مقدمة
كثُر في هذا الوقت
بالتزامن مع العُدوان الصهيوني على إخواننا وأهلنا في غزّة، الحديث عن قرُب زوال
"دولة إسرئيل"، والحقيقة أن زوال الظلم والظالمين أيًّا كانوا وأينما
وجدوا حتميٌّ، وهذا من السنُن الاجتماعية التي لا تتخلف، فإن الظلم لا يدوم بل هو إلى
زوال.
وقد شهدتْ أحداثُ
العدوان على غزة رمضان 2014 موجات من الضربات القاسية الظالمة، إزاء صمتٍ عربي
وإسلامي ودولي مُخجل خلا بعض الومضات على حياء أو على ضعف، وفي الوقت نفسه أثبتت
المقاومة قدرتها على ردع العدوان الصهيوني وبعثرة أوراقه.
أما على صعيد المثقفين
والدعاة، فقد بدتَ كلمات الشجب تارةً، وكلمات التصبير وطلب الثبات لأهل غزّة
والدعاء لهم تارةً أخرى، أو جمع التبرعات العيْنية والمادية لهم. لكن مما نشطَ بعد
زمان، هو التنبؤ بزوال "دولة إسرائيل" وتحديد هذا الزمن بعام 2022. معتمدين
بزعمهم هذا على أقوال صنّاع السياسة الغربيين، أو على آثار الحاخامات اليهودية،
وبعضهم على تحليل آيات القرآن الكريم بناء على حساب الجُمّل، وإحصاء بعض كلمات
وآيات القرآن الكريم.
وفي هذا البحث أحاول
بيان مدى مصداقية هذا الزعم، والنظر في منهجية القائلين بهذا الرأي، وأهمها كتاب
بسّام جرار، بعنوان: "زوال دولة إسرائيل 2022 نبوءة أم صدف رقمية".
وأسأل الله تعالى أن يُعجّل بالفرج وأن يُلهمنا العمل الصالح.
"يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ
أَقْدَامَكُمْ". محمد: 7.
"إِنَّ
اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا
بِأَنفُسِهِمْ". الرعد: 11.
إياد
محمّد أبو ربيع
طولكرم-
فلسطين
13-8-2014
في زمن الاضطهاد
والمعاناة، والقهر وقلّة ذات اليد، يلجأ الإنسان إلى الاستسلام، أو التفاؤل ومدّ
خطوط الأمل، والمسلم في هذه الحالة يُدافع ويأخذ بالأسباب، ويبقى أملُه يسبقُه
عملُه، فما بين العمل وفق المستطاع، وبين
الأمل تتحقق الأماني والوعود.
وقد جعل
الله تعالى في كتابه الكريم، سُننًا لا تتخلف منها أن الظلم إلى زوال ولو بعد حين،
وأنّ الله تعالى يبتلي المؤمنين، من نقصٍ من أنفس وأموال وثمرات وأرضٍ، ويتخذ منهم
شهداء، ويمحصّ الصفوف، ويميزَ الخبيثَ من الطيّب، ويبلوَ المؤمنين فيما آتاهم.
لكنه
أيضًا سجّل في كتابه قصص الظالمين الماضية وبيّن عواقبهم، ولم يقتصر على هذا بل
بشّر المؤمنين بأخبار مستقبلية ترفع من هممهم وتعزّز إيمانهم، ولا تدعوهم إلى الكسل
أو التقاعس. وأكّد على أن التغيير إلى الأفضل لا يكون إلا بالعمل على التغيير
الذاتي، فإن نصرَ الله تعالى إنما يكون بعد أن يَنصر المؤمنُ اللهَ تعالى ورسوله
والمؤمنين، وأن ينصحَ لهم، وأن يأخذ بالأسباب وفهم السُّنن.
وإن كان
القرآن الكريم يُبشّر بالمستقبليات إلا أنه لا يُحدّد زمانًا تحديدًا مُضيّقًا، بل
تحديدًا مُوسعًا. فإذا تدبّرنا كتابَ الله تعالى نجد قوله تعالى: "غُلِبَتِ
الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ*
فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن
بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ". الروم: 2-4.
عند التأمل في هذه
الآية الكريمة نجد أن
التصريح بنصرِ وغلبةِ الروم بعد الهزيمة سيكون في المستقبل، لكن الله تعالى لم
يحدّد زمانه تحديدًا دقيقًا بل جعله تحديدًا مُوسّعًا حيث قال: "فِي بِضْعِ
سِنِينَ". والبِضْع تعرفه العرب. وهذا يُبيّن لنا منهج القرآن الكريم في
التنبؤ بالمستقبليات، فإنه لا يُحدد للأحداث أزمانًا مُقيّدة.
ومما نجده قولَه تعالى: "لَّقَدْ صَدَقَ
اللَّـهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ
إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا
تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا".
الفتح: 27.
وفي هي الآية بشارة
للمؤمنين بدخول المسجد الحرام، لكنهم فوجئوا بصدّ أهل مكةّ لهم ومنعهم من الدخول،
فبالرغم من البشارة إلا أنها لم تتحقق في ذات السنة، بل كانت في العام الذي يليه.
ثم إن الآية لم تذكر أيّ إشارة إلى زمان محدد مُضيّق. بل هي بشارة عامّة.
وفي صدد نقدي لكتاب
"زوال دولة إسرائيل 2022م" فقد
ابتدأ الباحث –جزاه الله خيرًا- بتقرير قضيةٍ مهمّةٍ وهي أنّ الله تعالى قد شاء أن
يطلع عباده الغيب لحكمة يريدها، لتكون دليلاً على أنّ علم الله تعالى كامل، فيدرك
الناسُ بعض أسرار القدر[1]. وأكّد
الباحث على أن المبشرّات ليست مدعاة للكسل أو التقاعس، وقد تساءل الباحث هل جلس
سراقةُ في بيته حتى يأتيه سوارَا كسرى؟
فأقول إن رواية تبشير
سراقة بسواريْ كسرى بالرغم من شهرتها فإنها
لا تصحّ إسنادًا فهي من مراسيل الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو من أضعف المراسيل[2].
لكن مطاردة سُراقة للرسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت الهجرة ثابتة.
اعتمد الباحث على
تأريخ الإسراء والمعراج قبل الهجرة بسنة[3]،
وكان هذا التأريخ من الأسس التي بناها عليها فرْضيته. لكن التحقيق في هذه المسألة يفيد
أوّلاً: أنّ الحادثيتيْن منفصلتان، فالمعراج أولاً كان بعد البعثة بـ (5) أعوام،
أما الإسراء فقد كان قبل الهجرة (1-3) عام
على خلاف بين العلماء. ثانيًا: وهو
الأهمّ أن ليس من دليل على إثبات سنة محدّدة بذاتها لوقت الإسراء.
آراء العلماء في تحديد زمن حادثة الإسراء[4]:
ولمّا
كان القرآن الكريم يتحدّث عن إفساد بني إسرائيل، فالجدير بالذكر أن المفسرين
القدماء ذهبوا إلى أن الإفساد الثاني قد حدث. وقد تساءل الباحث بقوله: "فأيُّ
مفسر هو هذا الذي سيخطر بباله أنّ المرّة الثانية لم تأتِ بعد؟!"[5].
ويجدر بي أن أنقل أقوال العلماء فيما يخصّ
الإفسادين:
1.القولُ بأن الإفسادينِ قد
وَقعا
قبل الإسلام:
(الأول: البابليون، الثاني: الرومان)
القائلون به من
القدماء: الطبري[6]
(ت:310 هـ)، والزمخشري[7]
(ت: 532 هـ)، والبيضاوي[8]
(ت:691 هـ)، وابن حبّان[9]
(ت: 745 هـ).
القائلون من المعاصرين: المراغي[10]
(ت: 1371هـ/1952م)، وسيّد قطب[11]
(ت: 1386 هـ/1966م)، ويوسف القرضاوي[12]، والطنطاوي[13]،
وغيرهم.
(الأول:
الفرس، الثاني: الرومان): القائل به هو القفّال (ت: 365هـ)، نقل عنه الرازي[14]
(ت: 606 هـ)، وكذلك نقل عنه الألوسي[15]
(ت: 1270 هـ).
وكذا من المعاصرين: القاسمي[16]
(ت: 1332هـ/1914م)، ورشيد رضا[17] (ت:1353هـ/1935م)،
وابن عاشور[18]
(ت:1392هـ/1973م).
2.القولُ بأن أحد الإفسادينِ وقع قبلَ الإسلام والآخر وقع في زمن الرسول صلى الله عليه وآله
وسلّم.
وممن
ذهب إلى هذا الرأي الشنقيطي[19](ت:
1393هـ/1973م).
3.القولُ بأن أحد الإفسادينِ وقع قبلَ الإسلام والآخر سيقع في المستقبل:
(الأول: البابليون، الثاني: الزمن الحالي).
4.القولُ بوقوع الإفسادينِ في زمن الإسلام:
(الأول: الرسول عليه الصلاة والسلام، الثاني: الزمن الحالي).
وهو
رأي علماء من المعاصرين: الشعراوي[22]
(ت: 1418هـ/1998م)، فضل عباس[23]
(ت: 1432 هـ/2011م)، وصلاح الخالدي[24]،
وسعيد حوّى[25]
(ت: 1409هـ/1989م)، وغيرهم.
5.الإفساد
الأول هو الحالي والثاني في المستقبل:
تلخيص الآراء
والاحتمالات:
o
الإفساد
الأول والثاني حصلا:
-
الإفساد
الأول والثاني حصلا (قبل الإسلام).
-
الإفساد
الأول (قبل الإسلام)، والثاني (زمن الرسول).
o
الإفساد
الأول حصل، والثاني ابتدأ حاليًا:
-
الإفساد
الأول (قبل الإسلام)، والثاني (حاليًا).
-
الإفساد
الأول (زمن الرسول)، والثاني (حاليًا).
o الإفساد الأول ابتدأ
حاليًا، والثاني لم يبدأ بعد.
o لم يبدأ
أيٌّ من الإفساديْن بعد.
فالباحث -جزاه الله
خيرًا- يرى أن الإفساد الأول قد حصل قبل مجيء الإسلام، حيث يقول: "من هنا
نعتبر أن الإفساد الإسرائيلي قد بدأ بعد وفاة سليمان عليه السلام؛ عندما انقسمت
دولة النبوة إلى دولتين متنازعتين، وانتشر الفساد، وشاعت الرذيلة"[28].
ويرى أن بعض المعاصرين
ذهب
إلى القول بأنّ العباد هم من المؤمنين، بدليل قوله
تعالى:
"عبادًا
لنا". "وقد ألجأهم هذا إلى القول بأنّ المرّة الأولى هي التي تم
فيها إخراج اليهود من المدينة المنورة، في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخول
عمر بن الخطاب القدس فاتحًا، وهذا بعيد عن ظاهر النص القرآني. ولا ضرورة لمثل هذا
التأويل لأنّ عبارة عبادًا لنا تحتمل المؤمنين وغير المؤمنين"[29].
ويجدر بي هنا أن
أتدبّر مركب (عبادًا لنا) الوارد في سورة الإسراء لمعرفة علاقتهم بالوعْد الآخر
لبني إسرائيل.
فمن الجذور الواردة في
القرآن الكريم جذر "عبد" حيث ورد هذا الجذر ومشتقاته (93) كلمة، على
مجموع (275) مرةً، وقد
ورد لفظ (عَبْد) المفرد (14) كلمةً، على مجموع (29) مرّةً. وهي على النحو الآتي:
الْعَبْدُ (2)، بِالْعَبْدِ (1)، بِعَبْدِهِ (1)،
عَبْدًا (6)، عَبْدٌ (1)، عَبْدٍ (2)، عَبْدَنَا (3)، عَبْدَهُ (2)، عَبْدَيْنِ (1)، عَبْدُ (2)،
عَبْدِنَا (2)، عَبْدِهِ (4)، وَالْعَبْدُ (1)، وَلَعَبْدٌ (1).
ويمكن
تقسيم هذه المجموعة إلى قسمين:
· القسم الأول: العبْد المضاف إلى الخالق
تعالى، وقد وردت في (11) كلمةً على مجموع (25) مرّةً. وهي على النحو الآتي:
الْعَبْدُ (2)، بِعَبْدِهِ (1)، عَبْدًا (5)، عَبْدٌ
(1)، عَبْدٍ (2)، عَبْدَنَا (3)، عَبْدَهُ (2)، عَبْدَيْنِ (1)، عَبْدُ (2)،
عَبْدِنَا (2)، عَبْدِهِ (4).
· القسم الثاني: العبْد المضاف إلى سيّده
بمعنى الخادم، وقد وردت في (4) كلمات على مجموع (4) مرةً، وهي على النحو الآتي:
بِالْعَبْدِ (1)، عَبْدًا (1)، وَالْعَبْدُ (1)، وَلَعَبْدٌ (1).
- ويُجمع لفظ (عَبْد) على:
- (عِباد) وقد وردت (26) كلمةً على مجموع (96). وهي
على النحو الآتي: الْعِبَادِ (2)، بِالْعِبَادِ (5)، بِعِبَادِهِ (6)، بِعِبَادِي
(3)، عِبَادًا (2)، عِبَادٌ (2)، عِبَادَ (6)، عِبَادَكَ (3)، عِبَادَنَا (1)،
عِبَادَهُ (3)، عِبَادُ (2)، عِبَادُكَ (1)، عِبَادِ (1)، عِبَادِكَ (3)،
عِبَادِكُم (1)، عِبَادِنَا (10)، عِبَادِهِ (22)، عِبَادِي (8) عِبَادِيَ (2)،
لِعِبَادِنَا (1)، لِعِبَادِهِ (3)، لِعِبَادِي (1)، لِعِبَادِيَ (1)، لِلْعِبَادِ
(2)، يَا عِبَادِ (3)، يَا عِبَادِيَ (2).
ويمكن
تقسيم هذه المجموعة إلى قسمين:
· القسم الأول: العبْد المضاف إلى الخالق
تعالى، وقد وردت في (25) كلمةً على مجموع (95) مرّةً. وهي على النحو الآتي:
الْعِبَادِ (2)، بِالْعِبَادِ (5)، بِعِبَادِهِ (6)، بِعِبَادِي (3)، عِبَادًا
(2)، عِبَادٌ (2)، عِبَادَ (6)، عِبَادَكَ (3)، عِبَادَنَا (1)، عِبَادَهُ (3)،
عِبَادُ (2)، عِبَادُكَ (1)، عِبَادِ (1)، عِبَادِكَ (3)، عِبَادِنَا (10)،
عِبَادِهِ (22)، عِبَادِي (8)، عِبَادِيَ (2)، لِعِبَادِنَا (1)، لِعِبَادِهِ (3)،
لِعِبَادِي (1)، لِعِبَادِيَ (1)، لِلْعِبَادِ (2)، يَا عِبَادِ (3)، يَا
عِبَادِيَ (2).
· القسم الثاني: العبْد المضاف إلى سيّده
بمعنى الخادِم، وقد وردت في (1) كلمةً على مجموع (1) مرةً، عِبَادِكُم (1).
وتجمع (عبْد) أيضًا
على: (عبِيد) وقد وردت
(1) كلمةً على مجموع (5) مرّةً. وهي على النحو الآتي: لِلْعَبِيدِ (5).
وقد ورد لفظ (عابد) في
(7) كلمات، على مجموع (12) مرّةً. وهي على النحو الآتي:
الْعَابِدُونَ (1)، الْعَابِدِينَ (1)، عَابِدٌ (1)،
عَابِدَاتٍ (1)، عَابِدُونَ (4)، عَابِدِينَ (3)، لِلْعَابِدِينَ (1).
وعند التأمل في لفظ
(عِباد) نجد أنه يدّل على عامّة الخلق، فيدخُل فيهم المؤمن والكافر، والبشر
والملائكة، وقد وردت في معرِض الحديث عن الدنيا والآخرة على حدٍّ سواء، ومن دلالات
لفظ (عِباد) في القرآن الكريم ما يفيد معنى الخادم. أما لفظ (عبيد) فقد ورد في
معرِض الحديث عن الآخرة فقط، وهي تفيد عامّة الخلق من البشر.
أما (عبادًا لـ) فقد
ورد هذا التركيب في (2) كلمةً على مجموع (2) مرةً، وهي كالآتي:
قال تعالى: "مَا
كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّـهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ
ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا ((عِبَادًا لِّي)) مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَـٰكِن
كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ
تَدْرُسُونَ". آل عمران: 79. وقال تعالى:
"فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ ((عِبَادًا لَّنَا))
أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا
مَّفْعُولًا". الإسراء: 5.
عند تدبرّ الآيتيْن
نجد أن تركيب (عبادًا لـ) تدلّ على العبادة. وهذا معناه أن القوم الذين سيبعثهم
الله تعالى على بني إسرائيل المفسدين من صفاتهم العبادة لله تعالى وحده والشّدّة
والقوّة.
ومن الملحوظات
الهامّة: في مركّب (عبادًا لنا) الوارد في سورة الإسراء، فينبغي أن ننتبه إلى أن
تحقيق الوعد لبني إسرائيل لا بد أن يكونوا من نسل إسرائيل، ومن خصائصهم الإفساد
والعلوّ الكبيران في الأرض، ومن صفات الذين يبعثهم الله تعالى ويُسهّل أمرهم
للقضاء عليهم الإخلاص في عبادة الله تعالى وحده (عبادًا لنا)، وأنهم أصحاب قوّةٍ وبأسٍ
شديد، ولا بد من أن يدخلوا المسجد، لكن في المرّة الأولى ينهزمُ بنو إسرائيل
مرحليًا، ثم ما يلبث أن يزداد بنو إسرائيل قوةً وأموالاً وبنين ليُعيدوا الكرّة
بعد الفرّة، لكن هذا لن يطول حيث يُبعثُ العبادُ المخلَصون من جديد ليتخلّصوا من
فساد وعلوّ بني إسرائيل وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرّة. وليس معنى هذا
القضاء المُبرم على بني إسرائيل نهائيًا بل القضاء على فسادهم وغطرستهم. فقد قال
تعالى: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ (عَلَيْهِمْ) إِلَىٰ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ
الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ". الأعراف: 167. وقال تعالى: "وَأَلْقَيْنَا
بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا
أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّـهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ
فَسَادًا وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ". المائدة: 64.
وقد يخطر ببال القارئ،
كيف سيأتي بنو إسرائيل إلى فلسطين؟ علمًا بأن الصهاينة المحتلين لفلسطين ليسوا من
نسل بني إسرائيل، وأن فكرة دولة إسرائيل خديعة عالمية، مُرّرت كمشروع استعماري في
قلب وطن العرب والمسلمين، فكيف سيتجمع بنو إسرائيل إلى فلسطين حقيقة؟
يقرر القرآن الكريم أن
بني إسرائيل قد كتب الله تعالى لهم "الأرض المقدسة" على اختلاف في تحديد
حدودها الجغرافية، وبنو إسرائيل بالتأكيد بعد زمن إبراهيم عليه السلام وعلى الأرجح
يُنسبون إلى نبي الله يعقوب عليه السلام، وقد سكنوا تلكم الأرض حتى أحلّت بهم
مجاعة، فخرجوا منها إلى مصر زمن النبي يوسف عليه السلام، وقد جعل الله تعالى فيهم
أنبياء قبل موسى
عليه السلام وملوكًا، ثم مرّوا في إحدى محطاتهم التاريخية في مرحلة اضطهاد
"فرعون" فظهر أبرز أنبيائهم وهو موسى عليه السلام، الذي كانت خطته إعادة
بني إسرائيل إلى "الأرض المقدسة". فرفض معظمهم ابتداءً فبقوا في مصر،
وفي أثناء المسير إلى "الأرض المقدسة" رجع بعضهم إلى مصر بحجة أنهم لا
يصبرون على طعام واحد فضربت عليهم الذلة والمسكنة، فمن تبقّى مع موسى عليه السلام
رفض جلّهم دخول الأرض المقدسة فحرّمها الله تعالى عليه أربعين سنة وكان
"التيه" والضلال. ثم بعد وفاة موسى عليه السلام دخولها وظهر فيهم أنبياء
وملوك كداود وسليمان عليهما السلام، إذ جاء في الزبور أن مناط البقاء في
"الأرض المقدسة" هو المحافظة على"الصلاح"، لكن لم يلبث أن ظهر
الفساد مجدّدًا فيهم فتشتتوا وسُبُوا، ثم لما أتيح لهم المجال للعودة زمن
"قورش" الفارسي آثر بعضهم البقاء في أرض الشتات، وعاد بعضهم الآخر إلى
"الأرض المقدسة" ليظهر فيهم نبي بطابع روحي لم يألفوه إنه المسيح عيسى
ابن مريم عليه السلام. فرجعوا في إفسادهم ليتشتتوا تارةً أخرى.
ومع ظهور خاتمة
الرسالات "القرآن العظيم" فقد تم إعطاء بني إسرائيل فرصة لدخول
"الأرض المقدسة" بشرط عدم الإفساد، ولعلم الله تعالى المسبق بفسادهم فقد
قال تعالى: "وَقَضَيْنَا
إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ
وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا
عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ
وَعْدًا مَّفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ
وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا *
إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا
جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ
كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا *
عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا
جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا". الإسراء 4-8.
فالقرآن الكريم يقرر
حتمية تاريخية وهي أن بني إسرائيل سيفسدون مرّتين وسيعلُون علوًّا كبيرًا.
فالإفساد الأول سيُواجه بعباد خُلّص لله تعالى، وينجم عنه تشتيت لبني إسرائيل، ثم
بعد حين من الزمان، يستجمع بنو إسرائيل شعثهم لتكون نهايتهم في "الأرض
المقدسة" التي تطهّر العالم من نجاسة أخلاقهم ووحش إنسانيتهم.
وهذه الفرصة قائمة على أساس جوهري وهو [إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ] وقاعدة: [وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا].
وهذه الفرصة قائمة على أساس جوهري وهو [إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ] وقاعدة: [وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا].
وهنا يخطر على القارئ
سؤال مهمّ وهو: هل سكّان دولة "إسرائيل" في العصر الحديث هم من نسل بني
إسرائيل؟
والجواب على هذا
بالتأكيد ليس كلهم من ذرّيّة إسرائيل فلعلّ القليل جدًا منهم من بني إسرائيل،
وعليه تكون دولة "إسرائيل" مشروع سياسي قائم على أسطورة وأكذوبة عالمية.
وبهذا يكون الإفساد
الأول لم يحصل أساسًا، لعدم اجتماع طرفي المعادلة المطلوبة وهي:
بنو إسرائيل + إفساد وعلوّ <==> عباد خُلّص لله تعالى+ أقوياء أشداء
واقع المعادلة الحالي هو:
إسرائيل فيها بعض بني إسرائيل + إفساد وعلوّ<==> عباد خُلّص لله + قوة على قدر
المستطاع (المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام)
وحتى تكتمل المعادلة،
فلا بدّ أن يجتمع بنو إسرائيل في "الأرض المقدسة" ويكون حالهم الفساد
والإفساد.
قال تعالى:
"وَقُلْنَا
مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ
الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا". الإسراء: 104.
فكيف يكون هذا الاجتماع؟؟
فبعد الوعد الأول الذي
سينجم عنه تشتيت لبني إسرائيل، يعمد بنو إسرائيل لتجميع أنفسهم بحيث يميّزون
أنفسهم بخصائص وراثية تعتمد على نظام الهندسة الجينية، ولليهود اليوم اهتمام بالغ
في هذا العلم، فمن لديه متابعة يعرف هذا.
فالله تعالى الذي علّم
الإنسان ما لم يعلم ليوظّفه في خدمة الإنسانية، إلا أن بني إسرائيل يستغلون علم
الوراثة والجينات فيما يدمّر البشرية لكنهم مخطئون فسيردّ المكر إلى نحرهم. "وَلِيُتَبِّرُوا
مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا".
يرى الباحث -جزاه الله
خيرًا- أن الكرّة
تعاد لليهود على من أزال الدولة الأولى، ولم يحصل
هذا في التاريخ إلا عام 1948م، "إذ رُدّت الكرّة لليهود على من أزال الدولة
الأولى. والذين جاسوا في المرّة الأولى هم المصريون، والأشوريون،
والكلدانيون. أما التدمير النهائي فكان بيد الآشوريين والكلدانيين[30].
وعندما يُجمَعُ اليهود من الشتات يكونون من أصولٍ شتىّ، على خلاف المرّة الأولى؛
فقد كانوا جميعًا ينتمون إلى أصل واحد، ألا وهو يعقوب عليه السلام. أمّا اليوم
فإننا نجد أنّ الإسرائيليين ينتمون إلى 70 قوميّة، بل أكثر. ويستفاد ذلك من قوله
تعالى:
"جئنا
بكم لفيفًا"[31].
وقد سبق أن بيّنتُ أن
هذه الكرّة وأن هذه الدولة وهذه الجموع من القوميّات المختلفة إنما قامت كمشروع
استعماري وخديعة عالمية، لذا فتجمّع بني إسرائيل وفق نظريتي سيكون حينما يسمح الله
تعالى لعلماء الجينات فكَّ الشيفرة الوراثية، ليقوموا بتحديد نسل بني إسرائيل،
فيصدق قوله تعالى: "جئنا بكم لفيفًا".
والحق أن الضمير يرجع
إلى بني إسرائيل ذاتهم، وهو يتناسب مع قوله تعالى: "وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا
كَبِيرًا". فبنو إسرائيل سيعلونَ علوًا كبيرًا وعباد الله تعالى سيُتبّرونَ
ما علوْه –بني إسرائيل- تتبيرًا.
يقول الباحث في صدد
الكلام عن الخلافة المهدي في بيت المقدس: "يُؤيّد معنى هذا الحديث قول الرسول
صلى الله عليه وسلم:"
هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس"[33].
والحقيقة أن
هذه الرواية عند التحقيق لا تصحّ إسنادًا.
*****
وعند دراسة كتاب
الباحث فيما يخصّ الإحصائيات فقد بنى الباحث توقعّاته على مقدّمات اعتبرها ثابتة
صحيحة، لكنها عند التحقيق هي مجرّد تخمينات، وسأشرع في تبيان مقدّمات الباحث:
1-
اعتمد
الباحث على تأريخ رحلة الإسراء سنة 621 م.
2-
الاعتماد
على نبوءة بقايا حاخامات حول مدّة دولة إسرائيل (76) سنة.
3-
اعتماد
أن الإفساد الأول حدث قبل الإسلام، ويبدأ من موت سليمان عليه السلام إلى اندثار
دولة يهوذا (935-586م).
4-
اعتبار
(عباد لنا) تحتمل المؤمنين وغير المؤمنين.
5-
الاعتماد
على حساب الجمّل والانتقائية في أخذ العيّنات من الألفاظ.
6-
القيام
بإحصائيات انتقائية.
تأريخ حادثة الإسراء:
سبق أن تطرّقت إلى
قضية اختلاف العلماء والمؤرخين حول تحديد سنة رحلة الإسراء، ولا يمكن بأي حال من
الأحوال الجزم في تحديد زمانها.
الإفساد الأول:
وتبيّن فيما سبق اختلاف
العلماء في الإفساد الأول والثاني، وأن القول ببدء إرهاصات الإفساد الأول هو
الراجح، إذ لا بد من اكتمال طرفي المعادلة، فبنو إسرائيل لا بدّ أن يكونوا من (نسل
إسرائيل) حقيقةً لا ادعاءً، وهذا يمهّد لعلم الجينات، ولا بد أن يكونوا في غاية
(الإفساد)، والطرف الآخر لا بد أن يكونوا (عبادًا لله) وأن يكونوا (أقوياء أشداء).
وقد بدأت إرهاصات الإفساد الأول بالظهور، فعلم الجينات في تقدّم، وعباد الله تعالى
أصبحوا أقوياء (المقاومة الإسلامية والوطنية).
لكن الباحث يرى أن العام
(722) ق.م هو عام تدمير إسرائيل الأولى، والتي هي أولى الدولتين إفسادًا؛ فهي التي
بدأت الانفصال، وهي التي زالت أولاً، وبالتالي ينطبق عليها لفظ أولاهما[34].
مدّة دولة إسرائيل (76) سنةً:
وممّا اعتمد عليه
الباحثُ أنّ دولةَ إسرائيل ستدوم (76) سنة (19*4) [35].
وهذا مما لا دليل عليه، بل هو ظنّ وتخريص، لا إشارة أو إرهاص أو افتراض.
حساب الجمّل:
وجد الباحث أنّ ترتيب
كلمة (لفيفًا) في نبوءة سورة الإسراء هو (1443)هـ، وتوصّل إلى أنّ جُمّل: "فَإِذَا
جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا" هو 2022م، وفق قراءة ورش لكلمة (الآخرة)[36].
فهل الترتيب يعادل عدد
السنوات الهجرية، والجمّل يعادل السنوات الميلادية؟؟ فلماذا الخلط بين الميلادي
والهجري؟!
ومرّة أخرى يخلط
الميلادي في الهجري في حساب مقولة بيغن 1982 + 40[37].
توصّل الباحث إلى أن جُمَّل
كلمة (يهوذا) هو (722) ولا ننسى أنّها الدولة التي بقيت بعد العام 722ق.م[38]. وهو كذلك، لكني
أتساءل هل جُمّل عبارة (إسرائيل) التي سقطت (586) ق.م هو (586)؟؟ بالتأكيد لا.
يتابع الباحث حساباته
فجُمّل "عبارة: (بني إسراءيل) وفق حساب الجُمّل هي (365)، وهذا هو عدد أيام
السّنة الشمسيّة. ولكن وفق الرّسم العثماني للمصحف تنقص (ألفًا)، هكذا: (بني إسرءيل)
فتصبح حساب جُمّلها (364). أمّا عبارة (بنو إسراءيل) فحساب جمّلها (361). ولا
تختلف هذه القيمة في الرّسم القرآني؛ لأنّ الألف التي حُذفت من كلمة (إسرءيل)
أًضيفت إلى كلمة (بنوا)، فتكتب هكذا: (بنوا إسرءيل)، وعليه يكون المجموع أيضاً
(361) وهذا هو (19×19)". ويضيف قائلاً: "اللافت هنا أنّ حساب الجُمّل
لعبارة: (المسجد الاقصا) وفق الرسم العثماني، هي أيضًا (361) [39].
لكن أتساءل وافق حساب
الجمّل لعبارة المسجد الاقصا (بنو إسرائيل) ماذا عن (بني إسرائيل)؟؟ بالتأكيد لا
يوافقها.
الانتقائية في الإحصاء:
ابتدأ الباحث بإحصاء
الكلمات من قوله تعالى: "وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ
وَجَعَلْنَاهُ..." الإسراء: 2. إلى قوله تعالى: "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ
الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا". الإسراء: 104.
فالنبوءة كما هو معلوم
تبدأ من قوله تعالى: "وقضينا إلى بني إسرائيل". ثم لا علاقة بين آيات
النبوءة والآيات حتى الآية 104 من سورة الإسراء!!
ابتدأ الباحث الإحصاء الآيات
من قوله تعالى: "يا قومِ ادخلوا الأرضَ المقدّسةَ التي كتبَ اللهُ لكم، ولا
ترتدُّوا على أدباركُم فتنقلبوا خاسرين".المائدة:21. إلى قوله تعالى:" وَقُلْنَا مِنْ
بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ
جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً ".الإسراء:104 .
ليكون مجموعها هو (1443).
وهو بالطبع يعادل (2022)م، فهل الآيات
يعادل السنوات؟ أم الكلمات هي التي تعادل السنوات؟ أم الجمّل كما ورد فيما سبق؟ هل
من قاعدة مطردة؟
قام الباحث بإحصاء الآيات
من نهاية الفاتحة، حيث الكلام عن:" صراط الذين أنعمت عليهم،
غير المغضوب عليهم، ولا الضالين"، إلى بداية سورة الإسراء، التي موضوعها انتصار الصّراط الحق، فكان
عدد الآيات من بداية سورة البقرة، إلى نهاية سورة النحل، أي بداية سورة الإسراء،
هو 2022 آية[40].
ويحصي
الباحث عدد كلمات كل آية من الآيتين: (13 و19) من سورة سبأ ليجد النتيجة (19)
كلمة. ولا يوجد آية أخرى في السّورة عدد كلماتها 19.
ثم يواصل قوله: "عدد
حروف كل من الآيتين هو (84) حرفًا. وهذا التساوي في عدد الحروف والكلمات يلفت
الانتباه"[41].
والواقع أن إحصاءه غير دقيق فعدد حروف الآية (13) من سورة سبأ هو (83) حرفًا.
ومما يُحمد للباحث –جزاه
الله تعالى خيرً- هو ملاحظته في أن "عدد آيات سورة يوسف التي تتحدث عن تكوين
بني إسرائيل خارج الأرض المقدسة = عدد آيات سورة الإسراء التي تتنبأ بتدمير بني
إسرائيل المفسدين في الأرض المقدسة. (111) آية لكلا السورتيْن"[42].
تحديد الإفساد الأول وسنة وفاة سليمان (ع):
يقول الباحث: "توفي
سليمان عليه السّلام سنة (935) ق.م، فانشقّت الدولة بعد وفاته بوقت قصير،
وكان هذا الانشقاق، فيما نراه، بداية الإفساد الأول المشار إليه في فواتح سورة
الإسراء.
أمّا نهاية الإفساد الثاني والأخير فيتوقّع أن يكون
عام (2022) م الموافق (1443)هـ. وعليه يكون عدد السّنين من بداية الإفساد الأول إلى حادثة
الإسراء هو: (935+621) = 1556 سنة شمسيّة. والمفاجأة هنا أنّ هذا هو عدد
كلمات سورة الإسراء[43].
السّنين من بداية الإسراء حتى نهاية الإفساد الثاني فهو 1444 سنة قمريّة.
ويواصل حيث يقول:
"عدد الحروف من بداية سورة سبأ، إلى نهاية الآية (13)، أي قبل الحديث عن موته
عليه السّلام، هو 934 حرفًا، ثم تأتي الفاء - والتي هي حرف ترتيب وتعقيب - ملتصقة
بكلمة (لمّا) التي تحدد زمن الوفاة، فيكون المجموع هو (935) حرفًا. والمدهش هنا
أنّ هذا هو تاريخ وفاة سليمان عليه السّلام[44].
فأقول متسائلاً ما
المانع أن تكون سنة وفاة سليمان (ع) هي (947) لتكون كلمة (الموت) هي للدلالة على
موته؟
انتقائيات
عمد الباحث إلى انتقاء
مفردات بحيث رصد ترتيبها وضربها بالعدد (19) الغامض، لتكون النتائج مذهلةً. لكن لم
ينتبه إلى أن النتيجة الأولى كانت ميلادية، فبرّر ذلك بأن الحساب لما قبل الإسلام
يكون بالميلادي، وما بعده بالهجري.
إحصائيات:
كان من المفترض على
الباحث أن يُعالج الإفساد الأول والثاني في السنوات التي قرّرها، فالإفساد الأول
عنده ابتدأ (935) ق.م وانتهى (586) ق. م. والإفساد الثاني ابتدأ (1984)م وسينتهي
(2022) م. كالنحو الآتي:
لكن الباحث تطرّق إلى
شيء آخر ليوافق إحصائياته على النحو الآتي:
فالباحث أحصى عدد
السنوات من (935) ق.م وهي سنة ابتداء الإفساد الأول إلى سنة حادثة الإسراء
المفترضة (621)م ليكون المجموع (1556) وهو عدد كلمات سورة الإسراء!!
ثم أحصى عدد السنوات
من سنة حادثة الإسراء المفترضة (621)م إلى نهاية الإفساد الثاني المتوقعة (2022)م
ليكون المجموع (1400.1). لكني أدرجت الرقم الصحيح وهو (1401).
ولأن الباحث يرى أن
حادثة الإسراء وقعت تحديدًا في 10/10/621م، ونهاية الإفساد الثاني سيقع بالتحديد
5/3/2022م.
فكان المجموع هو
(1400.1). ولستُ أدري لم يبق له إلا أن يُحدد الساعة والدقيقة!
ثم بعد ذلك قام الفارق
بجمع القيمة الأولى (1556) بالقيمة الآخرة (1400.1) ليكون المجموع (2956.4) ليكون
حاصل قسمته على العدد (19) هو (155.6). فيا للعجب! العدد غير صحيح فيه كسور!
ثم أخيرًا قام بجمع
سنة الإفساد الأول بسنة نهاية الإفساد الثاني (586 + 2022) ليكون المجموع (2608)
ثم قسمه هذه المرة على العدد (136) وهو فارق السنوات ما بين دمار دولة إسرائيل
(722) ق.م، ودمار دولة يهوذا (586) ق.م ليكون ناتج القسمة هو (19.17) فيا للعجب،
فالعدد فيه كسور!! فقد قال الباحث فمن اللطيف أن هذه المدّة تشكل (19)
ضعفًا للفترة الزمنية من زوال إسرائيل إلى زوال دولة يهوذا[45].
بالرغم من أنه أشار في الهامش إلى أن النتيجة هي حقيقةً) (19.7).
أخيرًا حاول الباحث
إثبات فرْضيته بناء على عدّة أُسس، وتبيّن لنا أن الباحث لم يُحقّق معظم المسائل
التاريخية كزمن حادثة الإسراء وهي من التراث الإسلامي، وتبيّن أن بعض الروايات
الحديثية التي أتى بها لا تصحّ إسنادًا، وقد اعتمد الباحث على التاريخ والتراث
اليهودي الغارق في القدِم، مما يضفي عليه ضعف المصداقية في تحديد تواريخ الأحداث،
كما ظهر لنا الانتقائية في الإحصاء، وبعض الأخطاء فيه. لكن ختامًا لا يسعُني إلا
أن يشكر الباحث على جهوده، فحسبُه أن اجتهد، وبرّأ ذمّته، إذ جعل في عنوان سِفره
عبارة: "نبوءة أم صدفة رقمية؟".
****
خاتمة
إنّ المتأمّل في كتاب
الله تعالى لا يجد نسبةً لفلان، إلا لآدم وإسرائيل، فقد ورد [بنو إسرائيل] 41
مرّةً، ولا شكّ أن ثمّة فرق بين [اليهود] و[بنو إسرائيل] فالأول وصف لجماعةِ تجتمع فيها
صفات معينة، والأخير وصف لنسْلٍ يرجع إلى إسرائيل، كما أن الناس يرجعون إلى آدمَ
فهم [بنو آدم].
ونجد أن الله تعالى قد
قضى بحكمته لـ [بني إسرائيل] فرصَتيْن يكون حالهم فيها فساد كبير، قال تعالى:
"وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ
فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا". الإسراء:
4.
عند التأمل في كتاب
الواقع نجد أن ما يُسمّى بدولة إسرائيل وهي كما لا يخفى وليدة مشروع استعماري التي
تمثّل وجه الفساد وإن جمّلوه بمعادلة المقارنة مع فساد حكّام العرب، ونجدُ في
المقابل المقاومة المسلمة وصدّها لعدوان هذا الكيان كما شهدناه ولمّا تضع الحرب
أوزارها بعدُ التي تمثّل وجه الأحقيّة وإن شوّهوها بمعادلة القياس مع توجهّات بعض
حركات المقاومة الأخرى.
وجمعًا بين القراءتين
(القرآن والواقع) فإن هذا العُدوان من كيانٍ آثمٍ، وهذا الردّ من حركةٍ تقاوم، ليس
إلا أوّل المخاض، إذ في فلسطين يُرفع لواءُ الحقّ فيستجيب له كل إنسان حرّ، وفي
فلسطين يُرفع لواء الباطل فيُهرع إليه كل شخص تجرّد من إنسانيته، وتدور رحى الحرب
فيسقط الشهداء بل يرتفعون وتتجدّد الدماء فتزكو الأنفس وتتزكّى الصفوف، وتشتدّ
السواعدُ، ويتجلّى الحقُّ ويتبدّى، وفي ذات المقام يخسر العدو ويتمسّك بخياراته
الهوجاء، ويُمدُّ بأموالٍ وبنينَ، ويزيدُ نفيرًا ونفورًا، وفي ساعة الحسْم، حين
تتكشف الصهيونية عن وجهها وتظهر نسلها [بنو إسرائيل]، وحين تتنقّى صفوف المجاهدين
ويظهر [عبادًا لنا] في تلكم الساعة، يأتي وعد الله تعالى فيُهزم [بنو
إسرائيل] ومَن شايعهم في العالم كلّه، ليكونوا ما بين مَن نالَ الدمار والتبار،
وبين مَن ذاق مرارة إساءة الوجه والعار، في تلكم الساعة يتحرّر المسجد الأقصى،
فيكون مركز العالمين.
لذا فما زلنا في بداية
المشوار، فوجه الصهيونية لم يسقط بعد، لكنه حتمًا سيسقط، ولستُ مع من يُحدّدون
وقتًا لموعد التحرير، وإنما المطلوب هو الإعداد، والعمل، فزوال الصهيونية وبني
إسرائيل مرهون بذهنية ونفسية العربي والمسلم، أكثر من ارتهانه بمدد أعوانه. جندٌ
قليلون يواجهون جيشًا عرمرَم، لم يَصمدوا أمامهم ولم ينجحوا في القضاء عليهم، ليس
لأنهم أقوياء أو أذكياء، بل لأن ذهنية المقاوم المسلم ونفسيّته هي من هزمهم وهي من
دحرهم.
"إِن
تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ".
محمّد: 7.
[6] الطبري، محمد بن جرير،
جامع البيان في تأويل آي القرآن، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ط1، بيروت: مؤسسة
الرسالة، 2000م، ج17، ص565-365.
[7] الزمخشري، جار الله محمود،
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق: محمد عيد
السلام شاهين، ط1، بيروت: دار الكتب العلمية، 1995م، ج2، ص624.
[8] البيضاوي،
عبد الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ط1، بيروت: دار الكتب العلمية،
1988م، ج1، ص564.
[10] المراغي، أحمد مصطفى،
تفسير المراغي، تحقيق: باسل عيون السود، ط2، بيروت: دار الكتب العلمية، 2006م، ج5،
ص288.
[15] الألوسي، شهاب الدين
محمود، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ط1، بيروت: دار الفكر،
1997م، ص300.
[19] الشنقيطي، محمد الأمين بن
محمد المختار، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ط1، القاهرة: دار
الحديث،2006م، ج2، ص79.
[24] الخالدي، صلاح، حقائق
قرآنية حول القضية الفلسطينية، ط2، لندن: منشورات فلسطين المسلمة، 1995م،
ص151-181.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق