السبت، 23 أغسطس 2014

البخاري لا إفراط ولا تفريط (3)


البخاري لا إفراط ولا تفريط (3)
بقلم: إياد محمّد أبو ربيع

يحاول بعض "المثقفين" من باب الحرص على الدين، نفيَ أن يكون كتاب البخاري المتداول اليوم بين أيدي المسلمين والباحثين للكاتب الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (ت: 256هـ).
وإذا رمنا تحقيق هذه المسألة علميًا فإنه ينبغي النظر فيما يلي:

أولاً: الكاتب
وهو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (ت: 256 هـ). ومن ينكر وجوده فهو واهم. ولستُ بحاجة إلى إثبات هويته. وليكن معلومًا إن ما قيل في ترجمة الإمام وسيرته لا يخلو من مبالغات وحكايات لا تصحّ يعرفها الدارسون فضلاً عن "أهل الاختصاص".
ثانيًا: الوثيقة
 وهي محتوى كتاب الإمام البخاري، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الوثيقة الأصلية (النسخة الأمّ).
لا يمكن الجزم بأن ثمّة نسخة بخط يد الإمام البخاري موجودة الآن، وربمّا يكشف عنها قابل الأيام بين طيّات الكتب المطمورة المجهولة. أو أنها فُقِدت وانتهى أمرها.
لذا فالكلام عن الوثيقة الأصلية حاليًا غير وارد، ويبقى الكلام عن "النُّسَخ" التي نُسخت عن كتاب البخاري الأم ونُقلت عنه.
وإذا اعتمدنا قول ابن حجر (ت 852هـ) عن المُستملي (ت: 376هـ): "انتسختُ كتاب البخاري من أصله (نُسخة)، كما عند ابن يوسف (الفربري ت: 320هـ)، فرأيته لم يتمّ بعد، وقد بقيت عليه مواضع مبيّضة كثيرة، منها: تراجم لم يثبت بعدها شيئًا، ومنها: أحاديث لم يترجم عليها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض"[1].
فإذا صحّت هذه الرواية فأمامنا احتمالات بالنسبة لنسخة الفربري:
1-   هي النُّسخة الوحيدة المتبقية وهي غير مكتملة الإعداد والإخراج كما هو ظاهر الرواية.
لكن ترد في كتب التراث روايات تفيد أن البخاري لما صنّف كتابه (الصحيح) عرضه على ابن المديني، وأحمد ابن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا أربعة أحاديث، قال العقيلي: والقول فيها قول البخاري، وهي صحيحة"[2].
وهذه الحكاية في صحتها نظرٌ من ناحية وجود الجهالة في سندها ثم من ناحية وجود عدد من الأحاديث قد ضعفها العقيلي في الضعفاء مع وجودها في ((صحيح)) البخاري.
وإذا قبِلنا بالجزء الأول من الرواية: (عرضه على ابن المديني، وأحمد ابن حنبل، ويحيى بن معين) فهذا يفيدنا في تقدير تاريخ كتابة البخاري لكتابه فإن أولهم وفاةً هو يحيى بن معين (ت: 233هـ)، وعلى فرض أن الكتاب عرض عليه قبل عام من وفاته (232هـ) فهذا يعني أن البخاري كان عمره (38) عامًا، حيث ولد (194هـ)، وحسْب الروايات فقد استغرق في تدوين كتابه (16) عامًا، فيكون عمر البخاري وقت الابتداء بالتدوين (22) عامًا في عام (216هـ).
فمن الممكن جدًّا أن يكون الإمام البخاري قد أنهى كتابه وأخرجه ثمّ أطلعه على علماء مقرّبين منه. وعليه يستبعد الاحتمال الثالث.

  2-         هي نسخة من نُسخ عديدة عن كتاب البخاري الأمّ.
وهذا هو الاحتمال الأقوى، وهذا يعني أن نسخة الفربري لم تكن مكتملة الإخراج، ولكنها في الوقت ذاته هي الأكثر اعتمادًا لدى المحدثين. وليس بين أيدينا وثيقة عنها. سوى نقولات المحدثين.
3- كتاب البخاري الأمّ لم يتم تجهيزه وإعداد إخراجه.
وهذا الاحتمال يستبعد كما بيّنّا.

وعليه فإن هذه النُّسخة لم تكن الوحيدة المتبقية استنتاجًا، كما أنها ليس مكتملة الإعداد من ظاهر الرواية.

المطلب الثاني: محتوى النسخ والروايات
وإذا ظهر لنا العجز عن إثبات الوثيقة الأم، وجب علينا النظر في محتوى
 النسخ التي تمّ نسخها وتناقلها عن الوثيقة الأم.
فإذا استطعنا أن نرجع إلى كتاب صُنّف في الروايات قبل الإمام البخاري، فلا يصحّ التشكيك في محتوى كتاب البخاري. ولنلقَ نظرةً على موطأ الإمام مالك وهو من أقدم الكتب والمصنفات في الروايات والأحاديث.

إن موطأ الإمام مالك (ت: 179 ه) فوفق رواية يحيى الليثي (152 هـ - 234 هـ) وهي الرواية الأشهر فقد فبلغ عدد الروايات (1891) روايةً بترقيم فؤاد عبد الباقي.
لقد روى الإمام البخاري عن الإمام مالك: (644) روايةً. وذكر لبعض هذه الروايات متابعات عن شيوخه، وللبعض الآخر عن شيوخ شيوخه، لذا قد يصبح عدد ما رواه البخاري بهذا الاعتبار أكثر من (668) روايةً. جاءت على النحو الآتي:
(20) روايةً غير واضحة، عن طريق 3 من الرواة. بنسبة: 2.99%.
(44) روايةً شفاهيةً، عن طريق 13 من الرواة. بنسبة: 6.59%.
(604) روايةً كتابيةً، عن طريق 11 من رواة الموطأ، منهم (4) من أصحاب النسخ المشهورة. بنسبة: 90.42%[3].

وهذا يدلّ على أن الروايات التي وردت في كتاب البخاري لها أصل سابق عليها، ولم تُضفْ على كتابه لاحقًا كما يزعم بعض "المثقّفين".
وإلا لكان لازم زعمهم أن كتاب الموطأ أيضًا لا أصل له، فيصل بهم هذا الزعم إلى إنكار القرآن الكريم، إذ لم توجد حتى الآن النسخة الأصلية للقرآن الكريم.
وإذا نظرنا إلى من عاصر الإمام البخاري نجد أعظمهم الإمام مسلم وهو تلميذه (ت:261هـ)، وهو من صنّف أيضًا كتابًا في الأحاديث نراه قد اتفق مع البخاري (المتفق عليه) في (2514) روايةً.
فهل أيضًا كتاب مسلم لا أصل له، ولا يُنسب إليه؟!. رُحماك ربّي رُحماك.

وإذا عُدنا إلى فترة ما بعد الإمام البخاري نجد أن أقدم شرح لـ"صحيح" البخاري هو شرح الإمام الخطَّابي(ت: 288هـ)، المسمى بـ أعلام الحديث، وهو مطبوع الآن في أربعة مجلدات.
ويليه تاريخيًا من كتب الشروح شرح ابن بطّال (ت: 449هـ)، ونقل عنه الحافظ ابن حجر (ت: 852هـ) كثيرًا في كتابه فتح الباري.
كما أن الحافظ أبو بكر الإسماعيلي (ت: 371 ه) له كتاب المستخرج على صحيح البخاري وهو مطبوع الآن.
ومن يتصفّح كتاب الفهرست المشهور لصاحبه النديم (ت: 388هـ) يجد أنه نسب الكتاب للبخاري.
وقد ثبت أيضًا أن ابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ) قد تحصّل على بعض النسخ لبعض الروايات التي أوردها البخاري في كتابه. حيث قام بدراستها وتحقيقها.
فالقارئ الحصيف يوقن بلا ريْب أن محتوى كتاب البخاري له أصل سابق عليه، ومعاصر له، وشارح له فيما بعد، فلا يصحّ إنكار نسبة الكتاب إلى كاتبه الإمام البخاري، ولا إنكار محتواه والزعم بأن أيادٍ خارجية مشبوهة قد صنعت الكتاب لغرض خبيث. فمن ينفي نسبة الكتاب للبخاري فإنه حتمًا ينفي كل التراث ولا يقف عند ذلك بل يصل إلى نفي القرآن الكريم. وإن لم يُظهر هذا. وإلا بقي احتمال أخير وهو الجهل القاتل.
     ومما يجدر بيانه أن النُّسّخ التي نسخت عن كتاب الإمام البخاري الأم المفقود حاليًا؛ هذه النُّسخ لا تخلو من أخطاء وأوهام، لكن هذه الأوهام الحملة فيها على النُّسّاخ فهذه شهادة للإمام أبو علي الجياني (ت: 498هـ) يكتب فيها: "والحمل فيها على نقلة الكتابين عن البخاري ومسلم وأنه قد يندر للإمامين مواضع يسيرة من هذه الأوهام، أو لمن فوقهما من الرواة"[4].
وهذه الأوهام يمكن إجمالها كالآتي:
·      الأوهام والتصحيفات الواقعة لرواة الصحيح في أسانيد الكتاب.
·      الأوهام والتصحيفات الواقعة في متون الروايات.
·      اختلاف الروايات في تعيين أسماء شيوخ البخاري أو الوهم في أسماءهم عند بعض الرواة.
·      اختلاف الروايات في صيغ التَّحمُّل والأداء.
·      اختلاف الروايات في عناوين الكتب والأبواب إثباتًا وحذفًا وتقديمًا وتأخيرًا.
·      اختلاف الروايات في بعض الألفاظ اللغوية.
لذا لا بد من التأكيد على أن كافة طُبْعات ((صحيح البخاري)) ينقصها المزيد من التوثيق، كما ينقصها العناية برواياته المختلفة[5].


أخيرًا... أرجو ممن يعمل على تحقيق التراث أن يتحلّى بالصبر والبحث العميق، فالعلم لا يجامله حُسن النوايا، ولا يناله إلا من أعطاه كلّه.

بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ





[1]  ابن حجر، فتح الباري، ج1، ص8.
[2]  ابن حجر، هدي الساري، ص 489.
[3]  انظر: بخاري، محمد سعيد محمد حسن، موطأ الإمام مالك واعتماد البخاري ومسلم على نسخ مكتوبة منه في الصحيحين، مكة المكرمة: جامعة أم القرى.
[4]  الجياني، تقييد المهمل، ج2، ص565.
[5]  ابن عبيد، محمد بن عبد الكريم، روايات ونسخ الجامع الصحيح للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ص93.

الجمعة، 22 أغسطس 2014

نقد الفكر الديني (1)


نقد الفكر الديني (1)

بقلم إياد محمّد أبو ربيع

حصر فهم النصوص في زمن مُعيّن

 يرى التقليديون أن فهم النصوص الدينية ينبغي أن يكون حصرًا من خلال أقوال السابقين من صحابة وتابعين أو فقهاء ومحدّثين. بل حصر بعضهم الفهم بالثلاثة القرون الأولى. "خيرُ الناسِ قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة قال: ثم يَتَخَلَّفُ من بَعْدِهِم خَلًفٌ تَسْبِقُ شهادةُ أحدهم يمينَه ويمينُه شهادتَه". أخرجه البخاري ومسلم.
وقد استند التقليديون للتأصيل لهذه النظرية إلى أدلة ملخصّها أن الصحابة هم ألصق وأقرب الناس بالوحي، وأعرف الناس باللغة. وقد أجازوا الإتيان باجتهادات جديدة لكن في الأمور المستجدة التي لم تكن من قبل.


الإشكالية الأولى: الخلط بين التقوى والعلم.

يدندن التقليديون حول فكرة أن الصحابة هم أقرب الناس إلى الوحي، فهذا يجعلهم أتقى الناس وأعلمهم، لكن حقيقة القول بأنهم اتقى الناس لا يجعلهم أعلم الناس، فالعلم كما هو معلوم إنما يكون بالتعلّم، وقد وردت روايات تفيد أن مشاهير الصحابة قد كانت تغيب عنهم أشياء وأحكام، ووقع الخطأ من بعضهم في فهم بعض النصوص، فمن علِم من الصحابة حُجة على من لا يعلم منهم، لذا فالصحابة أنفسهم على درجات في العلم.
ثم إن الصحابة أنفسهم قد اختلفوا في مسائل كثيرة بعد التحاق الرسول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى الرفيق الأعلى وفي حياته أيضًا بعض هذه الاختلافات تعتبر من باب التنوّع وبعضها يُصنّف على أنه اختلاف تضاد خصوصًا فيما يتعلق في تحديد الأزمنة أو الأمكنة لحوادث معينة، وقد كانت الاختلافات في الأحكام وأيضًا في مسائل الاعتقاد وإن كانت الأخيرة قليلة.
لذا فإننا نجد في المسألة الواحدة أكثر من قول سواء المنسوبة إلى الصحابة أو التابعين، وبعد ذلك نرى المذاهب الإسلامية على تعددها تنسب أصول أدلتها إلى أقوال بعض أهل البيت أو الصحابة أو التابعين أو روايات تنسبها إلى الرسول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم.
وبعد أن ظهرت المذاهب والفِرق،  ساد القول لدى معظم العلماء [اختلاف الأمة رحمة] وهو أثر لا يثبت، فأي مذهب يُتبع فلا بأس. وكانت الإشكالية هي أن الاختلافات بين المذاهب التي تأسست على الروايات في غالبها متعارضة ومتشاكسة، وهي في النهاية تُنسب إلى دين الله تعالى الذي لو كان من عند غيره لوُجد اختلافًا كثيرًا.
والناس بعد ذلك بين متبع لمذهب إما تقليدًا أو بعد دراسة وبحث وتنقيح، أو شرطًا لقبوله كمُدرس أو زوجًا لابنة صاحب مذهب آخر، أو ربما إكراهًا أو خوفًا، وبعض الناس من يبحث عن الحكم الأسهل وبعضهم على النقيض يبحث عن الأشد، وبعضهم يأخذ بالمشهور، وبعضهم يبحث عن المهجور أو الشاذ من الأقوال.
لذلك فقد قام بعض التقليديين للتصدي لهذه الإشكالية، فأسسوا مدرسة الإسناد، وخففوا تلك الاختلافات إلى عدد أقل وفق ترجيح الأقوال من خلال علم الرجال، والحق يقال إن هذه المدرسة شكّلت منهجًا مميزًا حيث ساهمت في تقليل الخلافات، إلا أن الإشكالية ما زالت قائمة لكن من باب آخر.
فمدرسة الإسناد (أهل الحديث) وإن حلّوا إشكال الاختلافات المتناقضة بين المذاهب، إلا أنهم دخلوا في إشكالية جديدة وهي الاعتماد على الرجال، وهم أيضًا متشاكسون ومتناقضون، فهم لم يزيدوا على أن قللّوا الاختلافات عددًا لا منهجًا، لذا فإذا رُمنا علاجًا لتكلم الإشكالية كان لزامًا علينا أن نجعل القرآن الكريم هو الحاكم على أي رواية أو أثر، وإن كان هناك أكثر من رأي في مسألة ماـ ولفظ القرآن الكريم يحمل ذلك من غير أن يتعارض مع آيات أخرى، فليكن هذا التنوع في الفهم فهو مقبول.

الإشكالية الثانية: حصر الخيرية في زمان معين.
تشكّل هذه الإشكالية أساسًا عند التقليديين فعندهم لا خير لشباب وشابات الأمة إلا بما كان عليه المسلمون في الثلاثة القرون الأولى، ويوهمون المخاطبين بأن الناس كانوا في تلك الفترة على أفضل صورة، والحقيقة أن رواية (خير الناس قرني والذين يلونهم..) تُنبئ عن الذهنية السائدة آنذاك وهي توقّع قُرب قيامة الساعة، وعلامتها الصغرى ومنها تفشي الجهل وظهور البدع وموت العلماء بانتزاعهم. فالخير سيتلاشى وسيقلّ مع الأيام، والحقيقة أن القرآن الكريم وهو القول الفصل قد ربط الخيرية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله تعالى: "كنتم خير أُمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله". آل عمران: 110. فالحديث علّق الخيرية على "الأعمال" لا على الأقوال ولا على الرجال حيث ورد فيها: "ثم يَتَخَلَّفُ من بَعْدِهِم خَلًفٌ تَسْبِقُ شهادةُ أحدهم يمينَه ويمينُه شهادتَه" فالخيرية كذلك في القرآن الكريم غير مرتبطة لا بمكان ولا بزمان. بل مرهونة بالعمل والإيمان.

الإشكالية الثالثة: الفهم المخالف لما فهمه السلف من النص يَنسب الأمة إلى الجهل والخطأ في القرون المفضَّلة.

يخوّف التقليديون المخاطبين بأن الفهوم الجديدة لأحكام الإسلام أو لتفسير القرآن الكريم ستحكم على سلف الأمة بالجهل..وهذا التخوّف والتخويف غير مقبول طالما أن الفهم الجديد يتبع منهجًا صارمًا، فالاستنباطات الجديدة وإن خالفت الفهوم السابقة فلا يعني ذلك أن السلف غير قادرين على تلك الاستنباطات، بل إنهم لم يستخدموها في بعض المسائل، لذا نرى بعض العلماء فيما بعد الثلاثة القرون تفردوا باستنباطات كابن تيمية (ت:728هـ)، ومع ذلك نرى التقليديون يُبجلونهم ولا يقولون ببدعتهم وذلك لأسباب يعرفها المختصون. وإن كانت بعض الفهوم الجديدة فعلاً مخالفة للسلف كونها على غير منهج صارم فهي مرفوضة لا لأنها جديدة، بل لفقدانها المنهج الصارم..وهذا المنهج باختصار هو حصر النصوص المعتمدة وكيفية فهمها.

أولاً: القرآن الكريم وكتاب محفوظ ويتم فهمه من خلال لغة العرب، ورد آياته إلى الآيات ذات الموضوع الواحد.
ثانيًا: النقولات والروايات لا بد من فهم دلالتها وفق اللغة العربية، وردّ الروايات إلى المماثلة ذات الموضوع الواحد، وبعد ذلك عرضها على القرآن الكريم. فإما أن تتوافق وتنسجم معه، وإما تناقضه وتعارضه.
ثالثًا: أقوال أهل البيت أو الصحابة والتابعين فتعرض على القرآن الكريم. فالقرآن الكريم في المحصّلة هو الحاكم وهو القول الفصل على أي رواية. وهذا لا يعني الاقتصار على القرآن الكريم وحصر فهم الدين من خلاله.
وأخيرًا فإن جُلّ الجماعات والأحزاب المسلمة وحتى المفكرين من المسلمين يقولون بضرورة الحكم بكتاب والسُنّة بفهم سلف الأمة، والحقيقة أن هذا الشعار لا بد من إعادة صياغته من جديد ليُصبح كالآتي:
[الاحتكام إلى كتاب ربّ العالمين وأحاديث النبي الأمين بفهم العلماء الربانيين].

فهؤلاء العلماء الربانيون متوفرون في كل زمان ومكان، فلا يخلو زمان من عالم حُجة على الناس. 

الأربعاء، 20 أغسطس 2014

مغالطة مقارنة تراث المسلمين بتراث اليهود والمسيحيين

مغالطة مقارنة تراث المسلمين بتراث اليهود والمسيحيين


يحاول بعض المثقفين المسلمين في الآونة الأخيرة في سعيهم لتحقيق تراث المسلمين الالتجاء إلى نظرية [المؤامرة] التي تفترض موجود مؤسسة مجهولة سرّيّة قامت بتشويه الإسلام وتزييفه.

ويقرّرون هذه الفرْضية من خلال عقد مقابلة ما جرى في التراث المسيحي بما حدث لتراث المسلمين وهذا الفرْض برأيي فيه مغالطات، والسبب الرئيس أن أصل دعوة المسلمين محفوظ على نسقٍ واحدٍ وهو القرآن الكريم، أما بخصوص النصارى فالإنجيل لم يحفظ والنبي الرسول عيسى (ع)  اضطُهد ولم يستقر له حال، وأتباعه من بعد مطاردون، كما أنّ تدوين تعاليمه تأخّر، ودخلته الأساطير والمبالغات، وثمة شيء مهم وهو الترجمات، ومعلوم أثر الترجمة في تغيير دلالات الألفاظ.
أما في الإسلام فقد أتى القرآن الكريم على بعض قصص وأحداث التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب، لكن بعد غربلة وتمحيص، ولم يخضع القرآن للترجمات، كما أن الرسول النبي (ص) مُكّن له واستقر له الحال، وأصبح أتباعه دعاةً أحرارًا ذوي قوة ونفوذ.

لكن ما حصل في تراث المسلمين هو شرح آيات القرآن بالاعتماد على الإسرائيليات دونما تمحيص، وأحدثوا قواعد علوم القرآن مثل الناسخ والمنسوخ بالمعنى المتأخّر، واعتمدوا على الروايات المنسوبة إلى الرسول (ص) دونما أن يكون القرآن هو المهيمن عليها، فدخلت الخرافات والإساءات والمغالطات والبالغات والسخافات. بالرغم من وجود علماء حاولوا صيانة الرواية وحمايتها عن كل ضعف ودخَل، إلا أنها جهود بشر، يصيبون ويخطئون، لكن فاتهم أن يكون معيارهم القرآن لا تقديس الرجال.

لذا لا يمكن بحال من الأحوال سحب تراث المسلمين من حيث تاريخانيته والمكيانزيمات التي مرّ بها إلى تراث أهل الكتاب، فالمفارقة بعيدة جدًا.
وعلى كل حريص على تراث المسلمين أن يسلك منهجًا مطردًا يقوم على أساس القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل، وبهذا يخلّص التراثُ من نقائصه وشوائبه، ويتخلّص المسلمونَ من تصرفات داعش ومصائبه.


بوركتم جميعًا

ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

الأحد، 17 أغسطس 2014

الفؤاد في القرآن الكريم


الفؤاد في القرآن الكريم 

من الكلمات الواردة في القرآن الكريم "الفؤاد" وقد ورد جذر (فئد) (12) كلمة على مجموع (16) وهي كالآتي:

 أَفْئِدَةً (1)، أَفْئِدَةُ (1)، أَفْئِدَتَهُم (1)، أَفْئِدَتُهُم (1)، الأَفْئِدَةِ (1)، الْفُؤَادُ (1)، فُؤَادَكَ (2)، فُؤَادُ (1)، وَأَفْئِدَةً (1)، وَأَفْئِدَتُهُم (1)، وَالأَفْئِدَةَ (4)، وَالْفُؤَادَ (1).

ويمكن تقسيم الآيات إلى مجموعات كالآتي:

* الفؤاد ميزة أُعطيها الإنسان، وهي آلية عند الإنسان كالسمع والبصر.
قال تعالى:
- "ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّ‌وحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ‌ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُ‌ونَ". السجدة: 9.
- "وَاللَّـهُ أَخْرَ‌جَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ‌ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُ‌ونَ". النحل: 78.
- "وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ‌ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُ‌ونَ". المؤمنون: 78.
- "قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ‌ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُ‌ونَ". الملك: 23.
-" وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَ‌هُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّ‌ةٍ وَنَذَرُ‌هُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ". الأنعام: 110.

* الفؤاد قد لا يستثمره البعض تعنّتًا وجحودًا.
قال تعالى:
"وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارً‌ا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُ‌هُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ".الأحقاف: 26.

*الفؤاد مسئول عنه الإنسان:
قال تعالى:
"وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ‌ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا". الإسراء: 36.

* الفؤاد محل الرؤية:
قال تعالى: "مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَ‌أَىٰ". النجم: 11.

* الفؤاد بحاجة إلى تثبيت والقلب إلى ربط:
 "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْ‌آنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَ‌تَّلْنَاهُ تَرْ‌تِيلًا". الفرقان: 32.
" وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّ‌سُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَـٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَ‌ىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ". هود: 120.

*فؤاد أهل النار هواء (فارغ):
قال تعالى: "مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُ‌ءُوسِهِمْ لَا يَرْ‌تَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْ‌فُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ". إبراهيم: 43.

* الفؤاد يميل ويهوي:
قال تعالى:
- "وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَ‌ةِ وَلِيَرْ‌ضَوْهُ وَلِيَقْتَرِ‌فُوا مَا هُم مُّقْتَرِ‌فُونَ". الأنعام: 113.
- "رَّ‌بَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّ‌يَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ‌ ذِي زَرْ‌عٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّ‌مِ رَ‌بَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْ‌زُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَ‌اتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُ‌ونَ. إبراهيم: 37.

*الفؤاد هو محلّ اطلاع النار.
قال تعالى:
- "الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ". الهمزة: 7.

* الفؤاد يفرغ:
قال تعالى:
"وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِ‌غًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّ‌بَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ". القصص: 10.

كما أن [فؤاد] أمّ موسى والفؤاد هو مجمّع الوعي والأحاسيس، كاد أن يكون فارغًا كالكأس، إذ كادت أن تفقد الثقة بوعد الله تعالى، فلو فرغ فؤادها لانخلع من مكانه، وفقدت صوابها، لكنّ الله تعالى من رحمته تعالى بها (ربط) على [قلبها]، لتكون من المؤمنين.

لذا فالفؤاد هو الميزة التي حباها الخالق تعالى للإنسان، وهو آلية داخل [القلب]، إذ الإنسان بحسب القرآن الكريم تتعدد فيه طبقات الإدراك إذ جعلها على النحو الآتي:
[الصدر] ==> [القلب] ==> [الفؤاد] ==> [اللّب].

فالفؤاد هو موضع المسائلة يوم الحساب، فهو بهذا مستقر الأعمال (القولية والفعلية) ومصدر النيّات، ومحطّ الرؤية (مرحلة إدراك عليا)، وهو كالكأس يفرغ ويميل ويهوي، لذا فهو بحاجة إلى تثبيت.
وحديثًا قام المختصون برسم تقريبي للـ(قدرات العاطفية)
Emotional Capacity، على شكل كأس يفرغ ويمتلئ، لكن قمتُ ببعض التعديلات وفق الضابط القرآني.













بوركتم جميعًا

ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

ملحوظات عن القلب والصدر

القلب
القلب يطمئن ويوجل، يؤمن، يكسب، يأثم، يفقه، يأبى، يرتاب، تقطّع، تُصرف، ينكر، يغفل، يتعمّد، يسلم (سليم)، يلين، يشمأز، ينيب (منيب)، يخشع، يزيغ، يضيغ، يوجف،
يختم، يمرض، يقسو، تغلّف، تشرّب، ينزل القرآن على القلب، يلقى الرعب في القلوب، قذف الرعب في القلوب، أكنة، يطبع عليه، يربط عليه،
تشابه القلوب، تآلف القلوب، القلوب الشتى،
غيظ،

تمحيص ما في القلوب،يقول ما ليس في القلوب، يشهد على ما في قلبه، حسرة في القلب، التشديد على القلوب، الإسلاك في قلوب،
الحيلولة دون المرء وقلبه، نفاق في القلوب، يبلغ القلب الحنجرة، أطهر لقلب، التفزيع عن القلب، أقفال على القلب، السكينة على القلوب، التزيين في القلوب، حمية القلوب، امتحان القلوب، دخول الإيمان في القلب، الرأفة في القلوب، غل القلب (الصدور)،  هداية الله القلب، الران على القلب

الصدر
الصدر: يخفي، ابتلاء ما في الصدور، حصر القلوب، يشرح، يضيق، يحرج، نزع ما الصدر من غل (قلب)، يشف صدور، شفاء لما في الصدور، يثني، يكبر في الصدر، تكنّ، تعلن، القرآن في صدور، كبر في الصدور، حاجة في الصدر (نفس يعقوب)، رهبة في صدور، تحصيلما في الصدور، يوسوس في صدور.
تقلب الأفئدة في الدنيا، وقلب الأبصار يوم القيامة

عالم الخلق وعالم القوانين





قال تعالى: "إِنَّ رَ‌بَّكُمُ اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْ‌شِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ‌ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ‌ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَ‌اتٍ بِأَمْرِ‌هِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَ‌كَ اللَّـهُ رَ‌بُّ الْعَالَمِينَ". الأعراف: 54.
ورد في الآية الكريمة عالَمان:
1-         عالم الخلق.
2-         عالم الأمر.
والمتأمل في الآية الكريمة يرى أنها أتتْ في سياق الكلام عن خلق (خلق السماوات والأرض)، ثم الكلام عن السُّنن والقوانين (المُسخّرات بأمره). لذا فليس في الآية الكريمة أي كلام عن (عالم الأمر) الذي يحاول البعض إدخاله في الآية للتدليل على أن "الروح" من عالم الأمر.

فالآية تتحدث عن عالم (المخلوقات) وعالم (السُّنن والقوانين).
وعند التأمل في القرآن الكريم نجد أن مركّب "من أمري" "من أمر الله". "من الأمر"
ورد كالآتي:
[من أمر الله]
-     "قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ‌ اللَّـهِ رَ‌حْمَتُ اللَّـهِ وَبَرَ‌كَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ". هود: 73.
وهنا الكلام عن امرأة إبراهيم (ع) حيث تعجّبت من تبشيرها بغلام بالرغم من كبر سنّها وسنّ بعْلها. لكن لا عجب من [أمر الله].
-     "قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ‌ اللَّـهِ إِلَّا مَن رَّ‌حِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَ‌قِينَ". هود: 43.
وهنا الكلام عن ابن نوح (ع) إذ خاطبه والده أن لا عاصم من [أمر الله] وهو الحكم بإغراق الظالمين: "وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَ‌قُونَ". هود: 37، المؤمنون: 27.
-     "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ‌ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ‌ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُ‌وا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَ‌ادَ اللَّـهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَ‌دَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ". الرعد: 11.
وهنا الكلام عن الملائكة التي تحفظ العبد المؤمن من [أمر الله].

[من أمره]
-     "يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّ‌وحِ مِنْ أَمْرِ‌هِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُ‌وا أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ". النحل: 2.
والكلام هنا عن تنزّل الملائكة بالوحي [من أمر الله]، ونظيره قوله تعالى: "وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ‌ رَ‌بِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ وَمَا كَانَ رَ‌بُّكَ نَسِيًّا". مريم: 64.
-     "رَ‌فِيعُ الدَّرَ‌جَاتِ ذُو الْعَرْ‌شِ يُلْقِي الرُّ‌وحَ مِنْ أَمْرِ‌هِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ‌ يَوْمَ التَّلَاقِ". غافر: 15.

[من أمر ربي]
"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّ‌وحِ قُلِ الرُّ‌وحُ مِنْ أَمْرِ‌ رَ‌بِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا". الإسراء: 85.
والروح هنا هو المَلَك، وقد عبّر عنه بالروح من باب المجاورة.

[من أمرنا]
"وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُ‌وحًا مِّنْ أَمْرِ‌نَا مَا كُنتَ تَدْرِ‌ي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورً‌ا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَ‌اطٍ مُّسْتَقِيمٍ".الشورى: 52.
والمقصود هنا هو الوحي (القرآن الكريم) إذ هو [من أمر الله].

[من الأمر]

- "وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ‌ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَ‌بَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون". الجاثية: 17.
- "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِ‌يعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ‌ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ". الجاثية: 18.
والكلام هنا عن الوحي (القرآن الكريم) فهو [من الأمر]  المحلّى بالألف واللام للدلالة على العهد إذ هو [من أمر الله].
فالقرآن الكريم يتنزل به الملائكة والروح من بين سبع سماوات وسبع أراضين.  
-     "اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْ‌ضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ‌ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‌ وَأَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا". الطلاق: 12.
ففيما يخصّ المخلوق:
-     "وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِ‌هِ يُسْرً‌ا". الطلاق: 4.
- "وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِ‌نَا يُسْرً‌ا". الكهف: 88.
- "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَ‌سُولُهُ أَمْرً‌ا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَ‌ةُ مِنْ أَمْرِ‌هِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا". الأحزاب: 36.
لذا نجد أن (أمر الله) تعالى بكل التصريفات [من أمر الله] [من أمره] [من أمر ربي]  [من أمرنا] [من الأمر]. المتعلقة بالكلام عن (الروح) لا علاقة لها بالروح الدارجة، بل السياق يشير إلى (الملَك، الوحي، القرآن الكريم). 


يؤكّد القرآن الكريم فضلاً علم البيولوجيا الدقيقة أن خلايا الجسد تمارس عملياتها الحيوية طالما وُجدت (النفْس)، بل إن بعضها يبقى يمارسها بعد خروج (النفس) من الجسد. فالقرآن الكريم قسّم الأجساد من حيث النوعية إلى صنفيْن. 
الأول: الأحياء وهم:
1-         أصحاب الأجساد الواعية المنضبطة المنسجمة (في عالم الشهادة).
2-          والشهداء في عالم الغيب (أحياء عند ربهم) بالرغم من موت الجسد.
الثاني: الأموات وهم:
1-          أصحاب الأجساد غير الواعية وغير المنسجمة (في عالم الشهادة) بالرغم من وجود (النفس) بين جنباتهم.
2-           الأموات التي فارقتها (النفس) وذهبت إلى (عالم الغيب).

ويوضح هذا كله قوله تعالى: "أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورً‌ا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِ‌جٍ مِّنْهَا كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِ‌ينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ". الأنعام: 122.
فالميت هنا (حيّ دونما انسجام) أصبح حيًّا (منسجمًا).
"وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ‌ أَحْيَاءٍ  وَمَا يَشْعُرُ‌ونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ". النحل: 20-21.

وهنا الأموات (أحياء لكن دونما انسجام).

بوركتم جميعًا