الجمعة، 30 أكتوبر 2015

معنى اسم إبراهيم عليه السلام

معنى اسم إبراهيم عليه السلام

يُطرح سؤال مهم وهو هل أسماء الأعلام كأسماء الرسل والنبيين وغيرهم في القرآن المجيد من أصول اللغة العربية؟

هذا السؤال مهم وقد اختلفت الإجابات عنه، على أن بعض الباحثين الجُدد يرون أن لا أسماء لأشخاص في القرآن الكريم، فآدم مثلاً لا يعني شخصًا معيّنًا يُدعى بذلك، ومثله موسى وعيسى وصالح ويونس ومحمّد، فهم ليسوا أشخاصًا!! ولا ريْب أن هذا الرأي متطرّف لا يصحّ قرآنيًا وإن زعموا أنهم من أهل القرآن، وإن كان لمذهبهم جمهور، فإن لكل فنّ مهما كان جمهور يقلّ أو يكثرُ، وكما يقال الطيور على أشكالها تقعُ.
واستغلُّ هذا المقام للتذكير بقاعدة منهجية وهي لا بدّ من تماسك الفرْضية في كل جزيئاتها حتى ترتقي إلى نظرية منسجمة.
والتذكير بأنه لا يمكن الجزم بأن لغة معينة هي أصل اللغات، بل إن اللغات متعدّدة منذ البداية.
والتذكير بأن القرآن الكريم بلسان القوم بمعنى الألفاظ والدلالات التي يتداولها القوم وإن لم تكن من أصول وجذور لغتهم الأصلية.


وسأقوم في هذا المقام في محاولة لتحليل معنى اسم (إبراهيم) عليه السلام.

أولاً: رسم الكلمة في المصاحف.

إذا رجعنا إلى النسخة السائدة في المشرق العربي ومعظم دول العالم سنجد أن رسم (إبراهيم) في سورة البقرة هو [إِبْرَٰهِـۧمَ ] بدون حرف الياء حيث وردت 15 مرّة. و[إِبْرَٰهِيمَ] مع ياء في باقي السور القرآنية. وهذا بحسب رواية حفص عن عاصم.

نموذج لرسم كلمة (إبراهيم) في سورة البقرة كما في رواية حفص عن عاصم:
وهنا نلاحظ الآتي:

1- أن هذا الرسم الخاص لكلمة (إبراهيم) في سورة البقرة على النحو[إِبْرَٰهِـۧمَ ] وفق رواية حفص عن عاصم لا يطّرد في كل الروايات المتواترة، فمثلاً رواية ورش عن نافع وهي متواترة ويقرأ بها المغاربة وبعض دول العالم الإسلامي نجد أن رسم كلمة (إبراهيم) في سورة البقرة وفي غيرها بالياء على النحو [إِبْرَٰهِيمَ].

نموذج لرسم كلمة (إبراهيم) في سورة البقرة كما في رواية ورش عن نافع:

نموذج من المصحف الحسني المسبّع المغاربي:

2- رسم كلمة (إبراهيم) بلا ياء في سورة البقرة ليس مجمعًا عليه، ولا حتى قراءةً كما عند علماء القراءات.
فقد قرأ ابن عامر بخلف عن ابن ذكوان [إبراهم]: ( إِبْرَاهَامَ ) بالألف في ثلاثة وثلاثين موضعًا، منها الخمسة عشر موضعًا التي في سورة البقرة، وقرأ بالياء في باقي المواضع.
وقرأ باقي القراء بالياء في جميع مواضع القرآن.

3-  وعليه يكون الرسم القرآني وفق تحقيقي هو رسم توفيقي غير مجمع عليه. بل إنه يوافق أساليب الكتبة يخضع للتطوّر والتحسين، والعبرة في القرآن لفظه ونطق الأصوات لا الرسم أو الكتابة، والأهم من كل هذا هو مقصده لا حرفه. وهذا هو منهجي.


ثانيًا: يتخرّص بعض الباحثين بأن الرسم [إِبْرَٰهِـۧمَ ] في سورة البقرة بدون حرف الياء، سبب ذلك أن إبراهيم قبل أن يرزقه الله تعالى بالولد كان يُدعى (إبراهم)، وعندما رزقه الله بالولد إسماعيل وإسحاق جعل الله اسمه (إبراهيم) بزيادة الياء!!
والردّ على هذا التخرّص بسيط، فإن سورة الأنبياء التي جاءت على ذكر إبراهيم عليه السلام وهو فتى قبل أن يتزوج حيث نجد رسمها (إبراهيم) بالياء، وبناء على رأي الباحث فإبراهيم عليه السلام هنا غير متزوج أصلاً فالأولى بالرسم أن يكون بلا ياء. وعليه يسقط هذا التخرّص.



ثالثًا: يتخرّص البعض أن أصل (إبراهيم) من لغة العرب، من [أبرَهَ]، ومنها البرهان، فيخرج بتعميم أن لسان العرب هو أصل اللغات جميعًا!!
كما ورد في لسان العرب لابن منظور:
أَبْرَهَ الرجلُ: غلب الناس وأَتى بالعجائب.
الأَعرابي: بَرِهَ الرجل إِذا ثابَ جسمُه بعد تغيُّر من علَّة.
ووجه التقارب أن إبراهيم عليه السلام قد غلب الناس بالبراهين والعجائب. 

الردّ: التشابه لا يعني أن يكون الأصل واحدًا. [فاتحاد الوصف لا يوذن باتحاد الأصل].

ولو صحّ وجه التقارب بين (أبرَه) و(إبراهيم) لكان الأليق أن يكون اسمه (أبرهة)، فإبراهيم الهمزة فيه (إ) وليست (أ).


رابعًا: إبراهيم في العبرية: 
يقال أن اسمه كان أبرام (אַבְרָם) وتعني: الأب الرفيع
אַבְ = أب
רָם = الرفيع

ثم صار بعد إعطائه العهد صار اسمه (أبراهيم) 
אַבְרָהָם كما في التكوين: 17: 5.
אַבְ= تعني أب.
הָם: تعني هم أو الذين: (الجمهور، الناس).

وهذا يتقاطع كثيرًا مع قوله تعالى:
"وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ". البقرة: 124.


وعليه يمكن القول إن معنى اسم (إبراهيم) وهو إمام الناس، ومنهم المسلمين قال تعالى: 
"وَجَاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ". الحج: 78.


بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

هناك تعليقان (2):