالاختلافات قليلة وغير متناقضة.
أما بخصوص صلاحية
القرآن الكريم لكل زمان ومجتمع، فيمكن القول إن القرآن الكريم يقسّم إلى قسميْن:
الأول: الآيات
التأسيسية تصلح لكل زمان ومكان، ولا تتخلف أبدًا ولا تتحوّل. وهي ما تُعرف
بالثوابت.
الثاني: الآيات
العلاجية، وهي التي تعالج قضايا إنسانية اجتماعية كانت قائمة وقت التنزيل، وهي قابلة
للتغيّر و التبديل بحسب الظرف، وهي ما تُعرف بالمتغيّرات. ومن أمثلتها: الجزية،
طرق ردّ العدوان والدفاع، والزواج من الصغيرات، والإماء والعبيد.
لذا فالقرآن الكريم
بعضه صالح لكل زمكان، وبعض علاجي غير تأسيسي.
الخلاصة:
كما أن ليس لدينا دليل حسّي مخبري على وجود "الخالق"، بل لدينا آثار
خلقه الدّالة عليه، فإنه في الوقت ذاته ليس لدينا دليل توثيقي على أن القرآن
الكريم الذي بين أيدينا هو المطابق للنسخة التي نزلت أو دُوّنت على عهد الرسول
النبي(ص)، بل لدينا آثار تلك الكلمات وما تحمله من معانٍ ومعارف، وكل ما لدينا هو آثارٍ من نسخ قديمة لا "أصلية"، فثمّة فجوة بين النسخة الأصلية المفقودة وبين
النسخ القديمة المتوفرة حتى اللحظة. كما ثمّة فجوة بين إدراك "الخالق" وبين
الإشارات الدالة عليه.
ومع هذا فإن الإقرار بأن القرآن الكريم هو كتاب جاء به محمّد (ص)، على تنوّع القراءات واختلافاتها غير المتناقضة، تحمل في ثناياها معارف وعلوم سابقة لعصرها، لهو إشارة إلى صدق وصحة ومصداقية القرآن وأنه من عند "الخالق".
بوركتم جميعًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق