قال تعالى: "إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّـهُ الَّذِي
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى
الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ
وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ". الأعراف: 54.
ورد في الآية الكريمة عالَمان:
1-
عالم
الخلق.
2-
عالم
الأمر.
والمتأمل في الآية الكريمة يرى أنها أتتْ في سياق
الكلام عن خلق (خلق السماوات والأرض)، ثم الكلام عن السُّنن والقوانين (المُسخّرات
بأمره). لذا فليس في الآية الكريمة أي كلام عن (عالم الأمر) الذي يحاول البعض إدخاله في الآية للتدليل على أن "الروح" من عالم الأمر.
فالآية تتحدث عن عالم (المخلوقات) وعالم (السُّنن
والقوانين).
وعند التأمل في القرآن الكريم نجد أن مركّب "من
أمري" "من أمر الله". "من الأمر"
ورد كالآتي:
[من أمر الله]
- "قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ
أَمْرِ اللَّـهِ رَحْمَتُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ
إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ". هود: 73.
وهنا الكلام عن امرأة إبراهيم (ع) حيث تعجّبت من تبشيرها
بغلام بالرغم من كبر سنّها وسنّ بعْلها. لكن لا عجب من [أمر الله].
- "قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ
يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ
إِلَّا مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ".
هود: 43.
وهنا الكلام عن ابن نوح (ع) إذ خاطبه والده أن لا
عاصم من [أمر الله] وهو الحكم بإغراق الظالمين: "وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي
الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ". هود: 37، المؤمنون: 27.
- "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ
يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ لَا
يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ
اللَّـهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن
وَالٍ". الرعد: 11.
وهنا الكلام عن الملائكة التي تحفظ العبد المؤمن من
[أمر الله].
[من أمره]
- "يُنَزِّلُ
الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ". النحل: 2.
والكلام هنا عن تنزّل الملائكة بالوحي [من أمر
الله]، ونظيره قوله تعالى: "وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ
لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ
نَسِيًّا". مريم: 64.
- "رَفِيعُ
الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ". غافر: 15.
[من أمر ربي]
"وَيَسْأَلُونَكَ
عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ
الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا". الإسراء: 85.
والروح هنا هو المَلَك، وقد عبّر عنه بالروح من باب
المجاورة.
[من أمرنا]
"وَكَذَٰلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ
وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ
عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ".الشورى: 52.
والمقصود هنا هو الوحي (القرآن الكريم) إذ هو [من
أمر الله].
[من الأمر]
- "وَآتَيْنَاهُم
بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ
الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون". الجاثية: 17.
- "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ
الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ". الجاثية: 18.
والكلام هنا عن الوحي (القرآن الكريم) فهو [من
الأمر] المحلّى بالألف واللام للدلالة على العهد إذ هو [من أمر الله].
فالقرآن الكريم يتنزل به الملائكة والروح من بين سبع
سماوات وسبع أراضين.
- "اللَّـهُ
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ
الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
وَأَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا". الطلاق: 12.
ففيما يخصّ المخلوق:
- "وَمَن
يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا". الطلاق: 4.
- "وَأَمَّا
مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ
أَمْرِنَا يُسْرًا". الكهف: 88.
- "وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا
أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا". الأحزاب: 36.
لذا نجد أن (أمر الله) تعالى بكل التصريفات [من أمر
الله] [من أمره] [من أمر ربي] [من أمرنا] [من الأمر]. المتعلقة بالكلام عن
(الروح) لا علاقة لها بالروح الدارجة، بل السياق يشير إلى (الملَك، الوحي، القرآن
الكريم).
يؤكّد القرآن الكريم فضلاً علم البيولوجيا الدقيقة
أن خلايا الجسد تمارس عملياتها الحيوية طالما وُجدت (النفْس)، بل إن بعضها يبقى
يمارسها بعد خروج (النفس) من الجسد. فالقرآن الكريم قسّم الأجساد من حيث النوعية
إلى صنفيْن.
الأول: الأحياء وهم:
1-
أصحاب
الأجساد الواعية المنضبطة المنسجمة (في عالم الشهادة).
2-
والشهداء في عالم الغيب
(أحياء عند ربهم) بالرغم من موت الجسد.
الثاني: الأموات وهم:
1-
أصحاب
الأجساد غير الواعية وغير المنسجمة (في عالم الشهادة) بالرغم من وجود (النفس) بين
جنباتهم.
2-
الأموات التي فارقتها (النفس) وذهبت إلى (عالم
الغيب).
ويوضح هذا كله قوله تعالى: "أَوَمَن كَانَ
مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ
كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَٰلِكَ زُيِّنَ
لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ". الأنعام: 122.
فالميت هنا (حيّ دونما انسجام) أصبح حيًّا (منسجمًا).
"وَالَّذِينَ
يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ *
أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا
يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ". النحل: 20-21.
وهنا الأموات (أحياء لكن دونما انسجام).
بوركتم جميعًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق