الجمعة، 12 يونيو 2015

المقارنة بين المشروع الاستعماري الصهيوني ومشروع التحرر الوطني الفلسطيني

المقارنة بين المشروع الاستعماري الصهيوني ومشروع التحرر الوطني الفلسطيني

تعرّض اليهود أثناء وجودهم في إسبانيا لاضطهاد وتعذيب مما حدا بهم اللجوء إلى مناطق أكثر أمنًا وسلامًا فانطقلوا إلى مناطق مختلفة في أوروبا ليدخلوا في مواجهة جديدة من معاناة الشعور بالاغتراب والمنفى، وحيث إن اليهودية ديانة غير تبشيرية وغير قابلة للتمدد فقد عانت من فكرة الاندماج التي كانت شرطًا أوروبيًا لقبولهم مما أدى الى ظهور أشكال من الاضطهاد أثرت في نظرتهم إلى الآخر، وبعث فيهم النظر والبحث عن حلول لهذه الاضطهادات وبدائل للإشكاليات، فتشكلت لدى الفئة المؤثرة فيهم إذ تبلورت فكرة المنظومة القائمة على أسس قومية لتجاوز الأزمات التي عانوا منها كمعاداة السامية، وتجنب المحاذير التي قد تنجم فيما بعد، فظهرت نواة فكرة الحركة الصهيونية إذ بدأت تبحث لنفسها عن موقع في التاريخ ووطن بديل عن المنفى، فأخذت الحركة الصهيونية على عاتقها محاولة بناء الأمة اليهودية بناءً على القومية بعيدًا عن الطائفة الدينية، وطرحت برنامج الدولة وأن تكون هذه الدولة خارج أوروبا كشرط استحقاقي للخروج من الـأزمات، فبدأت الصهيونية بإعادة صياغة جوهر الدولة في الفكر اليهودي دونما انتظار حدث لاتاريخي بل بإيجاد منظومة تأسيسية لدولة الحديثة، والبحث عن أرض جغرافية قابلة لتحقيق الدولة اليهودية، بحيث تكون تلك الأفكار عن الدولة المأمولة والأرض الجغرافية "الموعودة" تحقق البعد الحضاري لليهود، إذ رأوا أن في الدولة تثبّت الأمة.
باشرت الحركة الصهيونية من أجل "الدولة" صنعها دولة علمانية كمرحلة أولى تؤوي طائفة دينية وتعيد صياغتها لكن دولة أوروبية خارج أوروبا. وقد واجهت الصهيونية في انفكاكها عن الدوغمائية اليهودية مصاعب شتى للبرهنة على إثبات الهوية الحضارية لليهود إلا أنها استطاعت التغلب عليها بفضل التماهي والتقاء المصالح مع الإمبريالية، ورأت الصهيونية أن التخلص من اللاسامية لا يكمن في تغيير نظرة الأوربيين لليهود بل تغيير نظرة اليهود نحو الآخر وتحويل اليهود من طائفة دينية إلى فكرة قومية، من جماعة مقدسة إلى أمة حديثة. ومن سخرية القدر أن الصهيونية تكالبت لها لا عليها وصبت الأقدار خيرها في خطتها إذ توافقت الرؤية الصهوينية مع الإمبريالية ووجدت الأرض الجغرافية ذات "البعد الديني" الذي أضفوه عليها وتنفست أوروبا الصعداء.
        وفي المقابل عانى الشعب الفلسطيني من بداية القرن العشرين من حالات نفي إلى بقاع شتى من المعمورة غير أنهم لسبب أو لآخر استطاع معظمهم الاندماج مع السكان الاصليين سواء أكان في المنفى العربي أو المنفى الغربي الأوروبي أو الأمريكي، إذ لم يلعب التباين العرقي أو اختلاف الديني دورًا في عرقلة حالات الاندماج والتعايش، إذ قيَم الشعب الفلسطيني وديانته تسمح بالتبشير والتسامح مع الآخر. وبالرغم من أن الشعب الفلسطيني استطاع الاندماج ولم يواجه صعوبات في التعايش مع الآخر إلا أنه لم يتخلَ عن أرضه وحقه في العيش فيها، أذ يرى أن المشروع الصهيوني مشروع إمبريالي استعماري غاصب، فبدأت حركة التحرر الوطني الفلسطيني في العمل على تحرير الارض من الاغتصاب الصهيوني من خلال تبني المنهج القومي العربي إذ من واجب المواطن العربي بغض النظر عن قطره تحرير الأرض المغتصبة والعمل على عودة اللاجئين. فبدأت في نشاطات الكفاح المسلح ضد المستعمرات الصهيونية والتعبئة المعنوية ورفع الوعي لخطورة المشروع الصهيوني باستثمار التراث الديني والأدبي والفلوكلوري وسواعد المناضلين.
وعودة إلى الكلام عن المشروع الصهيوني فيما يخص  الشرق المستعمَر فإن بعض مفكري الصهيونية رأوا أن الأمة ممكنة بدون الدولة من خلال إنشاء مستعمرات زراعية في فلسطين إلا أن الفريق الآخر يرى أن هذا النشاط الاستعماري لن ينجح دون مشروع سياسي، أما بخصوص التميز الصهيوني فيكون عن السكان الاصليين البدائيين وعن البرجوازية الأوروبية، والمحاولة –الفاشلة- في تهويد العرب والقيام  في بعض المجازر التي سجلها التاريخ.
قامت الصهوينية باستكشاف المواقع الجغرافية الملائمة لإقامة الوطن القومي، فوجدوا مواقع جغرافية مهمّة فأصبغوا عليه الهالة المقدسة ثم بدأوا بترتيب الهجرات المنتظمة، وإعداد المعسكرات وتدريب العناصر، وإنشاء مستعمرات زراعية إما غصبًا أو شراءً.
اعتمد الصهاينة على إدخال عنصر الرعب في قلوب سكان الأصليين والتغرير بتجارهم وساعدهم في ذلك كله الظروف الإقليمية والاستعمارية آنذاك وضعف العرب كونهم تركة الدولة العثمانية، وقله وعي معظمهم بخطورة المشروع الصهيويني، وكل هذه الدواعي والأدوات ساعدت المشروع الصهيوني في تثبيت قدمة وتمدده وتقدمه.
وفي المقابل تنبه قادة الحركة تحرر الوطني الفلسطيني إلى خطورة مشروع الصهيوني فدقوا ناقوس الخطر عبر منابرهم مثل مجلة الكرمل ومجلة فلسطين وغيرها، وقاموا بتعبئة وحشد وتنظيم المؤتمرات للتنبيه على خطر المشروع الصهيوني، وفي الجانب العسكري ابتدأ بعض قادة الحركة التحرر الوطني الفلسطيني بتجنيد العناصر واستنفار الطاقات المحلية وإنشاء المعسكرات التدريبية، أما على صعيد الإعلام الخارجي فقاموا ببث الرسائل العاجلة إلى العمق العربي للتأهب المناسب لمواجه المشروع الصهيوني، حتى حانت ساعة الصفر وبدأت الصراعات والمعارك بين الطرفين السكان الأصليين وعناصر الحركة الصهيونية.
استطاعت الحركة الصهيونية بفضل تجهيزاتها المتقدمة والمقدمة من الاستعمار الأوروبي أن تتوغل في مشروعها إذ نجحت في تشغيل السكان الأصليين في أعمال الزراعة والحراسة، حيث ابتدأت بفكرة الاستيطان لتصل إلى فكرة الاحتلال وذلك باستثمار الموجة الاستعمارية براجماتيًا.
فقدت الحركة الصهيونية تميزها نتيجة الواقع إذ انتقل الصراع مع اليهودية إلى صراع مع الفاشية اليهودية التي حلّت مكان الصهيونية فلم يعد بالإمكان نفي السكان الأصليين إلا بالقدر الذي كان مما سمح بنفي الفكرة ونشوء صراع جديد في حركة سريالية.
تمكنت حركة التحرر الوطني الفلسطيني بالرغم من ضعف الإمكانياتـ ونجحت في رفع مستوى الوعي بخطورة المشروع الصهيوني وتحريم السمسرة وبيع الأراضي، وتكوين العناصر المقاتلة وتأسيس جبهة للدفاع عن الأرض وجلب المتطوعين العرب، واستثمار الوعي العربي القومي لتعميم خطورة المشروع الصهيوني وحشد المتعاطفين عربيًا وإسلاميًا ودوليًا. وبالرغم من هذه الإيجابيات إلا أنه واجهت حركة التحرر الوطني الفلسطيني صعوبات في التعاطي مع وتيرة نشاط المشروع الصهيوني إذا غابت عندها النظرة الاستراتيجية، وتم فقد عناصر قتالية كثيرة إما لضعف الإمكانيات العسكرية أو ضعف التدريبات والتكتيكات، وفشلوا في الحفاظ على الأرض من المصادرة والحفاظ على الإنسان من النفي والتهجير كما فشلوا في استرداد ما تم اغتصابه، كما أن تحالفاتهم الدولية والإقليمية كألمانيا وايطاليا اللتين لسوء الحظ خسرتا الحرب فتأخرت القضية الفلسطينية على الساحة الدولية وتراجع وزنها.
بالرغم من الإخفاقات التي واجهت المشروع الصهيوني والتي زادت وتيرتها في الآونه الاخيرة  فإن النظرة الصهيونية المطروحة هي الإعلان عن الدولة اليهودية على الأرض المستغلة، غير أن هذه النظرة في المعيار الدولي غير مقبولة، وتجحف في رعاية الدولة من غير اليهود والذي  يحول دونه البعد الديمغرافي أو تقبل فكرة تبادل الأراضي وانزياح السكان. ألا أن الحل الأمثل هو الإقرار بحق السكان الفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة لهم قابلة للحياة والتعايش والانفتاح على أساس دولة المواطنة الحديثة.
أما من جهه مشروع التحرر الفلسطيني فبالرغم من الصعود والهبوط والنجاح والفشل على خط الزمن في الصراع مع المشروع الصهيوني وإنجاز بعض التقدم في المواجهة ما بين الخيار العسكري والخيار السياسي ونجاعة الأخير وبروز بعض ثمراته في الآوانة الأخيرة، وعليه فينبغي الاستمرار والصبر على الخيار السياسي والتمسك بالثوابت الشعب ومصالحه العليا، والمطالبة بحق القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 ومن ضمنها القدس الشرقية عاصمةً، وإقامة السلام  الشامل العادل.
مما سبق نجد أن الحركة الصهيونية تقلّص طموحها نتيجة عوامل داخلية وأخرى دولية، وما واجهته من مقاومة السكان الأصليين من رباطة الجأش والمثابرة، لا سيّما في الفترة الأخيرة التي ارتفع فيها مستوى الإعداد العسكري عند الجانب الفلسطيني والإخفاقات المتكررة  لاسيّما ظهور حركات مقاومة داخلية وأخرى خارجية كحزب الله. ولم يبقَ أمامهم إلا إعادة تأهيل البيت الصهيوني، والتعويل على المجتمع الدولي والفيتو الأمريكي.
ومما يواجه حركة التحرر الفلسطيني غياب الوحدة الوطنية، وتباين الرؤى الاستراتيجية والفعلية في مواجهة المشروع الصهيوني، مما يضعف حشد التأييد الدولي وتأخر انتزاع الحق المصيري.  


بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهد نصيبٌ




تطوّر مفهوم الجهاد في الفكر الإسلامي، للكاتب: ماهر الشّريف.

تطوّر مفهوم الجهاد في الفكر الإسلامي، للكاتب: ماهر الشّريف.
تقديم الطّالب: إياد محمّد أبو ربيع.

يتناول الكاتب جهود مفكرين إسلاميّين حول مفهوم الجهاد وأحكامه وأساليبه ومراحله، فبعد أن يتطرّق إلى ظهور الكتب التي تناولت مواضيع الجهاد وأحكامه بشكل مستقل، فإنّه يؤكّد على بروز تباين مبكّر في الأحكام الخاصّة بالجهاد تبعًا لاختلاف الفهوم والاجتهادات المذهبيّة، وظلّت هذه الآراء تتوارث جيلاً بعد جيل، حيث كانت المحرّك الأساسي والوقود الفعّال في عمليّات الجهاد، بيْد أنّ هنالك أفكارًا وفهومًا جديدة بدأت تظهر خلال مرحلة التّوسّع الأوروبي، اعتُبرت أفكارًا إصلاحيّة من جهة، وربّما اتهمت بالخيانة من جهة أخرى، وهذه الأفكار جعلت الجهاد ينصبّ في الاجتهاد لتحصيل العلم والمعرفة، ورفع الظلم وتحقيق العدالة الاجتماعيّة، وأنّ الدّعوة للإسلام تكون بالحُجّة والبرهان لا بالسّيف والسّنان. 
وقد عكفت هذه الأفكار بعمليات إصلاح لفهم الدين وإصلاح السياسة واللغة. وضرورة الانفتاح على "الآخر" الغربي المتفوق على "الأنا" والاستفادة من علومه، بدل رفضه وقتاله.
ونتيجة لتغيّر سياسات الاستعمار وبروز نواياه التي أضرّت بالشعوب، يرى الكاتب أنّ تغيّرًا قد طرأ على هذه الأفكار الإصلاحيّة، فبعد أن رأت أنّ جهاد العلم ضرورة في مواجهة أطماع الاستعمار، أصبح الجهاد هو "رفض الاستعمار وأعوانه"، والتحذير منهم بل وتكفيرهم.
ويلحظ الكاتب أنّ حصاد هذه الأفكار الإصلاحيّة تبلور على شكل جمعيّات وحركات، تحديدًا في أعقاب الحرب العالميّة الأولى. فبدأت موجات من الانغلاق على الذّات ورفض "الآخر" وحضارته تسود هذه الحركات، مع ضرورة إصلاح أو "جهاد" الأوضاع الدّاخليّة عبر مواجهة الغزو الفكري والحضاري. وإحياء الفكر الجهادي التّقليدي وبعثه من جديد في أوساط المسلمين. لاسيّما وأنّ المسلمين "ديست أرضهم وانتهكت حرماتهم".
وبدأت حدّة "العنف" في أفكار هذه الحركات تزداد بالتّساوق مع تدفّق موجات الاستعمار وقوّتها. ولم تقتصر على الاستعمار وأربابه، بل تطرّفت بعض الأفكار -كآراء "سيّد قطب"- إلى المجتمع ككلّ فحكمت عليه بالكفر، وشنّت هجومًا على الباحثين الإسلاميّين المتأثّرين أو "المهزومين" بضغط الواقع، والهجوم الاستشراقي.
يرى الكاتب أنّ هذه الأفكار بدأت تنضج وتكبر بانضمام جماعات منشقّة اقتنعت بها كـ"الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين"، وقد صبّت هذه الأفكار اهتمامها في "جهاد" الأنظمة التي لا تحكم بالإسلام؛ "إذ هم جزء من التواطؤ العالمي على الإسلام"!
ويرصد الكاتب مواقف بعض الفقهاء من كلا المذهبين السُّني والشّيعي، في مرحلة النّصف الثّاني من القرن العشرين، حيث يرى أنّ الجهاد أصبح مركز الاهتمام العربي، وقد كانت تلك المواقف على صور ثلاث: متأثّرة بالفكر الجهادي التّقليدي، ومتأثّرة بالفكر الإصلاحي، ومتأثّرة بالفكر الحركي.
ويبدو للكاتب أنّ الفكر التقليدي الذي جذوره ضاربة في أعماق التّاريخ الإسلامي، أكثر حدّةً وعنفًا، ليس على الكفار، بل على أصحاب المدرسة العقليّة الحديثة، فلم يسلموا من اتّهاماتهم وهجوماتهم.
وأما بخصوص الفكر الإصلاحي فقد استعرض الكاتب أهمّ آرائه، حيث إنّ الجهاد مفهوم شامل لا يقتصر على القتال، وأنّ الجهاد مستمّر بحسب حالة العلاقة مع "الآخر"، في حالة السّلم أو الصّلح: دعوة وتبليغ، في حالة حرب: دفع العدوان، والتّأكيد على نفي نسخ مراحل الجهاد، وأنّ المرتدّ يقتل لحِرابته لا لكفره، وأنّ الباعث على الجهاد أو "القتال" العدوان لا مجرّد الكفر. وأنّ الأصل في العلاقات الدّوليّة السّلم، وأنّ تقسيم الدّنيا إلى دور متعلّق بالظّروف والأسباب وليس ثابتًا.
ويُبرز الكاتب الشّيخ القرَضاوي كرائد للفكر الحركي "الوسطي"، الذي همّه "إيقاظ الأمّة وبعثها عبر تجديد الإسلام فيها". ففي مجال علاقة الإسلام بالسّياسة، يرفض القرَضاوي مصطلح "الإسلام السّياسي" ويعتبره من "ابتكار أعداء الله"، ويعتبر أنّ دولة الإسلام مَدنيّة لا دينيّة.
أما موقف بعض فقهاء الشّيعة، فقد اختار الكاتب فقيهيْن شيعييْن متباينيْن، فيؤكّد الكاتب بدايةً على أنّ الخلاف القديم حول مشروعيّة إعلان الجهاد في زمان غيبة الإمام المعصوم هو ما جعل آراء الفقهاء الشّيعة متباينة. الموقف الأوّل (عبد الكريم آل نجف): يرى جواز الجهاد الابتدائي مع غياب الإمام المعصوم، ورفض تقسيم العالم إلى دار الإسلام ودار كفر -فهي تقسيمات واقعيّة وليست شرعيّة-، "فلا شرعيّة للكفر في مطلق الظّروف والأحوال"، وأنّ أصل العلاقة الدّوليّة الحرب، "فلا اعتراف للكفر بالسّيادة". الموقف الثاني (محمد حسين فضل الله): يرى ضرورة الجهاد بأشكاله ومفهومه الأوسع، وأنّ الأصل في العلاقة السّلم، وأن لا إكراه في الدّين.
وفي مقابل أفكار العنف المسلّح، برز مفكّرون يتبنّون منهج اللاّعنف في الدّعوة إلى الإسلام، معتبرين أنّ الجهاد الوحيد المشروع هو الجهاد الدّفاعي، وأنّ أفكار العنف وليدة الضّغط الدّاخلي والخارجي، أو الشّعور بـ"الاصطفائية" وامتلاك "الحقيقة المطلقة" وهو ما يؤدّي إلى الشّعور بـ"الاستعلاء" بالتّالي إلى الإرهاب الفكري وينتهي بالعنف المادّي، مؤكّدين رفض فكرة الخيارات الثلاث: الإسلام، أو الجزية، أو الحرب، ورفض فكرة نسخ آيات الجهاد، وبالمحصّلة يروْن أنّ العنف سواء ضدّ الكفار أو الأنظمة الحاكمة أو الرّعايا الأجانب، أو حتّى على سبيل الدّفاع عن النّفس دون الأخذ بشروطه "وسيلة فاشلة في العمل السّياسي".
        يرى أصحاب هذا المذهب أنّ الإشكاليّة الأساسيّة هي "جمود العقل والفكر"، وتأصّل وتفشّي "مرض الإرهاب الفكري"، وإزاء ذلك يجب معالجة هذه الإشكاليّات بضرورة التّحرّر من قيود حرفيّة النّصوص، وفهمها حسب مستجدّات العصر، وضمان حرّيّات الاعتقاد.
وأخيرًا يخْلص الكاتب إلى أنّ فكرة الجهاد لدى المفكّرين المسلمين عبر مراحل التّاريخ، كانت نتيجة الظّروف التي مرّت بهم، فكتاباتهم كانت استجابة لتلك الظّروف في تقرير القواعد والأحكام والمبادئ، حيث شكّلت النّصوص الدّينيّة والغزوات مادّتها الأساسيّة، مراعيةً أحوال المسلمين وظروفهم.
وبالرّغم من اعتماد كلّ المفكرين على هذه النّصوص إلا أنّ تباينًا مبكّرًا ظهر في مواقفهم حول الجهاد، والسّبب يعود إلى اختلاف الظّروف والسّياقات السّياسيّة، واختلاف مناهجهم في الاستنباط والفهم.
وبما أنّ ظروف المسلمين اليوم –كمُحتَلين- كانت الأفكار السائدة، تلك الأكثر عنفًا وحدّةً، كردةّ فعل على الهجمة الاستعماريّة، فجعلت الجهاد "القتال" جبهةً مفتوحةً على الاستعمار والأنظمة الحاكمة، ووصمت المجتمعات بالرّدّة والكفر، فاستحلّت كلّ من خالفها. إلا أنّ فشل هذه الأفكار، وتراجع كثير من منظّريها، والآثار والمفاسد التي نتجت عنها، جعلت فكرة العنف محصورةً ومشروعةً في حالة الدّفاع عن البلدان والتّصدّي للعدوان، وساعدت في ظهور تيّارات تدعو إلى الإصلاح الدّيني وتجديده.

ويرى الكاتب أخيرًا أن الدعوة إلى إصلاح ديني حقيقي، فرصته ضئيلة، خصوصًا في ظروف تتميّز بافتقاد الحريّات، وتفاقم الأزمات الاقتصاديّة، والسّياسيات العدوانيّة والقمعيّة، كلها تغذّي الانغلاق والتّقوقع على الذّات، وتنمّي العداء لـ "الآخر". لكن هذه الدّعوات الإصلاحيّة -كما يبدو له- تبقى مدخلاً إلى نهضة العرب والمسلمين.

الأحد، 7 يونيو 2015

قراءات حول حرية الاعتقاد والقتال

المتأمل في القرآن الكريم يجد بلا ريب الدعوة إلى العفو والصبر والسمح والإعراض، وفيه يجد بلا مرية الدعوة إلى ردّ العدوان بمثله، وقتال المعتدين، ويجد أيضًا الدعوة إلى ترجيح العفو ودفع الإساءة بإحسان هو المقصد النهائي. إذا ما تقابلت السيئة بالحسنة.
وعند النظر في القراءات الاجتهادية لتلكم الآيات الكريمات نجد القراءات الآتية:

1- القراءة "الداعشية" والتقليدية وهي بشكل عام تذهب إلى توسّل العنف بدعوى "النسخ" لآيات الصبر والعفو.

2- القراءة "التجميلية" أو "الترقيعية" تميل إلى اللطف بآليتين:
أما غض الطرف عن آيات القتال العنف وتجاهلها.
أو تأويل هذه المفاهيم وتحويلها إلى رموز. "القراءة الرمزية".

3- ثمّة قراءة تدعى "القراءة النفعية" للنصوص، تأخذ بآيات الصبر والعفو حال الضعف، فإذا قويت أهملت تلكم النصوص لتأخذ بآيات العنف. وهذه القراءة لها مسلكان:
الأول: قتال جميع المخالفين لها حال القوة وبهذا تتقاطع مع "القراءة الداعشية" و"التقليدية".
الثاني: قتال فقط المعتدين عليها حال القوة وبهذا تتقاطع مع "القراءة الترقيعية" أو "التجميلية".

4- القراءة "التأريخانية" التي ترى أن الأمر بالقتال وآيات العنف منوطة بالتاريخ. بالتالي هي مقيدة بزمانها.

5-القراءة "المقاصدية" التي ترى أن الصبر والعفو هو المقصد الأسنى وهو الحل الأمثل للعنف من جذوره لكنه يتطلّب قوة وجرأة وتحمّلاً لا يصبر عليه الكثيرون. وأن رد العدوان بعدوان مثله هو أحد الخيارات والحلول الجزئية المؤقتة وهو مجزي لكن لوقت "كحبّات مسكّن الآلام" لأنّ من يقاوم العنف يؤخذ بالعنف أو يولّد المنافقين بالخوف. وكلاهما شرّ.
والذي أدعو إليه هو المنهج المقاصدي للقرآن الكريم والذي هو إنساني في المقام الأول والأخير.
بوركتم جميعًا

ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ