هدم الأصنام في مكة
نشأ الإسلام كدعوة لتوحيد الإله [الخالق] ونبذ الآلهة المزعومة، في مجتمع طغت فيه الوثينة على "الوحدانية".
وإذا اعتبرنا الروايات التاريخية تسجيلاً -التي لا تخلو من المبالغات والأسطرة- فقد وصلنا كتاب المؤرخ الكلبي عن "الأصنام" وفيه رصد أهمّ أوثان العرب.
كما أن القرآن الكريم أبرز دور الرسول النبي عليه السلام في مقارعة عبَدة "الأوثان" بالحجّة. حيث ورد لفظ "الأوثان" جمعًا لا مفردًا في القرآن ثلاث مرّات. وورد لفظ "الأصنام" أيضًا جمعًا 5 مرّات متعلق بقوم إبراهيم وموسى عليهما السلام. والفرق بين الصنم والوثن، أنّ الصنم: ما جعل على صورة إنسان يعبد من دون [الخالق].
الوثن:ما عبد من دون [الخالق] على أيّ وجه كان. قال ابن الأثير: الفرق بين الوثن والصنم أن الوثن كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض، أو من خشب، أو حجارة كصورة الآدمي تعمل وتنصب فتعبد. والصنم: الصورة بلا جثة، ومنهم من لم يفرق بينهما، وأطلقهما على المعنيين. ثم قال: وقد يطلق الوثن على غير الصورة. انظر: النهاية في غريب الحديث 5/151 ،3/ 56.
وقد وصف القرآن الكريم الناس الذين قامت عليهم الحجة وفنّدت كل حججهم حول أحقيّة تلكم الأوثان والأصنام بـ "الكافرين" وأعتبر "دينهم" باطلاً.
وقد ورد في القرآن الكريم أسماء آلهة عُبدت في زمن نوح عليه السلام: "وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا". نوح: 23.
وبعض آلهة العرب في قوله تعالى: "أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّـهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ". النجم: 19-22. لم يذكر القرآن الكريم كل الأصنام عند العرب، كما لم يأتِ على ذكر "هُبَل".!!
وقد نقد القرآن الكريم تلكم الآلهة الباطلة، وبيّن زيفها، وكشف ضلال متّبعيها، وأبان خطّة المستفيدين من التسويق لها وتعظيمها.
وبالرغم من النقودات إلا أنه منع من سبّ الآلهة وشتمها فضلاً عن هدمها كما في قوله: " وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ فَيَسُبُّوا اللَّـهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ". الأنعام: 108.
وقد أورد القرآن الكريم قصة غاية في الروعة وهي محاججة إبراهيم الفتى الرشيد عليه السلام لقومه حيث هدم الأصنام إلا كبيرًا لهم كما في سورة الأنبياء وهي مكيّة:
"وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّـهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * جَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ* قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ". الأنبياء: 51-70.
وقد كان بإمكان الرسول النبي عليه الصلاة والسلام إعادة نفس السيناريو لإقناع الوثنيين بفساد وبطلان آلههم عمليًا كما فعل إبراهيم عليه السلام، لكن شيئًا من هذا لم يفعله.
بل ظلّ ناقدًا للأصنام وعبدتها، ومفنّدًا لحجج القائلين بأحقيّتها، دون أن يشتمها فضلاً عن أن يهدمها.
لكن تروي لنا الأحاديث أنه عليه الصلاة والسلام قد هدمها يوم فتح مكّة، والذي أراه إن صدقت تلك الروايات، فهي مقبولة فقط بالأصنام حول الكعبة، أما ما حول مكة والقبائل فغير مقبول، لسبب بسيط هو أن الأصل الأصيل هو : "لا إكراه في الدين" و "لكم دينكم ولي دين".
لكن الأصنام في الكعبة فالشأن فيها مختلف، فهي تاريخيًا عن العرب هي بيت لوحدانية الله تعالى الذي رفع قواعده إبراهيم وابنه إسماعيل عليه السلام، فالأصل فيه "الوحدانية" الحقّة والوثنية الباطلة طارئة.
على أن الروايات التي آخذ بها أكّدت أن بعض أهل قريش شارك في هدم الكعبة. وقالت هند: "كنّا منك في غرور" تقصد آلهتها.
أما من حيث الروايات التي تفيد الحرمة أو الوعيد لمن يصنعون -التماثيل- والصور، إنما تحمل على أن الصانع لها يريد مضاهاة [الخالق] أو كانت محلاً للعبادة أو مظنّة ذلك. انظر: إياد أبو ربيع، ضوابط المبادلات في الاقتصاد المسلم.
فالباعث متعلق على المكلف لا على الأشياء، إذ الأصل فيها الحلّ، فصنع الألعاب والتماثيل اليوم وبيعها حلال.
الوثنية اليوم هي تقديس ما لا يستحقّ التقديس.
هي تعظيم ما لا يستحق التعظيم.
الوثنية في العقول التي في الجسوم لا في الصور والرسوم.
بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق