تطوّر مفهوم
الجهاد في الفكر الإسلامي، للكاتب: ماهر الشّريف.
تقديم الطّالب:
إياد محمّد أبو ربيع.
يتناول الكاتب جهود مفكرين إسلاميّين حول مفهوم
الجهاد وأحكامه وأساليبه ومراحله، فبعد أن يتطرّق إلى ظهور الكتب التي تناولت
مواضيع الجهاد وأحكامه بشكل مستقل، فإنّه يؤكّد على بروز تباين مبكّر في الأحكام
الخاصّة بالجهاد تبعًا لاختلاف الفهوم والاجتهادات المذهبيّة، وظلّت هذه الآراء
تتوارث جيلاً بعد جيل، حيث كانت المحرّك الأساسي والوقود الفعّال في عمليّات
الجهاد، بيْد أنّ هنالك أفكارًا وفهومًا جديدة بدأت تظهر خلال مرحلة التّوسّع
الأوروبي، اعتُبرت أفكارًا إصلاحيّة من جهة، وربّما اتهمت بالخيانة من جهة أخرى،
وهذه الأفكار جعلت الجهاد ينصبّ في الاجتهاد لتحصيل العلم والمعرفة، ورفع الظلم
وتحقيق العدالة الاجتماعيّة، وأنّ الدّعوة للإسلام تكون بالحُجّة والبرهان لا بالسّيف
والسّنان.
وقد عكفت هذه الأفكار بعمليات إصلاح لفهم الدين
وإصلاح السياسة واللغة. وضرورة الانفتاح على "الآخر" الغربي المتفوق على
"الأنا" والاستفادة من علومه، بدل رفضه وقتاله.
ونتيجة لتغيّر سياسات الاستعمار وبروز نواياه
التي أضرّت بالشعوب، يرى الكاتب أنّ تغيّرًا قد طرأ على هذه الأفكار الإصلاحيّة،
فبعد أن رأت أنّ جهاد العلم ضرورة في مواجهة أطماع الاستعمار، أصبح الجهاد هو "رفض
الاستعمار وأعوانه"، والتحذير منهم بل وتكفيرهم.
ويلحظ الكاتب أنّ حصاد هذه الأفكار الإصلاحيّة
تبلور على شكل جمعيّات وحركات، تحديدًا في أعقاب الحرب العالميّة الأولى. فبدأت
موجات من الانغلاق على الذّات ورفض "الآخر" وحضارته تسود هذه الحركات،
مع ضرورة إصلاح أو "جهاد" الأوضاع الدّاخليّة عبر مواجهة الغزو الفكري
والحضاري. وإحياء الفكر الجهادي التّقليدي وبعثه من جديد في أوساط المسلمين. لاسيّما
وأنّ المسلمين "ديست أرضهم وانتهكت حرماتهم".
وبدأت حدّة "العنف" في أفكار هذه
الحركات تزداد بالتّساوق مع تدفّق موجات الاستعمار وقوّتها. ولم تقتصر على
الاستعمار وأربابه، بل تطرّفت بعض الأفكار -كآراء "سيّد قطب"- إلى
المجتمع ككلّ فحكمت عليه بالكفر، وشنّت هجومًا على الباحثين الإسلاميّين المتأثّرين
أو "المهزومين" بضغط الواقع، والهجوم الاستشراقي.
يرى الكاتب أنّ هذه الأفكار بدأت تنضج وتكبر
بانضمام جماعات منشقّة اقتنعت بها كـ"الطليعة المقاتلة للإخوان
المسلمين"، وقد صبّت هذه الأفكار اهتمامها في "جهاد" الأنظمة التي
لا تحكم بالإسلام؛ "إذ هم جزء من التواطؤ العالمي على الإسلام"!
ويرصد الكاتب مواقف بعض الفقهاء من كلا المذهبين
السُّني والشّيعي، في مرحلة النّصف الثّاني من القرن العشرين، حيث يرى أنّ الجهاد
أصبح مركز الاهتمام العربي، وقد كانت تلك المواقف على صور ثلاث: متأثّرة بالفكر
الجهادي التّقليدي، ومتأثّرة بالفكر الإصلاحي، ومتأثّرة بالفكر الحركي.
ويبدو للكاتب أنّ الفكر التقليدي الذي جذوره
ضاربة في أعماق التّاريخ الإسلامي، أكثر حدّةً وعنفًا، ليس على الكفار، بل على
أصحاب المدرسة العقليّة الحديثة، فلم يسلموا من اتّهاماتهم وهجوماتهم.
وأما بخصوص الفكر الإصلاحي فقد استعرض الكاتب
أهمّ آرائه، حيث إنّ الجهاد مفهوم شامل لا يقتصر على القتال، وأنّ الجهاد مستمّر
بحسب حالة العلاقة مع "الآخر"، في حالة السّلم أو الصّلح: دعوة وتبليغ، في
حالة حرب: دفع العدوان، والتّأكيد على نفي نسخ مراحل الجهاد، وأنّ المرتدّ يقتل لحِرابته
لا لكفره، وأنّ الباعث على الجهاد أو "القتال" العدوان لا مجرّد الكفر.
وأنّ الأصل في العلاقات الدّوليّة السّلم، وأنّ تقسيم الدّنيا إلى دور متعلّق بالظّروف
والأسباب وليس ثابتًا.
ويُبرز الكاتب الشّيخ القرَضاوي كرائد للفكر
الحركي "الوسطي"، الذي همّه "إيقاظ الأمّة وبعثها عبر تجديد
الإسلام فيها". ففي مجال علاقة الإسلام بالسّياسة، يرفض القرَضاوي مصطلح
"الإسلام السّياسي" ويعتبره من "ابتكار أعداء الله"، ويعتبر
أنّ دولة الإسلام مَدنيّة لا دينيّة.
أما موقف بعض فقهاء الشّيعة، فقد اختار الكاتب
فقيهيْن شيعييْن متباينيْن، فيؤكّد الكاتب بدايةً على أنّ الخلاف القديم حول
مشروعيّة إعلان الجهاد في زمان غيبة الإمام المعصوم هو ما جعل آراء الفقهاء الشّيعة
متباينة. الموقف الأوّل (عبد الكريم آل نجف): يرى جواز الجهاد الابتدائي مع غياب
الإمام المعصوم، ورفض تقسيم العالم إلى دار الإسلام ودار كفر -فهي تقسيمات واقعيّة
وليست شرعيّة-، "فلا شرعيّة للكفر في مطلق الظّروف والأحوال"، وأنّ أصل
العلاقة الدّوليّة الحرب، "فلا اعتراف للكفر بالسّيادة". الموقف الثاني
(محمد حسين فضل الله): يرى ضرورة الجهاد بأشكاله ومفهومه الأوسع، وأنّ الأصل في
العلاقة السّلم، وأن لا إكراه في الدّين.
وفي مقابل أفكار العنف المسلّح، برز مفكّرون
يتبنّون منهج اللاّعنف في الدّعوة إلى الإسلام، معتبرين أنّ الجهاد الوحيد المشروع
هو الجهاد الدّفاعي، وأنّ أفكار العنف وليدة الضّغط الدّاخلي والخارجي، أو الشّعور
بـ"الاصطفائية" وامتلاك "الحقيقة المطلقة" وهو ما يؤدّي إلى
الشّعور بـ"الاستعلاء" بالتّالي إلى الإرهاب الفكري وينتهي بالعنف المادّي،
مؤكّدين رفض فكرة الخيارات الثلاث: الإسلام، أو الجزية، أو الحرب، ورفض فكرة نسخ
آيات الجهاد، وبالمحصّلة يروْن أنّ العنف سواء ضدّ الكفار أو الأنظمة الحاكمة أو
الرّعايا الأجانب، أو حتّى على سبيل الدّفاع عن النّفس دون الأخذ بشروطه "وسيلة
فاشلة في العمل السّياسي".
يرى أصحاب هذا المذهب أنّ الإشكاليّة
الأساسيّة هي "جمود العقل والفكر"، وتأصّل وتفشّي "مرض الإرهاب
الفكري"، وإزاء ذلك يجب معالجة هذه الإشكاليّات بضرورة التّحرّر من قيود حرفيّة
النّصوص، وفهمها حسب مستجدّات العصر، وضمان حرّيّات الاعتقاد.
وأخيرًا يخْلص الكاتب إلى أنّ فكرة الجهاد لدى
المفكّرين المسلمين عبر مراحل التّاريخ، كانت نتيجة الظّروف التي مرّت بهم،
فكتاباتهم كانت استجابة لتلك الظّروف في تقرير القواعد والأحكام والمبادئ، حيث
شكّلت النّصوص الدّينيّة والغزوات مادّتها الأساسيّة، مراعيةً أحوال المسلمين
وظروفهم.
وبالرّغم من اعتماد كلّ المفكرين على هذه النّصوص
إلا أنّ تباينًا مبكّرًا ظهر في مواقفهم حول الجهاد، والسّبب يعود إلى اختلاف الظّروف
والسّياقات السّياسيّة، واختلاف مناهجهم في الاستنباط والفهم.
وبما أنّ ظروف المسلمين اليوم –كمُحتَلين- كانت
الأفكار السائدة، تلك الأكثر عنفًا وحدّةً، كردةّ فعل على الهجمة الاستعماريّة،
فجعلت الجهاد "القتال" جبهةً مفتوحةً على الاستعمار والأنظمة الحاكمة،
ووصمت المجتمعات بالرّدّة والكفر، فاستحلّت كلّ من خالفها. إلا أنّ فشل هذه
الأفكار، وتراجع كثير من منظّريها، والآثار والمفاسد التي نتجت عنها، جعلت فكرة
العنف محصورةً ومشروعةً في حالة الدّفاع عن البلدان والتّصدّي للعدوان، وساعدت في
ظهور تيّارات تدعو إلى الإصلاح الدّيني وتجديده.
ويرى الكاتب أخيرًا أن الدعوة إلى إصلاح ديني
حقيقي، فرصته ضئيلة، خصوصًا في ظروف تتميّز بافتقاد الحريّات، وتفاقم الأزمات
الاقتصاديّة، والسّياسيات العدوانيّة والقمعيّة، كلها تغذّي الانغلاق والتّقوقع
على الذّات، وتنمّي العداء لـ "الآخر". لكن هذه الدّعوات الإصلاحيّة
-كما يبدو له- تبقى مدخلاً إلى نهضة العرب والمسلمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق