مقالات في التنوير المطلوب
مندلسون: "تعليم الإنسان التدريب على استعمال العقل".
كانط: خلاص الإنسان من سذاجاته التي جلبها لنفسه، وذلك باستخدام العقل من دون أن يشوهه التعصب، ومن دون أن يُوجّهه الآخرون".
أقول إذا كان في كل واحد فينا نور بداخله، فإن التنوير:
."هو إطلاق هذا النور، وهو نور التساؤلات التي بداخل كل امرئ، والبدء في البحث عن إجابات من غير تردّد ولا وصاية الآخرين".
أقول إذا كان في كل واحد فينا نور بداخله، فإن التنوير:
."هو إطلاق هذا النور، وهو نور التساؤلات التي بداخل كل امرئ، والبدء في البحث عن إجابات من غير تردّد ولا وصاية الآخرين".
أهم مرتكزات التنوير:
* الجرأة على استعمال العقل. كانط.
* الابتعاد عن الخرافات. ديدرو.
* التسامح. فولتير.
* إصلاح المؤسسات السياسية. جان جاك رسو .
حين يغلب على شبابنا البناء الفكري والنقدي، والجرأة على محاكمة القضايا على قواطع العقل، ولا يرهبون في ذلك أيّ سلطة كانت، وحينما يسود المنطق السليم ونُظم التعليل، وتتراجع الخرافة والكرامة، على حدّ سواء، وحينما يسود التسامح واحترام التعدد والاختلاف، وحينما ينشد المجتمع العدالة ويعمل على تحقيقها بعيدًا عن المحسوبيات والفساد.
حينذاك ستكون أوضاعنا بخير.
* الابتعاد عن الخرافات. ديدرو.
* التسامح. فولتير.
* إصلاح المؤسسات السياسية. جان جاك رسو .
حين يغلب على شبابنا البناء الفكري والنقدي، والجرأة على محاكمة القضايا على قواطع العقل، ولا يرهبون في ذلك أيّ سلطة كانت، وحينما يسود المنطق السليم ونُظم التعليل، وتتراجع الخرافة والكرامة، على حدّ سواء، وحينما يسود التسامح واحترام التعدد والاختلاف، وحينما ينشد المجتمع العدالة ويعمل على تحقيقها بعيدًا عن المحسوبيات والفساد.
حينذاك ستكون أوضاعنا بخير.
يعالج التنوير مشكلات الوعي الإنساني، مهما كانت مهده ونشأته، أوروبيًا أو هنديًا أو عربيًا أو غير ذلك، لأن مشكلة الوعي مشكلة وجودية، قد تتسّع في مجتمعات، وقد تضيق في أخرى، إلا أنها ذات خصائص وجودية تعتري هذا الإنسان.
وإذا صدق هذا التوصيف على الإنسان الفرد، فإنه يصدق على الإنسان المجتمع. فالتنوير الأوروبي عالج قضايا الإنسان- المجتمع وحرّره من الوصايا الثقيلة للعشيرة، وساقه إلى القوانين المدنية، ونظّم الأحزاب السياسية، لكنه لما حرّره من التعصب القَبَلي، أدخله إلى تعصّب حزبي، كما أنه طالب بالحريات الدينية، فكرّس التعصب الديني، فمشكلة التعصّب مشكلة "الإنسان"، وإن خفّت وتيرتها أو قلّ مجالها في بعض البلدان. لكن تبقى مجتمعاتنا العربية هي الأكثر تعصّبًا للعشيرة وللعقيدة وللمذهب وللحزب وللوطن، وللذات الفردية!! لا يمكن التخلّص من كل هذه المجالات، لكن يمكن التخفيف من حدّة التعصّب، عبر تربية شبابنا على ثقافة التنوع والاختلاف، وعلى احترام الآراء وأصحابها، وعلى ثقافة النقد البناء، وعلى ثقافة التحقيق، لا على ثقافة الأحادية والانغلاقية والتعصّب وكراهية المخالِف والدعوة إلى قتله، ولا على ثقافة التصيّد والاجتزائية، ولا على الذهنية الإسفنجية. وهذه التربية تقوم على عاتق الأسر التنويرية، والجهاز التعليمي، ومنصّات الخطاب الإعلامي. وكل خطاب أو جهاز تعليمي يقوم على تكريس التعصّب وكراهية الآخر فهو معوّق ذاتي قبل أن يكون خارجيًا.
مشاكل الإنسان من حيث هو إنسان هي واحدة، تتجه إلى نفسيته ووعيه وذهنيّته، وتختلف في الدرجة بين فرد وآخر، وبين مجتمع وآخر.
ساهمت الفلسفة والأديان في محاولة تخليص الإنسان/المجتمع من هذه المشاكل، لكن ما لبثت أن أدخلته في مشاكل أخرى، فهو في دوّامة إشكاليات. بيْد أن الأديان التي تقوم على الخبر، وتقتضي الاعتقاد، تقدّم حلولاً تطمينية عزائية، يستجيب لها قطاع كبير من ذوي الطباع التي تميل إلى الدعة والراحة. بينما العلوم التي تقوم على النظر وتقتضي الانتقاد، تقدّم منجزات وخدمات تحقق الراحة والرفاهية، إلا أنها نظرًا لسوء توظيفها تُدخل الإنسان والمجتمع إلى إشكالات جديدة، فتجعل منهم آلات ومحلّ استهلاك أو محل نهم وجشع واحتكار. فالمشكلة كلها راجعة إلى هذا الإنسان إن في جانب العلوم حيث الجشع والرغبة في السيطرة، وإن في جانب الأديان حيث الكسل والرغبة في السيطرة والشعور بالأفضلية. يناضل كثيرون في التفريق بين الوضع الأوروبي والوضع العربي، من حيث الصراع بين الدين والعلم، حيث يزعمون أن الإسلام لم يكن يومًا ضد العلوم. وأن طبيعة الأديان في أوروبة وطابعها الكنسي معدوم في الجانب العربي! لكن عند النظر نجد أن طبقة المشايخ وأصحاب الخطاب الديني هم في مصافّ الكنيسة، إذ لديهم سلطة التحريض على المخالف، ولديهم تحالف مع الأنظمة القمعية, كما أن الإسلام وإن كان ليس ضد العلوم، لكن المشايخ ضد علوم الفلسفة، ضد علوم النقد والمنطق وعلوم الاجتماع؛ لأن هذه العلوم تنقض الكثير مما قيل "إنه من الإسلام". فأنت كما ترى أن الإنسان إن توسّل العلوم أو التجأ إلى الدين فإنه يبقى في معاناة أو مسبّبًا في معاناة غيره، بين وعْي وألم، أو بين وهْم وراحة. فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن؟!
مقصود حقيقة التنوير قائم على مبدأيْن: الضبط والحفظ:
أما الضبط فهو التقوى إذ يضمن له عدم الانصراف إلى الأنانية والجشع والتكبّر المفضي إلى الكراهية والعدوان. أما الحفظ فهو التعقّل، إذ يحفظ الإنسان/المجتمع من التغوّل والانجراف دون الالتفات إلى العواقب، ويحفظه من الإقدام دون الفحص والتحقيق. فلا تنوير إذا لم ينفّذ هذين المبدأيْن على أحسن وجه، وعلى سائر الشعوب، أما إذا كان التنوير على مبدإ دون آخر، فهو تزوير، وإذا كان على شعب دون آخر فهو تدمير. فالأيقاظ لا تغرنّهم الشعارات. أيّدني الله وإيّاكم بروح منه.
إعادة تشكيل الإنسان والمجتمع، عبر تحريره من الخوف من التفكير إلى الإنتاج والتعمير، من خلال العمل في مجالات الزراعة والصناعة، وإنشاء المدن الجديدة، واندماج مجتمعات تشترك في الولاء للدولة والقانون، كل هذا يساهم في عملية التنوير، إذ يصبح همّ الفرد/المجتمع التفكير في المستقبل، ويدعو إلى التنافس في الخيرات، ويحيّد الاستغلاق في الماضي، أو الجدال والكلام، ويخفف من التفكير الغيبي، إذ العمل يبدد الجدل، والشهادة تتبدّى على الغيب، والنظر المستقبلي يتغلّب على الحنين للماضي.
في مجتمعاتنا حيث الفساد الإداري والمحسوبيات إن على مستوى العشيرة أو التنظيم السياسي، ونسبة البطالة الكبيرة، ومستوى التعليم الإسفنجي غير الإبداعي، كل هذا مدعاة إلى مزيد من الظلمات، حيث يكثر الجدل، والكسل، والنظر الماضوي، ويتغلّب التفسير الغيبي لأحداث الحاضر، والنظر في المآلات والخطط الاستراتيجية شبه معدوم. علينا الانتقال إلى مرحلة الإنسان الجديد، والمجتمع الجديد، في حدود قُطري كمرحلة إلى مرحلة أوسع في فضاء كوني إنساني أرحب. وهذا كفيل به الوعي الإنساني بشكل عام في كل الأقطار.
إقامة القسط أهم مطالب التنوير، والفساد في كل المجتمعات على نحو نسبي، ولكل مجال نسبته مقارنة بمجال آخر، ولن نجد مجتمعًا نقيًا من الفساد، إنما نجد مجتمعات أنظف من أخرى.
ولما كان الفساد -وهو ظلمات- لا يحب التنوير والمصلحين، فإن أهل الفساد بما يمتلكون من خبرات وسلطات، يستطيعون بقدر ما التهرب والتنصّل، بل يقلبون بإعلامهم فسادهم إلى إصلاح، يرمون بالفساد على المصلحين، لكن الحصيف لا تختلط عليه الأوراق. الخطاب التنويري يجب أن ينصبّ على الفساد والمفسدين، لفنح باب العلاج لهم، واستئصال العنيدين منهم، لا سيّما إذا عمّ الفساد نواحي الحياة ومجالاتها الطبية والأمنية والتعليمية والقضائية والمالية والسياسية. فإذا غابت العدالة عن المجتمعات فإن مظاهر العمران وأشكال التطوّر المدني ما هي إلا قصور من رمال، لا تصمد أمام التصدّعات الأخلاقية. خصوصًا إذا كان ربّ البيت طبّال، وأصحاب السلطة مفسدون. والتنويريون غافلون عن كل هذا.
يعمل التنوير على مراجعة المدارس الدينية وتقييمها بعرضها على قواطع العقليات، والمصالح العامة، ويستبعد كل الأطر والقواعد الكلامية والأصولية إلى أقل ما يمكن، بالأخص تلك التي ليس لها واقع ولا عائد نافع.
وكل من يشجع انتشار المدارس الكلامية أو حتى الفقهية التقليدية، فعمله هذا تقليد واتباع، ومشغلة عن المهم بما ليس بمهم. والحمد لله كثير من الأصدقاء على أرض الواقع وعلى الفيسبوك أدركوا أهمية التنوير القائم على منهج صارم متماسك يعتمد المقاصد ويستند إليها. لكن ليست المقاصد المدرسية بل مقاصد ما بعد الشاطبي.
انتقل الاهتمام في عصر التنوير من النقاش والجدال حول طبيعة "الله" إلى البحث في طبيعة الإنسان من حيث دراسة العرقيات والانثروبولوجيا وغيرها مما يتعلق بالمجتمعات والأعراق.
نتج عن هذا التحوّل التشكيك بالله وبالأديان تبعًا، وتجلّى في الإنكار الكلي أو على الأقل مرحلة اللا أدرية. ومما نتج عن ذلك وهم الاصطفاء القائم على العرق بدل القائم على الدين. وحري بنا نحن المسلمين أن نحوّل النظر والبحث في الله إلى البحث في الإنسان والطبيعة ، من غير إنكار للخالق. ووضع الدين في حدوده من غير أن يشتغل في كل المجالات، خلا المقاصد الكلية والقواعد العامة التي أيدها الدين فصارت أساسه. ومن غير التوهم باصطفاء المسلمين لمجرد كونهم مسلمين ، بل الاصطفاء للمُثل والقيم العملية التي تصدر من الأقوام والتي هي "التقوى"، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا التحول في ميدان النظر والنظرة للذات وللآخر كفيلة بإخراج المسلمين إلى عصر التنوير. وأصول هذه التحوّلات نجدها في ثنايا القرآن المجيد.
النظر في الطبيعة وفي مقدمتها طبيعة الإنسان نفسيًا وذهنيًا وعرقيًا وفسيولوجيًا وأعصابًا. والغاية هي محاولة فهم النفس البشرية واعتلالاتها وما يختلجها، وفهم الباعث على السلوك، وفهم وظائف الأعضاء وكيفية معالجة الأمراض بأنواع الأدوية والعقاقير.
وقد قطعت الإنسانية شوطًا كبيرًا في هذا الميدان، بيْد أنها وقعت في مشكلتين أخلاقيتين وهما أخلاقيات المهنة الطبية واستغلال واستغفال كثير من الناس في معاملهم ومختبراتهم، وهذا ظلم كبير وإن نجم عنه تطور هائل. وأيضًا احتكار كثير من الأدوية والعقاقير. وهذه التجاوزات حدثت لغياب مبدأ التكريم الإنساني بغض النظر عن عرقه أو لونه أو دينه. أما على صعيد الطبيعة فإن النظر فيها ضرب أطنابًا عميقةً فيها، وبدأ الإنسان شيئًا فشيئًا أكثر فهمًا بل وتحكمًا، إلا أنه وقع في مشكلة أخلاقية وهي الاعتداء على الطبيعة والبيئة بنفاياته الصناعية حتى يكاد يهدد الوجود الإنساني، وهذه المشكلة ناجمة عن غياب مبدأ التسخير الذي يعني أننا مسئولون عن الطبيعة وأننا أمناء عليها. لا أننا متحكّمون بها وقاهرون لها. النظر في الإنسان وفق مبدإ التكريم والنظر في الطبيعة وفق مبدإ التسخير وإعمال قاعدة العدل "الأمانة" في كل الميادين كفيلة في دخول عصر التنوير من غير آثار سلبية جانبية.
يولي التنوير للحرية اهتمامًا كبيرًا، ويعطي الفرد امتيازات وخيارات عديدة، تجعله يتخّفف من عبء أثقال المجتمع وتقاليده، وينزع إلى الفردانية، وقلّة الارتباط بالعائلة الكبيرة، بفعل ضغط الالتزامات، وهذه الحرية المفتوحة في حدّها الأعلى تصل إلى حدود عدم الاعتداء على الآخرين وفي مستواها الأدنى الباعث الأخلاقي.
في مجتمع الحريات تنشأ بعض المعتقدات والتصرفات التي توصف بأنها شاذة لكن لها اعتبار من الحقوق والحريات. ونتيجة هذه الحريات وضغط العمل وتنافس الأفراد، تضعف روابط الأسرة الممتدة، وحتى التعاطف مع الضعفاء، لكن في ذات الوقت تنشئ الفرد عصاميًا صلبًا. فأنت كما ترى حريات تتبعها مشكلات، نتيجة غياب الأخلاقيات، فالفرد وهو جزء من المجتمع يتآلف معه ويتحمّل مسئولية تجاهه من تفاعل وتكافل اجتماعي، وعلى رأسها برّ الوالدين، وصلة الأرحام، وينبغي إطلاق مبادرات شبابية ذات فاعلية. فيحصل التوازن في المجتمع بين الأفراد والجماعة . إن تعزيز الأخلاق في الأفراد كفيل في ضبط حرياتهم وتنمية روح التكافل لديهم وإقامة التوازن في المجتمع، أكثر من صرامة القوانين وجمعيات رعاية المسنين والفقراء.
أقصى التنوير الأوروبي الدين والإله عن الحياة في أحد أنساقه، وخفف من سلطته في بعض الأنساق، إذ ليس التنوير الأوربي على نسق واحد، وتبعًا لهذا الإقصاء أو التخفّف غاب البُعد الأخروي في المنظور والقرارات، حيث الميدان الأول والأخير هو الدنيا، هو الحياة، هو استغلال الفرص، واغتنام الأوقات، واكتساب القوة والسلطة، وهذا "الحرث" الجيّد، تم استغلاله سياسيًا لتحقيق أكبر قدر من التفوق وتعميق الفجوة مع الآخر، ومن ثم السيطرة على خيرات العباد والبلاد بحجة استعمارهم.
إقصاء البعد الأخروي له دور في إضعاف الوازع الأخلاقي ويحمل الأنسان على الأنانية واستغلال الآخرين. ونجد تمثّلات هذا في واقعنا. إن التنوير الحق يرى أن السعادة الدنيوية من أمان ورفاهية هي مقدمة للسعادة الأخروية. فالإقرار باليوم الآخر يُنمّي البعد الأخلاقي، ويُرجّي المظلومين في استعادة حقوقهم. والتنوير المطلوب هو التخفف من التدخّل الديني في المجال الدنيوي، ومزيد اهتمام بالعمران، مراكز العلوم والبحوث، والجامعات والمستشفيات، والمتنزهات، وتقليل عدد المساجد أو زخرفتها، وإدماج كليات الشريعة مع كليات أخرى. فالإيمان بالبعد الأخروي مع تخفف التدخل الديني من شأنه أن يعزز البعد الأخلاقي، فلا يظلم ويتحكّم بالآخرين بقدر الإمكان، وفي ذات الوقت يدفع المجتمع نحو البناء والتكامل والازدهار. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق