الاثنين، 25 سبتمبر 2017

أسئلة تفتح أسئلة أعمق

يسعى الإنسان بدافع الفضول إلى التساؤل عن أشياء كثيرة، والتحليل النفسي لذلك هو محاولة الإنسان إثبات معرفته للأشياء -والأسرار- أمام أقرانه. فهو محاولة إثبات معرفة لمعلومة لغيره. أو توظيف هذه المعلومة لخدمة مآربه وقد يكون منها -فضح أسرار غيره-.
لكن هناك بعض التساؤلات المقلقة التي لا تعطي المرء رصيدًا معرفيًا يتفاخر به، ولا مجالاً لاستغلاله لتحقيق مآربه، بل هي تساؤلات في بطن تساؤلات لا تجد لها إجابات شافية. فهنا هذه المرة هو محتاج لمعرفة تشفي غليله، وتُريح قلقه.
- لماذا خُلقنا؟
يقدّم الدين وأسّه القرآن إجابات نصوصية صريحة:
1- "إلا ليعبدون".


وهنا يفتح تساؤل جديد:

- لماذا نعبد الله؟ هل هو محتاج لنا؟
- الجواب: بالتأكيد: لا، ليس محتاج لنا.
وهنا إذن لا بد أن مفهوم "العبادة" مخالف لما هو سائد.


2- "
ليبلوكم أيكم أحسن عملاً".


وهنا يفتح تساؤل جديد:
- هل الله لا يعلم أيّنا أحسن عملاً؟؟
- الجواب: بالتأكيد يعلم.
وهنا إذن لا بد أنه خلقنا لمقصد آخر.


والنتيجة حتى اللحظة أن الخالق ليس محتاجًا لنا، ولا هو جاهل بنا.
وإذا وقفنا على القراءة الحرفية فسيظهر لنا أن الخالق محتاج للمخلوقين، وأنه جاهل بهم وحاشاه.
وإذا نظرنا إلى القرآن نظرة معمّقة فإن الإجابة على التساؤل (لماذا خُلقنا؟) لن نجد إجابتها صريحة. بل سنستنبطها استنباطًا.


فخلق الإنسان إنما هو اختبار لطائفة من الملائكة ظنّت أنها حازت العلم الكلي، فرأت أن لا داعي لهذا المخلوق الجديد، وأنه سيُفسد ويسفك الدماء.

والملاحظ قرآنيًا صدق مقولة هذا النفر من الملائكة، فقد سُفك الدم مبكرًا (قصة ابني آدم).
لكن التعليل الآلهي هو (أنه يعلم ما لا تعلمون).
والنتيجة المسبقة والمعلن عنها: (أن أكثر الناس في هلاك). 
فهل كان النزاع بين علم الله وعلم ملائكته المقربين مرتبطًا
بأي الفريقين أعلم:
هلاك الكل (الملائكة)، أم بهلاك المعظم (الله)؟
الإنسان وفق النظرة القرآنية المصرّح بها (ليعبدون، ليبلوكم) يجعل من الإله ناقصًا حاشاه، ووفق النظرة الاستنباطية يجعله إلهًا متفردًا بالعلم.


حتى اللحظة لا يقدّم القرآن إجابة شافية لسؤال (لماذا خُلقنا؟)، بل يُفضّل كثيرون عدم التعمّق في هذا، ويقفون على الحرف والنص، وهو عبادة الله ويدخل في معناها وأساسها الطقوس، وفكرة الابتلاء. ويقرّرون عدم عبثية الخلق وهذا الأخير لا خلاف فيه.

عمق السؤال يتطلب عمقًا في الإجابة، والإجابة على تساؤل (لماذا خلقنا؟) يتطلب عمقًا معرفيًا، ونحن الإنسان للأسف ما زلنا نحبو على عتبات العلم. 
وسنعرف الإجابة الشافية حينما نمرّ في حياة عالم الآخرة. فليست الدنيا في قبال الآخرة إلا مرحلة طفولة في قبال حياة الرشد.


وهنا كما ترى نلجأ إلى رمي المسألة برمّتها إلى الأمام، ويبقى الإنسان الباحث والشغوف قلقًا، لكن ما يخفّف قلقه هو اعترافه بتواضع كبير أنه قليل علم، وأنه ما يزال يبحث وأمامه الكثير ليعرف ويعلم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق