الجمعة، 7 أغسطس 2015

معضلة وجود الشر ودور الخالق إزاءها


معضلة وجود الشر ودور الخالق إزاءها
يستحضر البعض مقولة أبيقور التقليدية حول معضلة الشر، فالشر موجود والإله إما أنه يدري أو لا يدري، فإن كان لا يدري فهو إله (جاهل)، وإن كان يدري، فإما أنه قادر لكنه لا يريد منع الشر أو غير قادر، وعليه فيكون الإله في الحالة الأولى (شرّيرًا)، وفي الآخرة (عاجزًا). وفي كل الافتراضات فهو إله إما (جاهل) أو (عاجز) أو (شرّير) لا يستحق أن نؤمن به ونحن نرى العالم يعجّ بصور كثيرة من الظلم والشرور والمعاناة.
لن أدخل في جدلية تحديد مفهوم الشر، بل سأكتفي بالقول إن الشر في عالم الدنيا نسبي لا محض، وبما أن الخالق تعالى وصف نفسه بثنائية ككونه رحيمًا ورؤوفًا، وشديد العقاب وذا انتقام، فإن عالم الوجود ذو طبيعة أيضًا ثنائية، خير وشر، ألم ولذّة. كما أن عالم الآخرة فيه سعادة (الجنة)، وفيه شقاوة (النار).
ولن أدخل في قضية هل الشرور مخلوق؟ أو كون الشرور ذاتية أو عرضية؟ واقعية أم اعتبارية؟ وجودات أم أعدام؟ (أوردها الدكتور عدنان في خطبة له بعنوان الله عاجز أم شرير؟!) ولا قضية الابتلاء، وأن هذا العالم هو مرحلة من مراحل الحياة، وليست آخر المطاف. أو قضية التوازن البيئي والحيوي(أوردها الدكتور عدنان في خطبة له بعنوان الله عاجز أم شرير؟!). وأن الشر يحرّض على إنهاض البشر وتطوير القدرات. وأن عدم وجود المعاناة ينمّي عند الإنسان الطغيان.
ولكني سأدخل من خلال النظام الذي يحكم العالم من قوانين التي لا يختلف عليها عاقلان: "وخلق كل شيء فقدّره تقديرًا". الفرقان:2.
فالألم والمعاناة مسبّباتها اثنان:

سبب داخلي: الشخص نفسه لنفسه، أو قد يسبّبها سببٌ خارجي، شخص لشخص آخر، أو حيوان أو مرض أو بركان أو حادث سير الخ.
السبب الداخلي: يتحمل مسئوليته الإنسان نفسه: "كل نفس بما كسبت رهينة". المدثر: 38.

السبب الخارجي: ويتحمّل مسئوليته الإنسان الواعي. فمثلاً حركة انزلاق سيّارة بسبب عُطل مفاجئ فيها عن مسارها إلى مسار المشاة يحكمها القوانين الفيزيائية، ويحكم المشاة الوعي. فإذا غاب الوعي من الماشي ولم يتحكم بقوانين الفيزياء لحركة السيارة يحصل الحادث، وتتولد المعاناة للسائق وللماشي أو لأحدهما. فالمسبّب الوجودي هو القوانين لا الله تعالى.
ومثل ذلك البراكين والزلازل فهي ظواهر غير عاقلة لا واعية، حينما تثور أو تضطرب لا تميز بين كبير أو صغير أو مؤمن أو ملحد. بل تسير وفق موجات فيزيائية أو قوة دفع معينة، والإنسان الواعي هو المسئول عن تجنب مثل هذه الظواهر.
ومثله أيضًا الأمراض، وهي كائنات دقيقة لها قوانين تحكمها من حيث النشاط والانتشار أو التقوقع، وعلى الإنسان الواعي تجنّب هذه الأمراض، أو أخذ المضادات الحيوية.
مما سبق نلاحظ أن الكون يحكمه قوانين، وعلى الإنسان أن يكتشف هذه القوانين، بحيث يتجنّب أعراضها السلبية، ويسخّر أعراضها الإيجابية، وأن يسلّط قانون على قانون لتحقيق سعادته.
وندرك الآن أن الذي سبّب المعاناة هو ((القوانين ووعي الإنسان الحرّ))، وبهذا نفهم موضوع القضاء والقدر، ويسقط قول من قال إن الله تعالى عاجز أو جاهل أو شرّير تعالى عمّا يقولون. بل إنه عالم كلي العلم، قادر كلي القدرة، وما يريد ظلمًا للعباد.

الطفل واقعيًا هو الشخص اللا واعي وعديم القدرة على الاختيار، وكل إنسان غير واعي أوعديم الاختيار فقوانين الكون ووعي الإنسان السيء (حالة اعتداء المعتدي) يفعل فعله فيه، وهنا يأتي مفهوم (القدر). فالطفل أو أي شخص لا واعي أو عديم الاختيار يكون محل فعل القوانين ووعي المعتدي، وهو شر بالتأكيد، لكن ليس الله تعالى هو المسبب له. بمعنى آخر الطفل أو بشكل عام اللاواعي أو عديم الاختيار الحر هو الحلقة الأضعف في نظام القوانين، لذا سيكون محل فعل القوانين، فإذا أسيء استخدامها فسيكون ضحيتها. لذلك لا علاقة لله تعالى بها ولا هو عاقبهم ولا رضي بذلك، وليس من اختصاصه التدخل لوقف نظام القوانين من أجلهم. بل المسئولية على الناس الواعين الأحرار. وهو مناط التكليف والخلافة في الأرض، لدفع الظلم عن المظلومين ونشر السلام والخير للبشرية جمعاء. فلا محلّ لاعتراض الملحد أو المتسائل بهذا الخصوص، فالقضية مرتهنة بالقوانين والمرء الحر الواعي. 
أثر الدعاء في رفع الشرور

التغيير لا يكون بالدعاء، إنما يكون بفهم وإعمال القوانين والسنن، وهذا جوهر الرسالة الخاتمة، ولما عطّل المسلمون فهم القرآن ورسالته، اقتصروا على الدعاء (التمتمة بكلمات مأثورة)، وحقيقةً فإن الدعاء إنما هو من أجل (التحفيز الذاتي) (حُداء العاملين لا ترانيم الكُسالى)، والتغيير الفعلي هو داخلي لا خارجي (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وهذا يفسّر لنا تأخّر المسلمين وهزائمهم المكرورة لعدم فهمهم السنن. وما منصة رابعة عنكم ببعيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق