الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

كتاب البخاري لا إفراط ولا تفريط (2)


كتاب البخاري لا إفراط ولا تفريط (2)

   استكمالاً لما قد طرحته سابقًا حول كتاب البخاري، وكما ترون فإني لا أُسمّيه "صحيح" البخاري، إذ الصحّة نسبيّة ومعيارية، وتأبى الصحّة الكاملة أن تكون إلا لكتاب الله تعالى. قال تعالى: "لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ". فصلت: 42.

   إن ما رصده البخاري من روايات واعتبرها صحيحةً، إنما كانت وفق معيار الإسناد، لا معيار نقد المتون، ولا مقابلة الرواية وعرضها على القرآن الكريم. ويمكن القول إن صحّة الإسناد ليست هي الضابط الوحيد في إثبات صحّة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. بل غاية ما فعله البخاري –رحمه الله تعالى- هو رصد الروايات بعد تحرّي طرقها وتحقيقها والأخذ بأصحّها. وهذا لا يعني أنها الأصحّ مطلقًا.

     فإذا ثبت لنا أن الصحّة المطلقة إنما هي حصرًا للقرآن الكريم، فإن ما فعله الإمام البخاري –رحمه الله تعالى- هو نصف الطريق، وما علينا إلا تحقيق رواياته بعرضها على القرآن الكريم، لكن العلماء صبّوا جهودهم إما في انتقادات روايات البخاري من حيث الإسناد، أو في شرح روايات البخاري وبيان غرائب ألفاظها.
     وثمة أمرٌ آخر لا بدّ من تأكيده وهو أن ليس كل ما خرج من فِي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وحيٌ يُوحى، وبيان هذا وافر في كتب أصول الفقه.
     وعند التأمل في منهجية الرسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فهم القرآن الكريم ذاتِه، فقد كان يربط الآية بما يناظرها من آية أو آيات، فإذا كان القرآن يشهد بعضُه لبعض، فالأولى أن يشهد القرآن للروايات، ليتم قبولها. وعليه يمكن القول إن ما شهِد له القرآن الكريم وصدّقه فهو صحيح مقبول علمًا وعملاً. وقد ثبت أن عائشة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما قد سلكا هذا المسلك مبكرًا. لكن لم يواصل العلماء هذا المسلك إلا قليلاً، إذ قد كانت انتقاداتهم منصبةً على الأسانيد وعلم الرجال كما أسلفنا.


أخيرًا فإن متن الرواية الذي رصده الإمام البخاري –رحمه الله تعالى- لا يصحّ إلا بعد أن يُوافقَ أو يُطابقَ القرآن الكريم، ثم يُنظر بعد ذلك هل هذه الرواية الصحيحة أمر حتمٍ أو ندبٍ، أمر عامٍّ أو خاصٍّ.

بوركتم جميعًا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق