الأربعاء، 19 أغسطس 2015

البخاري لا إفراط ولا تفريط (4)

البخاري لا إفراط ولا تفريط (4)

بقلم: إياد محمّد أبو ربيع


قررنا سابقًا عدم وجود النسخة الأصلية حتى هذه اللحظة، على أن النسخ القديمة مثل نسخة الفربري (ت: 320 هـ)، وأخرى نجد عند المقارنة اختلافات في عدد المرويات وفي الأسانيد والمتون.

تعتبر نسخة النونيني (ت: 701 هـ) أجمع النسخ وأصحّها.

تعتبر الطبعة السلطانية التي أمر بطباعتها السلطن عبد الحميد الثاني (1311 هـ)، التي تمثل النونيني فرعًا ونسخ أخرى.
أقدم مخطوط يعرف حتى الآن هو القطعة الموجودة في مجموعة المستشرق منجانا وهي برواية أبي زيد المروزي (ت: 371 هـ) عن الفربري، وكتبت في حياته. (انظر: عبد الحليم، جمعة، فتحي روايات الجامع الصحيح ونسخه دراسة نظرية تطبيقية، ط1، دار الفلاح،وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، دولة قطر،2013م).
فرواية إبراهيم بن معقل النسفي (ت: 294 هـ)، فإنه روى كتاب البخاري لكن فاته بعض ما فيه رواها عنه إجازة.
حماد بن شاكر: (ت: 311 هـ).  والبزدوي: المحاملي: لم يتهيّأ لهم رواية كتاب البخاري كاملاً.
أبو زيد محمد بن أحمد المروزي : (ت: 371 هـ).
أبو أحمد محمد بن مكي الجرجاني: (ت: 
أبو علي سعيد بن سكن : (ت: 353 هـ).
أبو محمد الحموي: (ت: 381 هـ).
أبو الهيثم محمد بن مكي الكشميهني. (ت: 389هـ).
أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم المستملي (ت: 376 هـ).
أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي (ت: 392 هـ). يروي عن اثنين من أصحاب الفربري: المروزي، الجرجاني.
أبو الحسن علي بن محمد القابسي: (ت: 403 هـ)، يروي عن اثنين من أصحاب الفربري: المروزي، الجرجاني.
أبو ذر الهروي عبد بن أحمد (ت: 434 هـ): يروي عن ثلاثة من أصحاب الفربري:المستملي، السرخسي، الكشميهني.
الفربري سمع كتاب البخاري مرتين: سنة 248 هـ في فربر، وسنة 252 هـ في بُخارى. وهي أشهر الروايات للكتاب.
أشهر الروايات على الإطلاق رواية أبي ذر الهروي (ت: 434 هـ)، عن شيوخه الثلاثة.

اقتراح بتجميع الراجح من نُسخ كتاب البخاري من قِبل لجنة علمية متخصصة وطباعته.
بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍٍ نصيبٌ




السبت، 8 أغسطس 2015

من هو المُلحد قرآنيًا؟

من هو المُلحد قرآنيًا؟
ورد جذر (لحد) في القرآن الكريم في 3 كلمات على مجموع تكرار 6 مرّات كالآتي:
بِإِلْحَادٍ (1)، مُلْتَحَدًا (2)، يُلْحِدُونَ (3).
وما يهمّنا منها مركّب [يلحدون في] حيث وردت في مجالين:
1- ملحدون في أسماء الله تعالى.
2- ملحدون في آيات الله تعالى.
أسماء الله تعالى ذات ثنائية، رحيم / شديد العقاب، غفور/ ذو انتقام. علمًا بأن أسماء الله تعالى لا حصر لها. والأسماء ذات الطبيعة الجمالية والكمالية أكثر ذكرًا في القرآن من الأسماء ذات الطبيعة الجلالية. والإلحاد في أسمائه تعالى يكون بالميل لأحدها دون أخرى. فمن يعتقد بأن الله تعالى غفور رحيم فقط فهو مُلحد. فهو أهمل باقي الأسماء، وعاش وهمَ المثالية في الحياة الدنيا. ومن يعتقد بأن الله تعالى شديد العقاب. فهو أيضًا ملحد. فهو أهمل باقي الأسماء، وعاش قاسيًا وحشًا كاسرًا.
بالرغم من أن شر الأول أقلّ من الثاني، إلا أنهما مُلحدان على درجات متفاوتة. لعلّ بعضهم يقول: ملحد لطيفٌ أحبّ إليّ من مُلحد عنيف!!!
آيات الله تعالى هي الدلائل الكونية وكذلك الآيات القرآنية.
والإلحاد فيها يكون في أخذ بعضها وإهمال بعضها. فهو ينتزع من الآيات ما ينصر فكرته. فالملحد في الآيات الكونية يرى أنها تدلّ على الخالق، يعترف بها بل ربّما يكتشف بعضها لكنه ينكر دلالتها على واجدتها. والمُلحد في الآيات القرآنية من يأخذ منه ما يوافقه فكرته المسبقة ويترك عمدًا أو لقلّة علم الآيات القرآنية التي في غير مراده.
إن المدرسة المقاصدية ترى أن أسماء الله تعالى وآياته كلها ذات طبيعة ثنائية، وعلى الإنسان الحرّ الواعي أن يوازن بين تلكم الثنائيات بميزان "العدل والقسط"، وبالنظرة الشمولية لآيات القرآن وآيات الكون. فلا هو صاحب قراءة "عضينية" ولا قراءة "انتقائية".

بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

ما علاقة العقل بالدين؟

ما علاقة العقل بالدين؟
ينبغي قبل الإجابة على هذا التساؤل أخي الحبيب أن نفكّك مصطلح [الدين] كمدخل للإجابة. وبُغية تحديد فضاءات الدين ومجالاته.
الدين بالمعنى الشائع يقصد به قرآنيًا الالتزام لله تعالى بالتعظيم والطاعة، وأهم عنصرين في الدين هما "الوحي"، و"الحكمة".
"الوحي" مصدره مطلقٌ غيبيٌ (غيب الغيوب)، ففي الوحي جزءٌ من الغيب أسمّيه "الوحي غير المعقول"، فلا محلّ للعقل فيه. لأنه فوق التعقّل.
على أن بعض أجزاء "الوحي" يدخل فيه العقل كآلية للفهم والتدبّر والتفكّر وهو "الوحي المعقول". وهي مقدّمات للوقوف عند عتبة "الغيب المطلق" إقرارًا وتعظيمًا. بمعنى أن الإيمان بالغيب لا يكون تسليمًا هكذا، بل بالتوسّل بأجزاء "الوحي المعقول" الدّالة على "الوحي غير المعقول".
يكمن دور العقل كآلية في ترتيب العلاقة وتفاعلها ما بين "الوحي المعقول" و"الحكمة" وهذا من وظائف الرسول النبي عليه الصلاة والسلام ومن اتبعه وسار على دربه.
وإذا أردنا الدخول في فضاءات الدين بالمعنى الشائع، ففيه "الوحي غير المعقول" من أخبار: فيما يعلق بالله تعالى وكل ما أسند إليه من اسم أو فعل. وعالم الملائكة والجن والجنة والنار والحكمة الكلية للقدر.
وفيه "الوحي غير المعقول" من أوامر: كالصلاة وأوقاتها وأعداد ركعاتها وهيئاتها.
وفيه "الوحي المعقول" الذي دلّ عليه النص بالإشارة أو الإماءة، أو استنباطًا أو استقراءً.
لذا من يظنّ أن العقل لا مدخل له في الدين [بتاتًا] فهو مخطئ، ومن يظن أن العقل له مُدخلية [كاملة] في الدين فهو مخطئ أيضًا. فالدين الحق لا يخالف العقل الصارم، لكنه قد يكون فوق إدراكاته، فثمّة فرق بين أن يكون مخالفًا له وبين أن يكون فوق الإدراك.
بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

الجمعة، 7 أغسطس 2015

مزالق [التّخيّر] ومدارك [التّدبّر]

مزالق [التّخيّر] ومدارك [التّدبّر]

إن أي كلام حتى يُفهم بالشكل الصحيح لا بدّ من قراءته ضمن سياقه التركيبي، وسياقه الزمني، ثم بعد ذلك ضمن مقصد المخاطَب.
وفيما يتعلق بالقرآن الكريم فإن أي قراءة تدّعي العصْرية أو المحبة والسلام ولا تراعي السياق القرآني ومقاصده فهي قراءة "عضينية".
أن من "يتدبّر" جميع آيات القرآن الكريم ولا "يتخيّر" بعض آياته يدرك تمامًا أن اللفظ ذاته قد تتغير دلالته تبعًا للسياق.
ومن المحاولات أو بالأحرى من مزالق "التّخيّرية":
1- جهود ترى أن هناك تعادل بين "الكون" و"القرآن" بحيث أن الكون هو المعادل الطبيعي للقرآن!! إذ ليس في الكون تطابق وتماثل، بل التنوع والاختلاف والتكامل، وعليه فكل لفظة قرآنية لها قيمتها ووزنها، ولا تتغير دلالاتها وفق سياقها، بل تبقى دلالاتها ثابتة في كل موضع في القرآن!!
وهنا نرى تعطيل لحقيقة أثر السياق منهجيًا، كما أن دعوى التعادل ما بين الكون والقرآن دعوى عريضة، ويكأنهم استقرأوا الكون كله، فوجدوه في كل جزئية لا يتماثل، لكنهم لو استقرأوا المتاح وهو ألفاظ القرآن الكريم لعلموا أن اللفظ قد يتغير وفق السياق. فحجتهم داحضة. وإن كانت الفكرة مغرية.

2- جهود ترى أن اللفظة هي التي تحكم السياق ولا يحكمها السياق، بدعوى "رياضية اللغة القرآنية"، بحيث أن كل لفظ له دلالة واحدة أينما كان، وعليه تكون الدلالات متساوية لعدد الألفاظ!!

3- جهود قامت بنفي الترادف -علمًا بأن الترادف لا يقصد به عند التحقيق التطابق الدلالي للمفردة- ولكن عند الاستقراء نجد بوضوح أن الترادف "الوصفي" موجود وقائم، وهو الألفاظ التي توصف حالة أو شيء معين لكن باعتبارات بحسب السياق أو القصد من الخطاب.
والقاعدة هي: [الزيادة في المبنى تفيد زيادة في المعنى] كما هو معروف، لكنهم سحبوا كل لفظة في القرآن على دلالة واحدة دون مراعاة السياق.
فأكيد لفظ (الله) مختلف عن لفظ (رب)، ولفظ (الرحمن) مختلف عن لفظ (الرحيم) لكنها بحسب السياق تدل على مدلول واحد، كما أن لفظ (رجال) لا يعني دلالةً (رجال) في كل موضع في القرآن، فمرات عديدة يفيد جنس الذكور، ومرة يفيد (المشاة المترجلين) فالسياق هو الحكم.

4- وأخيرًا جهود تقتصر على الألفاظ القرآنية وحدها، على اعتبار أن أي جذر قرآني يفيد دلالة واحدة فقط، فمثلا:
(زنى، وزنوا بالقسطاس، زينة) تفيد كلها (من يزن الأمر لصالح نفسه)!!
و(وأكيد كيدًا، ويكيدون، وأكاد أخفيها) كلها من الجذر (ك ا د) وتفيد (التأكيد والحتمية في الأمر)!!
و(العصى والمعصية وعصاك وعصاني وعصيته وعصوا وعصيتم) كلها من الجذر ( ع ا ص) كلها تفيد الإدراك!!
إن أي محاولة لقراءة القرآن الكريم بمنأى عن السياق، إنما هي قراءة تحيّزية، وممارسة للأغاليط، بالرغم من دعاوى المحبة وإرادة نشر السلام.
مشكلة العقل العربي ينتقل من تطرّف في القراءة "الضيّقة" إلى تطرّف نحو القراءة "الفوضوية". وذلك إما بسبب ردّات الفعل أو غياب المنهج المنسجم.

بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

لغة البشر بشكل عامّ وأغلبي مستقلة عن الموجودات

لغة البشر بشكل عامّ وأغلبي مستقلة عن الموجودات
إن اللغة هي دلالة رمزية للموجود الخارجي، لا علاقة كاملة بين اللغة والموجود ولا ارتباط كلي ولا تقابل بين التصورات "الذهنية" والأعيان "الوقائع الخارجية"، قد تجد بعض صور التقابل في الألفاظ ذات الأحرف المتكررة (زلزل، دمدم، دندن، تمتم..الخ)أو بعضها (خضم للرطب قضم لليابس)، إذ حقيقة اللغة هي نظام قائم على المواضعة. والمواضعة قائمة بشكل عام على ما اتفق (اعتباطي) لا وفق نظام منسجم.
ولو كان هناك ترابطًا حقيقيًا وكليًا بين اللغة والموجود الخارجي لكانت كل اللغات في العالم لغة واحدة، أو لغة البشر ستكون على الدوام واحدة. وهذا غير حاصل بل بينهما مشتركات إما بسبب التناقل أو بسبب وجود الترابط اللغوي مع الوجودي وهي قليلة.
بينما لغة الحيوان فهي دلالة مشاعر وغرائز، فهي لا تختلف من مكان إلى مكان ولا زمان إلى زمان، فأصوات [القطة] في فلسطين وتعبيراتها مثل القطة التركية والماليزية. بينهما تعبيرات البنت في فلسطين ولغتها تختلف عن البنت التركية أو الماليزية.
ومن هنا فإن النظام الذي يقوم عليه القرآن الكريم لا يمكن أن يفهمه مَن ليس له مشْغلة بنظامه، ولا صحة لدعوى أن القرآن يفهمه كل إنسان، فبتجربة بسيطة يستطيع أن يقوم بها كل شخص، خذ أي آية قرآنية أو مقطع منها، وأعرضها على صيني أو ماليزي أو تركي أو فرنسي أو كندي ممن لم يتعلموا اللغة العربية قط، وأسألهم كلاً باللغة التي يفهم: "ماذا فهمت من المقطع"؟. فستعلم حقيقة الدعوى.
القرآن الكريم مقاصده العليا هي للعالمين لا ألفاظه ولا دلالاته، انتبهوا إلى المقاصد ولا تتوقفوا على الألفاظ.
بوركتم جميعًا 
ولكل مجتهدٍ نصيبٌ

معضلة وجود الشر ودور الخالق إزاءها


معضلة وجود الشر ودور الخالق إزاءها
يستحضر البعض مقولة أبيقور التقليدية حول معضلة الشر، فالشر موجود والإله إما أنه يدري أو لا يدري، فإن كان لا يدري فهو إله (جاهل)، وإن كان يدري، فإما أنه قادر لكنه لا يريد منع الشر أو غير قادر، وعليه فيكون الإله في الحالة الأولى (شرّيرًا)، وفي الآخرة (عاجزًا). وفي كل الافتراضات فهو إله إما (جاهل) أو (عاجز) أو (شرّير) لا يستحق أن نؤمن به ونحن نرى العالم يعجّ بصور كثيرة من الظلم والشرور والمعاناة.
لن أدخل في جدلية تحديد مفهوم الشر، بل سأكتفي بالقول إن الشر في عالم الدنيا نسبي لا محض، وبما أن الخالق تعالى وصف نفسه بثنائية ككونه رحيمًا ورؤوفًا، وشديد العقاب وذا انتقام، فإن عالم الوجود ذو طبيعة أيضًا ثنائية، خير وشر، ألم ولذّة. كما أن عالم الآخرة فيه سعادة (الجنة)، وفيه شقاوة (النار).
ولن أدخل في قضية هل الشرور مخلوق؟ أو كون الشرور ذاتية أو عرضية؟ واقعية أم اعتبارية؟ وجودات أم أعدام؟ (أوردها الدكتور عدنان في خطبة له بعنوان الله عاجز أم شرير؟!) ولا قضية الابتلاء، وأن هذا العالم هو مرحلة من مراحل الحياة، وليست آخر المطاف. أو قضية التوازن البيئي والحيوي(أوردها الدكتور عدنان في خطبة له بعنوان الله عاجز أم شرير؟!). وأن الشر يحرّض على إنهاض البشر وتطوير القدرات. وأن عدم وجود المعاناة ينمّي عند الإنسان الطغيان.
ولكني سأدخل من خلال النظام الذي يحكم العالم من قوانين التي لا يختلف عليها عاقلان: "وخلق كل شيء فقدّره تقديرًا". الفرقان:2.
فالألم والمعاناة مسبّباتها اثنان:

سبب داخلي: الشخص نفسه لنفسه، أو قد يسبّبها سببٌ خارجي، شخص لشخص آخر، أو حيوان أو مرض أو بركان أو حادث سير الخ.
السبب الداخلي: يتحمل مسئوليته الإنسان نفسه: "كل نفس بما كسبت رهينة". المدثر: 38.

السبب الخارجي: ويتحمّل مسئوليته الإنسان الواعي. فمثلاً حركة انزلاق سيّارة بسبب عُطل مفاجئ فيها عن مسارها إلى مسار المشاة يحكمها القوانين الفيزيائية، ويحكم المشاة الوعي. فإذا غاب الوعي من الماشي ولم يتحكم بقوانين الفيزياء لحركة السيارة يحصل الحادث، وتتولد المعاناة للسائق وللماشي أو لأحدهما. فالمسبّب الوجودي هو القوانين لا الله تعالى.
ومثل ذلك البراكين والزلازل فهي ظواهر غير عاقلة لا واعية، حينما تثور أو تضطرب لا تميز بين كبير أو صغير أو مؤمن أو ملحد. بل تسير وفق موجات فيزيائية أو قوة دفع معينة، والإنسان الواعي هو المسئول عن تجنب مثل هذه الظواهر.
ومثله أيضًا الأمراض، وهي كائنات دقيقة لها قوانين تحكمها من حيث النشاط والانتشار أو التقوقع، وعلى الإنسان الواعي تجنّب هذه الأمراض، أو أخذ المضادات الحيوية.
مما سبق نلاحظ أن الكون يحكمه قوانين، وعلى الإنسان أن يكتشف هذه القوانين، بحيث يتجنّب أعراضها السلبية، ويسخّر أعراضها الإيجابية، وأن يسلّط قانون على قانون لتحقيق سعادته.
وندرك الآن أن الذي سبّب المعاناة هو ((القوانين ووعي الإنسان الحرّ))، وبهذا نفهم موضوع القضاء والقدر، ويسقط قول من قال إن الله تعالى عاجز أو جاهل أو شرّير تعالى عمّا يقولون. بل إنه عالم كلي العلم، قادر كلي القدرة، وما يريد ظلمًا للعباد.

الطفل واقعيًا هو الشخص اللا واعي وعديم القدرة على الاختيار، وكل إنسان غير واعي أوعديم الاختيار فقوانين الكون ووعي الإنسان السيء (حالة اعتداء المعتدي) يفعل فعله فيه، وهنا يأتي مفهوم (القدر). فالطفل أو أي شخص لا واعي أو عديم الاختيار يكون محل فعل القوانين ووعي المعتدي، وهو شر بالتأكيد، لكن ليس الله تعالى هو المسبب له. بمعنى آخر الطفل أو بشكل عام اللاواعي أو عديم الاختيار الحر هو الحلقة الأضعف في نظام القوانين، لذا سيكون محل فعل القوانين، فإذا أسيء استخدامها فسيكون ضحيتها. لذلك لا علاقة لله تعالى بها ولا هو عاقبهم ولا رضي بذلك، وليس من اختصاصه التدخل لوقف نظام القوانين من أجلهم. بل المسئولية على الناس الواعين الأحرار. وهو مناط التكليف والخلافة في الأرض، لدفع الظلم عن المظلومين ونشر السلام والخير للبشرية جمعاء. فلا محلّ لاعتراض الملحد أو المتسائل بهذا الخصوص، فالقضية مرتهنة بالقوانين والمرء الحر الواعي. 
أثر الدعاء في رفع الشرور

التغيير لا يكون بالدعاء، إنما يكون بفهم وإعمال القوانين والسنن، وهذا جوهر الرسالة الخاتمة، ولما عطّل المسلمون فهم القرآن ورسالته، اقتصروا على الدعاء (التمتمة بكلمات مأثورة)، وحقيقةً فإن الدعاء إنما هو من أجل (التحفيز الذاتي) (حُداء العاملين لا ترانيم الكُسالى)، والتغيير الفعلي هو داخلي لا خارجي (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وهذا يفسّر لنا تأخّر المسلمين وهزائمهم المكرورة لعدم فهمهم السنن. وما منصة رابعة عنكم ببعيد.

عالم الأفكار والأحرار

عالم الأفكار والأحرار:

المفكّر لا يرعي كثير اهتمام بالأشخاص أو بالأحداث بقدر ما يهتم بالأفكار كأسس ناظمة تندرج تحتها الشخوص والأحداث.
ومن هذه الأفكار التي أودّ مشاركتها معكم الآتي:
1- أيّ نظرية في أي حقل معرفي سنجد علماء مؤيدين ومنظّرين لها، وفي المقابل سنجد علماء معارضين، كلا الفريقين من حملة شهادة الدكتوراه، ومن الفريقين من حاز جائزة نوبل.
2- قد ينشط عالم في التنظير لفكرة ثم ما يلبث أن يتراجع عنها ويعمل على نقضها.
3- قد نجد عالمًا مخلصًا لأستاذه أو مدرسته مُددًا من زمن، ثم ينقلب معارضًا.
كل هذه تعتبر ظواهر، وبإمكان أي واحد فينا أن يعطي أمثلة وأسماء وأحداث لأي نقطة من النقاط الثلاث، لكن انتبهوا لا يمكن أن نعدّ أيًّا من هذه الظواهر دليلاً على الصحة أو الخطأ، فلا عبرة للعدد، ولا عبرة عن التراجع أو الاتقلاب، العبرة فقط في البرهان. فكل ما ذكر هو ظواهر لا يحتج بها كبرهان على صحة أو خطأ فكرة ما أو منهج معيّن.
بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

حقيقة التقدير لا نظرية التطور ولا التطوير

- قال بعضهم: التطوّر.
- قال بعضنا (مصطفى محمود وعمرو شريف وعدنان إبراهيم وغيرهم) : التطوير.
- قال الله تعالى: التقدير.
فالخلق كله من الذّرة إلى المجرّة يسير وفق [حقيقة] "التقدير"، لا وفق [نظرية] "التطوّر" أو "التطوير". التي قد تعمل في مجال دون آخر.
قال تعالى: "وخلق كل شيء فقدّره تقديرًا". الفرقان: 2.

بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ