الثلاثاء، 15 مارس 2016

أغلوطة التفرقة بين مقامي [الرسالة] و[النبوة]

يفصل بعض الباحثين وهنا أقصد م. محمد شحرور ومن تابعه بين مقام النبوة ومقام الرسالة في كتابه (السنة الرسولية والسنة النبوية) إذ يرى أن "مقام النبوة قابل للتصديق أو التكذيب وغير قابل للطاعة أو المعصية".
أقول:
1.   صحيح لم تأتِ "الطاعة" إلا في مقام [الرسالة]، لكن "المعصية" أيضًا جاءت في مقام [النبوة]. في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّـهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ". الممتحنة: 12.
2.    مقام [الرسالة] فقط هو الذي ورد فيه قرآنيًا "التكذيب" دائمًا وليس مقام [النبوة].
3.   الإيمان في القرآن الكريم وارد على المقامين [الرسالة] و[النبوة].
من يستقرئ القرآن الكريم يجد الآتي:
مجال الخطاب بلفظ [الرسول].
* خاصّ بزمن محمّد عليه الصلاة والسلام:
1.   "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّـهِ (وَرَسُولِهِ) وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ". الحجرات: 1.*
2.   "إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ (رَسُولِ اللَّهِ) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ". الحجرات:3. *
3.   "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ (وَرَسُولُهُ) وَالْمُؤْمِنُونَ". التوبة: 109.
4.   "لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ (الرَّسُولِ) بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا". النور: 63. *
5.   "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى (الرَّسُولِ) وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ". النساء:83.
6.   "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّـهَ (وَالرَّسُولَ) وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ". الأنفال: 27. *
7.   "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن (رَّسُولٍ) إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّـهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ (جَاءُوكَ) فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ (الرَّسُولُ) لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا".النساء: 64.
8.   "وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّـهِ وَصَلَوَاتِ (الرَّسُولِ) أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّـهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" التوبة: 99.
9.   "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ (الرَّسُولَ) فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ". الحجرات: 12.


* خاصّ بزمن محمد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولبعده إلى موت آخر زوجاته. أما من وقت موت آخر زوجة إلى الآن وحتى قيام الساعة فلا:

قال تعالى:
1.   "وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا (رَسُولَ اللَّهِ) وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا". الأحزاب: 53.
* خاصّ بزمن محمد الرسول عليه الصلاة والسلام، فتصلح لوقته حتى مماته عليه الصلاة والسلام، أما من وقت موته إلى الآن إلى قيام الساعة فلا:
1.   "مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى (رَسُولِهِ) مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ". الحشر:17.
* عامّ في كل الأزمان:
1.   "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي (رَسُولِ اللَّهِ) أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا". الأحزاب: 21.*
الخلاصة أن لفظ (الرسول) ومقام [الرسالة] ليس حصرًا في زمن محمّد عليه الصلاة والسلام ، بل قد يكون عامًا وصالحًا لكل العصور.
مجال الخطاب بلفظ [النبي]:
* خاصّ بزمن محمّد عليه الصلاة والسلام:
1.   "يَا أَيُّهَا (النَّبِيُّ) حَسْبُكَ اللَّـهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ". الأنفال: 64.*
2.   "يَا أَيُّهَا (النَّبِيُّ) اتَّقِ اللَّـهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِ‌ينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا". الأحزاب: 1.*
3.   "يَا أَيُّهَا (النَّبِيُّ) قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِ‌دْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّ‌حْكُنَّ سَرَ‌احًا جَمِيلًا". الأحزاب: 28.
4.   "مَّا كَانَ عَلَى (النَّبِيِّ) مِنْ حَرَ‌جٍ فِيمَا فَرَ‌ضَ اللَّـهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّـهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ‌ اللَّـهِ قَدَرً‌ا مَّقْدُورً‌ا". الأحزاب: 38.
5.   "يَا أَيُّهَا (النَّبِيُّ) إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَ‌هُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَيْكَ". الأحزاب: 50.
6.   "وَإِذْ أَسَرَّ‌ (النَّبِيُّ) إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا". التحريم: 3.
7.   "مَا كَانَ (لِنَبِيٍّ) أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَ‌ىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْ‌ضِ تُرِ‌يدُونَ عَرَ‌ضَ الدُّنْيَا وَاللَّـهُ يُرِ‌يدُ الْآخِرَ‌ةَ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ". الأنفال:67. *
8.   "يَا أَيُّهَا (النَّبِيُّ) إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِ‌كْنَ بِاللَّـهِ شَيْئًا". الممتحنة: 12.

* الخطاب للنبي وهو خطاب عامّ لأتباعه:
 ومن أمثلتها قوله تعالى:
1.   "يَا أَيُّهَا (النَّبِيُّ) حَرِّ‌ضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ". الأنفال: 65.
2.   "يَا أَيُّهَا (النَّبِيُّ) جَاهِدِ الْكُفَّارَ‌ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ‌". التوبة: 73، التحريم: 9.
3.   "يَا أَيُّهَا (النَّبِيُّ) قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَ‌فْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورً‌ا رَّ‌حِيمًا". الأحزاب: 59.
4.   "يَا أَيُّهَا (النَّبِيُّ) إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ". الطلاق: 1.
5.   "يَا أَيُّهَا (النَّبِيُّ) قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَ‌ىٰ". الأنفال: 70.
مما سبق لفظ (النبي) ومقام [النبوة] ليس خاصًّا أو مقتصرًا في زمن محمّد عليه الصلاة والسلام. بل قد يكون عامًا في كل العصور.
بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ



التفرقة بين الكتاب والقرآن


من سنن الخالق تعالى أن يرسل الرسل والنبيين وينزل معهم الكتاب، ولم يأتِ القرآن الكريم على ذكر جميع الرسل والنبيين، ومن أتى على ذكرهم لم يذكر كتب العديد منهم. كما أن الكتاب المنزل معهم بالحق هو موجّه للناس، وهنا الناس لفظ عام أريد به الخاص، أي المخاطَبين لا الناس كافة.
”كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّـهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ“. البقرة: 213.
"لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ“. الحديد: 25.
ومن جملة الرسل والنبي الرسول النبي محمّد عليه الصلاة والسلام وقد أنزل/ نزّل عليه الكتاب وهو للناس، لكن هذه المرة للناس جميعًا وكافةً: ”قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا“. الأعراف: 158. ”وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ“. سبأ: 28.
لذا ينطبق على الرسول النبي محمد عليه الصلاة والسلام سنن الخالق تعالى بأن أنزل/ نزّل عليه الكتاب، وهو للناس جميعًا قال تعالى: ”إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ“. الزمر: 41. ”قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ“. يونس: 108. الفارق الوحيد أنه لمجموع الناس ذلك أنه ختمَ النبوات. قال تعالى: ”وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا“. الأحزاب: 40. فختم النبوات، جعل من الكتاب الخاتم، مخاطبًا كل البشرية، وهو خطاب مقاصدي لا خطابًا ألسُنيًا.
والذي أنزل/ نزّل على الرسول النبي محمّد عليه الصلاة والسلام سُمّي بـ (القرآن/ الكتاب) وغيره من الأسماء، وهذا من الترادف الوصفي، فهو [قرآن] من جهة أنه مقروء، وهو [كتاب] من جهة أنه مكتوب، ولكن المراد بالأسماء ذات المسمّى [المصحف]، وكل محاولة للتفريق أو التجزيء بين هذه الأسماء لا تصدم قرآنيًا، بل تنجح المحاولة فقط إذا كانت الدراسة انتقائية لا استقرائية.

فالمصحف بوصفه [كتابًا] هو للناس مؤمنهم وكافرهم، وبوصفه [قرآنًا] هو أيضًا للناس مؤمنهم وكافرهم.

قال تعالى:
”إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ“. الزمر:41.
”وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ“. النمل: 92.

”شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ“. البقرة: 185. 

فالقرآن والكتاب اسمان لمسمّى واحد، على اختلاف الاعتبار، من جهة القراءة [قرآن]، ومن جهة الكتابة [كتاب]. فـ [القرآن] كتاب مبين، و[الكتاب] قرآن مبين. والنتيجة أن المصحف قراءةً وكتابةً مبِين.

قال تعالى:
”طس ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ* هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ“. النمل: 1-2. ”الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ“. الحجر: 1.

وهذا المصحف الذي بين أيدينا ابتداءً كان [كتابًا] في لوح محفوظ، ثم صُيّر مقروءًا، ثم كُتب مجدّدًا بطريقة تناسب الإنسان.

قال تعالى:
”وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ“. الزخرف: 2-4.

وهذا كما نلاحظ دليل قوي على أن [الكتاب] و[القرآن] اسمان لمسّمى واحد.

وفي [الكتاب] الذي في عالم ما قبل الشيئية (الغيب المسبق) مسطور [المصحف] ذاته:
”وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ“. الزخرف: 4.
وكل شيء مسطور في هذا [الكتاب] الغيبي. قال تعالى:
”وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا“. الإسراء: 58.
”النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّـهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا“. الأحزاب: 6.
”وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ“. الْقَمَرِ: 52، 53.
”وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ“. الأنعام: 59.
”وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ“. يونس: 61.
”وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ“. النمل: 75.
”وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ“. سبأ: 3.

وقد تم وصف هذه المعلومات والوقائع بأنها في [كتاب مبين] بحيث لا تغيب واقعة أو معلومة عن علم الخالق تعالى، فهي معلومة لديه مسبقًا في [إمام مبين].

قال تعالى: ”إنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ“. يس: 12.
على أن هذا العلم المسبق ليس جبريًا ولا إكراهًا، بل هو علم كشفي مسبق، فللإنسان هامش من الحرية ناتج وفاعل عن تقدّم المعرفة بيْد أن النتيجة والمآل معلومان مسبقًا:
”وَاللَّـهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ“. فاطر: 11.
فالعمر الافتراضي لأي شخص له حد أدنى وحد أعلى، وإذا ما قصّر الإنسان في تغذية بدنه، أو في علاج مرضه، فاحتمال بلوغ الحد الأعلى من عمره ضئيل أو شبه معدوم. وإذا ما عالج مرضه أو اهتم بالتغذية فإن إدراك الحد الأدنى من عمره ضئيل أو شبه معدوم. فما بين الحدّين للإنسان هامش حرية ناتج عن معرفة أنواع التغذية وأنواع الأدوية. على أن بلوغ لأي من الحدين معلوم مسبقًا للخالق تعالى. ومثله يقال في دفع البلايا والمصائب، فهذا كله متوقف على معرفة السنن والقوانين التي تدفع هذه المصائب وتمنع البلايا.
”مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ“. الحديد: 22.
إذا افترضنا أن أحدهم بلغ الحد الأعلى من العمر فهذا يعني أن الحد الأدنى تم محوه، والحد الأعلى تمّ تثبيته، وهنا تأتي هذه الآية لتؤكد أن ما تمّ محوه أو ما تمّ تثبيته فهو معلوم: "يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ“. الرعد: 39.
وهنا أفهم قوله تعالى: ”وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا“. الإسراء: 13.
ففي هذا الكتاب مسطور كل شيء، إلا أن هناك سطور ممحية (غير ظاهرة للإنسان)، وفي هذا الموقف بيان للإنسان مدى رحمة الخالق تعالى في العفو، وفي ذات الوقت بيان للإنسان للفرص التي أهملها، ولم يُعمل أدوات المعرفة (السمع ولبصر والفؤاد) لتحصيل أفضل النتائج والمراتب.
أما قوله تعالى: ”وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا“. الإسراء: 12.
فالليل والنهار على الأرض لا يغيبان على مدار الساعة، فحركة النهار والليل دؤوبة: ”وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ“. يس: 37. فالنهار هو الطارئ والليل هو الأصل.
فمحو آية الليل إنما هو بالنسبة للناظر في أجزاء الظلمة من الأرض، ولا يعني هذا أن لا وجود لليل، فالمحو هو بمعنى السكون قال تعالى: ”هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ“. يونس: 67. وهو من ظاهر رحمنه تعالى: ”وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ“ القصص: 73.

القرآن تفصيل الكتاب الذي في ”لوح محفوظ“

"وَمَا كَانَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ".يونس: ٣٧.
ومن يتأمل المصحف يجد أن [القرآن] و[الكتاب] جاء لفظ ”تنزيل“ في وصفهما.
قال تعالى:
تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ“.السجدة: 2. ”تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ“. غافر: 2.
”إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ“. الواقعة: 77-80.

فالقرآن/ الكتاب الذي بين أيدينا هو [تنزيل] من رب العالمين، والقرآن تفصيل [الكتاب] الذي في عالم الغيب المسبق.

قال تعالى:
كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ“. فصلت: 3.


الثلاثاء، 8 مارس 2016

دراسة حول مركّب كل شيء في القرآن الكريم

مركّب [كل شيء]

      ورد هذا المركب في القرآن الكريم وهو لا يفيد الاستغراق والعموم في
كل موضع، بل السياق هو الحكم فيما إذا كان يفيد العموم أو الخصوص.

أولاً: مركّب [بكلّ شيء] وهو يفيد الاستغراق، وفي كل المواضع تعلّق هذا المركّب بالخالق تعالى من حيث العلم والإحاطة والإبصار. والمواضع عددها (25) هي كالآتي:
“بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”: البقرة: 29،231،282، النساء:
176، المائدة: 97، الأنعام: 101، الأنفال: 75، التوبة: 115، النور: 35، 64،
العنكبوت: 62، الشورى: 12، الحجرات: 16، الحديد: 3، المجادلة: 7، التغابن: 11،
“بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا”. النساء: 32، الأحزاب: 40،
54، الفتح: 26.
“بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ”. الأنبياء: 81.
“بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا”. الطلاق: 12.
“بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ”. فصلت: 54.
“بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا”. النساء: 126.
“بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ”. الملك: 19.

ثانيًا: مركّب [لكلّ شيء] وقد ورد في (4) مواضع أفاد الاستغراق في موضع واحد وهو أن الخالق تعالى جعل لكل شيء قدَرًا في قوله: “وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّـهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّـهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا”. الطلاق: ٣.
وباقي المواضع الثلاثة فهي لا تفيد الاستغراق وهي كالآتي:
قوله تعالى:
“ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي
أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاءِ
رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ”. الأنعام: ١٥٤.
“وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ
مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ
يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ”. الأعراف: ١٤٥.
“وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم
مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ
لِلْمُسْلِمِينَ”. النحل: ٨٩.
      فكتاب موسى عليه السلام وألواحه ليس فيها تفصيل كل شيء، بل فيه
تفاصيل تفيد قومه وزمنه، وكذلك الكتاب/القرآن الكريم ليس فيه تبيان كل شيء،
فالقرآن الكريم جاء على ذكر بعض قصص النبيين، وسكت عن بعض، وقد توسّع في ذكر
تفاصيل لبعض القصص قال تعالى: ” وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن
قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّـهُ مُوسَىٰ
تَكْلِيمًا”. النساء: 164، وبعضها اكتفى بذكر النبي (اليسع، ذو الكفل) وبعضهم
أعطى القليل من التفصيل (إلياس، إدريس)، وهذا يكفي للقول بأن القرآن الكريم ليس
تفصيلاً لكل شيء. كما أنه مثلاً فصّل في صلاة الخوف دون الصلوات المكتوبة (النساء:
102-103)، ولم يأتِ على ذكر صلاة الجنازة أو الكسوف أو الاستسقاء. وفي المقابل
فصّل كثيرًا في إباحة الأكل عند الأقرباء (النور: 61).
      فيكون القرآن تبيان لكل شيء بمعنى تبيان لما ينبغي تبيانه، وهذا لا
يعني أنه يشمل تفاصيل الحياة والموجودات، بل فيه أصول وقواعد منهج التعامل مع
الإنسان والكون.


ثالثًا مركّب:
 [كلّ شيء] ووردت في مواضع (85)، المتعلّق منها في الخالق تعالى في (73) موضعًا، من حيث القدرة *، والشهادة، والحساب، والميقات، والإحصاء، والرقابة، الحفاظة، والوكالة، والعلم، والملك، والإتقان، والحُسن، والإنطاق، والخالقية، والربوبية، والهلاك، والرحمة. وهي كالآتي:
“كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”. البقرة: 20، 106، 109، 148،
259، 284، آل عمران: 26، 165، 189، المائدة: 17، 19، 40، 120، الأنعام: 17،
الأنفال: 41، التوبة: 39، هود: 4، النحل: 77، الحج: 6، النور: 45، العنكبوت: 20،
الروم: 50، فاطر: 1، فصلت: 39، الشورى: 9، الأحقاف: 33، الحديد: 2، الحشر: 6،
التغابن: 1، الطلاق: 12، التحريم: 8، الملك: 1.
“عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا”. الكهف: 45.
“عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا”. الأحزاب: 27، الفتح:
21.
“كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ”. المائدة: 117، الحج: 17، سبأ:
47، فصلت:53، المجادلة: 6، البروج:9.
“كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا”. النساء: 33، الأحزاب: 55.
“كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا”. النساء: 85.
“كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا”. النساء: 86.
“أَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا”.الجن: 28.
“كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا”. الأحزاب: 52.
“عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ”. هود: 57، سبأ: 21.
“عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ”. الأنعام: 102، هود: 12،
الزمر: 62.
“كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا”. الأنعام: 80، الأعراف: 89،
طه:98.
“مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ”. المؤمنون: 88، يس: 83.
“وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ”. النمل:91.
“الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ”. النمل: 88.
“أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ”. السجدة: 7.
“أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ “. فصلت: 21.
“كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ”. القصص:88.
“خَلَقَ كُلَّ شَيْء”. الأنعام: 101، الفرقان: 2.
“خَالِقُ كُلِّ شَيْء”. الأنعام: 102، الرعد: 16، الزمر:
62، غافر: 62.
“كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ”. القمر: 49.
“أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ”. طه: 50.
“رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ”. الأنعام: 164.
“وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ”. الأعراف: 156.
“وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا”. غافر:7.
أما فيما يتعلّق بغير الخالق تعالى في (3) مواضع فهي فيما يتعلّق
بالإنبات، والميزان، وذي القرنين كالآتي:
“هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا
بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ”. الأنعام: 99.
“وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ”. الحجر:
19.
“وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا”.الكهف: 84.


وكل ما سبق يفيد الاستغراق لكن ينبغي التأكيد على أن ما يتعلق
بقدرة الخالق تعالى، متوقفة على سُننه، فلا يحقّ التناقض في حقه تعالى.


وباقي المواضع وهي (9) فلا تفيد الاستغراق والعموم وهي كالآتي:
“فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ
أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم
بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ”. الأنعام: 44.
فلم يُفتح عليهم إلا ما كان في زمانهم وفي بيئتهم.
“وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ
مَّوْعِظَةً “. الأعراف: 145.
سبق الكلام عن هذا.
“وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ”.
الأنبياء: 30.
وهذا على الغالب لا على الاستغراق فهناك كائنات دقيقة لا تعيش على
الماء.
“وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ
الْمُبِينُ”.النمل: 16.
فسليمان عليه السلام لم يؤتَ كل شيء إلا ما يناسب زمانه وبيئته.
” وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ
عَظِيمٌ”. النمل: 23.
ملكة سبأ التي عاصرت سليمان عليه السلام لكنها لم تؤتَ كما أوتي
هو، فما أوتيتْهُ يخص بيئتها لا زمانها.
“يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن
لَّدُنَّا”. القصص:57.
ليس كل الثمرات تُجبى إلى مكّة. بل ثمرات بيئتهم.
“تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ”. الأحقاف: 25.
الآية دلّت على أنها ليست شاملة فلم تدمّر مساكنهم.
“وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ”. الذاريات:
49.
وهذا على الغالب، فهناك كائنات دقيقة لا زوجية.
“لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي
الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ
يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”.
يوسف: 111.
القصص القرآني لا يأتي على ذكر كل التفاصيل، بل التفاصيل التي تهمّ
المتلقّي والمخاطَب.


رابعًا: مركّب
 [وكلّ شيء] وقد ورد في (5) مواضع، فيما يتعلق بالخالق تعالى (3) من حيث التقدير، والإحصاء، والتفصيل، كالآتي:
“كُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ”. الرعد: 8.
“وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ”.
يس: 12.
“وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا”. النبأ: 29.
وهذه الآيات تفيد الاستغراق والشمول.


“وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا”. الإسراء:
12.في سياق: “وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ 
ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ
مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ
السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا”. الإسراء:
12 فالتفصيل هنا في علم الحساب الزمني الذي يفيد الناس، لا تفصيل كل العلوم.
وفيما يتعلّق بالمخلوق (1) موضع كالآتي:
“وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ”. القمر: 52.

      
أخيرًا، فإن مركّب [كل شيء] لا يفيد بالضرورة الاستغراق والعموم،
بل السياق هو الحكم، بقي قضية أخيرة وهي مسألة [خلق الله]، و[خلق القرآن]، وهنا
سأتطرق إلى مسألة خلق الله تعالى، ذلك أن الله تعالى قال:
“خَلَقَ كُلَّ شَيْء”. الأنعام: 101، الفرقان: 2.
“خَالِقُ كُلِّ شَيْء”. الأنعام: 102، الرعد: 16، الزمر:
62، غافر: 62.

وقال عن نفسه بأنه [شيء] في قوله تعالى: “قُلْ أَيُّ شَيْءٍ
أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّـهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ”. الأنعام:
19.
فيرى بعض الباحثين أن الله خلق نفسه، فهو شيء، وهو في ذات الوقت خالق كل شيء! لكن الحقيقة أن كل ما يتعلّق بالخالق تعالى هو من باب التقريب، فلما وصف نفسه بـ [شيء] فلا يعني هذا أنه تشيّأ أو تحيّز بتاتًا، ويردّ عليه بأن الله تعالى قال أنه: "رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ". الأنعام: 164. فهل هو ربّ ومربوب في ذات الوقت؟! بالتأكيد لا.

في هذا البحث نسدّ اختلالات فكرية كثيرة منها:
1- مسألة خلق الله تعالى في جزئية خلق نفسه. فالله خالق كل شيء ولم
يخلق نفسه بنفسه.
2- مسألة ما يُعرف بالإعجاز العلمي، كزوجية المخلوقات، وعنصر الماء
في تكوين المخلوقات، فقلنا إنها في الغالب لا التعميم.
3- مسألة أن القرآن فيه تفصيل كل شيء حتى نُسب إلى الصدّيق رضي الله عنه: “لو ضاع منّي عقال بعيرٍ لوجدتُه في كتاب الله”!!. والحق أن القرآن المجيد فيه أصول ومنهجية في التعاطي مع الإنسان والكون.

بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ