الجمعة، 7 أغسطس 2015

مزالق [التّخيّر] ومدارك [التّدبّر]

مزالق [التّخيّر] ومدارك [التّدبّر]

إن أي كلام حتى يُفهم بالشكل الصحيح لا بدّ من قراءته ضمن سياقه التركيبي، وسياقه الزمني، ثم بعد ذلك ضمن مقصد المخاطَب.
وفيما يتعلق بالقرآن الكريم فإن أي قراءة تدّعي العصْرية أو المحبة والسلام ولا تراعي السياق القرآني ومقاصده فهي قراءة "عضينية".
أن من "يتدبّر" جميع آيات القرآن الكريم ولا "يتخيّر" بعض آياته يدرك تمامًا أن اللفظ ذاته قد تتغير دلالته تبعًا للسياق.
ومن المحاولات أو بالأحرى من مزالق "التّخيّرية":
1- جهود ترى أن هناك تعادل بين "الكون" و"القرآن" بحيث أن الكون هو المعادل الطبيعي للقرآن!! إذ ليس في الكون تطابق وتماثل، بل التنوع والاختلاف والتكامل، وعليه فكل لفظة قرآنية لها قيمتها ووزنها، ولا تتغير دلالاتها وفق سياقها، بل تبقى دلالاتها ثابتة في كل موضع في القرآن!!
وهنا نرى تعطيل لحقيقة أثر السياق منهجيًا، كما أن دعوى التعادل ما بين الكون والقرآن دعوى عريضة، ويكأنهم استقرأوا الكون كله، فوجدوه في كل جزئية لا يتماثل، لكنهم لو استقرأوا المتاح وهو ألفاظ القرآن الكريم لعلموا أن اللفظ قد يتغير وفق السياق. فحجتهم داحضة. وإن كانت الفكرة مغرية.

2- جهود ترى أن اللفظة هي التي تحكم السياق ولا يحكمها السياق، بدعوى "رياضية اللغة القرآنية"، بحيث أن كل لفظ له دلالة واحدة أينما كان، وعليه تكون الدلالات متساوية لعدد الألفاظ!!

3- جهود قامت بنفي الترادف -علمًا بأن الترادف لا يقصد به عند التحقيق التطابق الدلالي للمفردة- ولكن عند الاستقراء نجد بوضوح أن الترادف "الوصفي" موجود وقائم، وهو الألفاظ التي توصف حالة أو شيء معين لكن باعتبارات بحسب السياق أو القصد من الخطاب.
والقاعدة هي: [الزيادة في المبنى تفيد زيادة في المعنى] كما هو معروف، لكنهم سحبوا كل لفظة في القرآن على دلالة واحدة دون مراعاة السياق.
فأكيد لفظ (الله) مختلف عن لفظ (رب)، ولفظ (الرحمن) مختلف عن لفظ (الرحيم) لكنها بحسب السياق تدل على مدلول واحد، كما أن لفظ (رجال) لا يعني دلالةً (رجال) في كل موضع في القرآن، فمرات عديدة يفيد جنس الذكور، ومرة يفيد (المشاة المترجلين) فالسياق هو الحكم.

4- وأخيرًا جهود تقتصر على الألفاظ القرآنية وحدها، على اعتبار أن أي جذر قرآني يفيد دلالة واحدة فقط، فمثلا:
(زنى، وزنوا بالقسطاس، زينة) تفيد كلها (من يزن الأمر لصالح نفسه)!!
و(وأكيد كيدًا، ويكيدون، وأكاد أخفيها) كلها من الجذر (ك ا د) وتفيد (التأكيد والحتمية في الأمر)!!
و(العصى والمعصية وعصاك وعصاني وعصيته وعصوا وعصيتم) كلها من الجذر ( ع ا ص) كلها تفيد الإدراك!!
إن أي محاولة لقراءة القرآن الكريم بمنأى عن السياق، إنما هي قراءة تحيّزية، وممارسة للأغاليط، بالرغم من دعاوى المحبة وإرادة نشر السلام.
مشكلة العقل العربي ينتقل من تطرّف في القراءة "الضيّقة" إلى تطرّف نحو القراءة "الفوضوية". وذلك إما بسبب ردّات الفعل أو غياب المنهج المنسجم.

بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق