الأحد، 10 مايو 2015

مقصد "الفكرة" وسيروتها
يقصد "الفكر" حينما يتولّد ويمضي في مراحله إثبات "مصداقيته"، ويسعى إلى "حشد" الناس إليه، ويسعد في "انتشاره". ولأن "الفكر" لا بد له من "حامل" و"ناقل" و"ناشر" فإنه يستعين بأسهل وأوثق الطرق لتحقيق أهدافه.
لكن القرآن الكريم "كوعاء فكري" وإن كان يحمل في وعوده "العالمية" لكنه لا يتوسّل إلى ذلك أسهل الطرق، بل إنه يبني المجتمعات في كل "الدورات التاريخية" ضمن منهجيته، فالمعيار الأهم هو "العمل الصالح" والرابطة الأقوى هي "التقوى" ولا انفكاك بين التقوى والعمل الصالح.
ما تزال المجتمعات العربية يحكمها "منطق القبيلة" من أدنى درجات السُّلّم الاجتماعي إلى أعلاها (من الأسرة إلى الحاكم). وكما سبق أن بيّنت أن "الفكر" العربي قد تظاهر عليه "الحاكم القاهر" و"المذهب الظاهر". فـقد أصبحت المجتمعات تُقاد "كالقطيع". وكل محاولة إبداع أو "تفكير أوسع من الصندوق" ينهال عليها سيف الحاكم مع خنجر المذهب. وبهذا يضمن "الحاكم" و"المذهب" المصالح بتحالفهما. وإن تغيّرت الصور (الحكّام والشيوخ) فإن أصول المعادلة بقيت ثابتة.
ومن المعلوم أن المجتمع العربي "ما قبل القرآن" ساد فيه منطق "شيخ العشيرة" وقد كان الفخر "بالقبيلة" أهم رصيد لها. ولما جاء "القرآن الكريم" أدخله في منعطف جديد وهو "منطق العمل الصالح" وبهذا جرّد القبيلة من سلطتها، وخاطب "الفرد" ليشكّل "الجماعة" بمفهوم "الأمة". 
لكن هذا المنطق القرآني لم يدُم طويلاً، إذ عَدَت عليه أصول "مجتمع ما قبل القرآن" فركبت "موجته" وذهنها يسكنه "منطق العشيرة". فتحوّل الفخر بالحسب أو النصر في الغَزِيّة، أو التغزّل بالمرأة، أو وصف الخيل إلى الفخر بأول من أسلم، ومَن حفظ القرآن ومَن كتبه، ومَن أحب القبائل أو البلدان إلى الإسلام .
فرجعت القبيلة لكن بثوب "مسلم" إذ نشأ فهم قَبَلي للإسلام وأنتجت ثراتًا صُبّ فيها هذا الاتجاه حتى غدا "القاعدة الفكرية" لمعظم المسلمين إلى اليوم، وبدأ "القرآن الكريم" يغيب عن المشهد لكنه بقي حاضرًا في حدود التلاوة أو التفسير بالرغم ما دخله من إسرائيليات وهذه كارثة إضافية.
وإذا عدنا إلى القرآن الكريم "كوعاء فكري" فإننا نجده قد لغى "الوصاية" ونفى "الكهنوتية"، وأسّس التفاضل على معيار "العمل الصالح"، ودعا إلى إعمال "التعقّل" بضوابطه وأصوله. وحثّ على "التسابق إلى الخيرات"، وأجّل الفصل في "الخلافات الفكرية" إلى يوم القيامة. وبهذه المنهجية فلا مكان متقدّم "للقبلية" ولا محلّ متصدّر "للرابطة المذهبية".
وما يعانيه المجتمع العربي اليوم هو إما خيار السير مع "القطيع" على رأي المثل الشعبي (حط راسك بين الروس وقول يا قطّاع الروس) وإما الخروج عن السياق العام. والمطلوب برأيي هو العودة إلى القرآن الكريم لدراسته من خلاله بهدف إعادة اكتشافه وليس كردّات فعل. والانطلاق بـ"مقاصده" على معيار "العمل الصالح" نحو "التسابق إلى الخيرات".

 بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق