الثلاثاء، 7 أكتوبر 2014

ابنا آدم عليه السلام

"وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ
 قَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ    
قَالَ: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * 
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّـهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ
 قَالَ: يَا وَيْلَتَىٰ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ". المائدة: 27-31.

ملحوظات مهمّة:
- ابنا آدم لم يرِد اسمهما في القرآن الكريم.
- تقديم القُربان غير مذكور نوعه.
- تم قبول قربان أحد الأخوين وتم رفض قربان الآخر.
- أحد الأخوين قتل أخاه وسبب القتل غير محدّد.

وهنا سؤال مهم:
 من القاتل؟ هل الأخ الذي تُقبّل منه؟
الاحتمال الأول: الذي لم يتقبّل منه هو القاتل.

الاحتمال الثاني: الذي تُقبّل منه هو القاتل.


الواضح من الآيات أن الاحتمال الأول هو الصحيح لأن جواب المقتول قبل القتل كان:

"قَالَ: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ".
فقام الذي لم يُتقبّل منه بطواعية نفسه بقتل أخيه، فصار من الخاسرين.
ولا حجّة لمن قال إن القاتل هو الذي تقبّل منه.
"قَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ   قَالَ: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ".
الحجة  في ذلك  القول إن القاتل قد اعتبر نفسه أفضل من أخيه بعد أن تقبّل الله منه قربانه. فعدا على أخيه ليقتله، كما يفعل الدواعش وأمثالهم، إذ يرون انفسهم الفرقة الناجية ويتقربون إلى الله تعالى بالعدوان على إخوانهم بني آدم. وسورة المائدة خطاب للذين آمنوا، وفيها نهي عن العدوان والأمر بالعدل، وفيها إخبار عن ظنّ اليهود والنصارى بأنهم أبناء الله تعالى وأحبّاؤه، ومعلوم ان السورة من أواخر ما نزل، وأنها بعد قوة وغلبة ونصر ورفعة للمسلمين إيمانًا ومقامًا ومكانةً، فلا يستدعي ذلكم بالمؤمنين أن يعتدوا بل عليهم بالعدل.

صحيح أن الدواعش وأخواتها يفعلون ما يفعلون، وأن السورة من أواخر ما نزل، وأنها خطاب للذين آمنوا، وذُكر فيها قصص أهل الكتاب كي لا نقع فيما وقعوا فيه. لكن كل هذا لا يناصر حجة أن القاتل هو الذي تُقبّل منه.
والسبب بسيط أن سياق الآيات، فيه حوار بين شخصين.
الأول: "قَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ".

الثاني: "قَالَ: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ".
فلا يعقل أن يكون كل الكلام لأخ واحد، كما هو ظاهر من السياق، إذ ورد لفظ (قال)، وهذا يدلّ على حوار بين شخصين (أخويْن).
ومثله قوله تعالى:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ
 إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ
 قَالَ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ".  البقرة: 258.
فواضح من السياق أن هناك شخصان، الأول: الملِك، الثاني: إبراهيم عليه السلام.
والآيات التي تتحدث عن ابني آدم إنما ذكرت في سياق الحديث عن بني إسرائيل بعد التيه، لأن حادثة قتل قد حصلت بينهم، كما فصّلت ذلك آية سورة البقرة: 73.لذا فجاء السياق بقوله تعالى:
"مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ". المائدة: 32.

- ابنا آدم يعرفان أن جزاء الظالمين هو النّار.
- لدى ابنا آدم مفهوم الإثم. ومعنى هذا أن القتل من الآثام التي تؤدي إلى النار.


أما بخصوص الغراب، فقد بعثه الله تعالى:
"فَبَعَثَ اللَّـهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ".
- الغراب كان واحدًا لا أكثر
- كان يبحث في الأرض.
- الهدف من بعثه هو تعليم الأخ القاتل كيفية مواراة سوءة الأخ المقتول.
-  الأخ المقتول سوْءة والقتل سيئة(إثم).




في تلك اللحظات قال القاتل:
"قَالَ: يَا وَيْلَتَىٰ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ"
فالغراب في عملية بحثه في الأرض كان يواري أشياءً، فاستنتج القاتل كيفية مواراة سوءة أخيه وهي جثته. فكان من النادمين على القتل.
فالغراب قام بعملية البحث ينتج عنها مواراة، فيكون التعليم منه الحفر والدفن لمواراة الجثة.
وهنا يتألم القاتل على فعلته، ويقول هل عجزتُ أن أكون مثل هذا الغراب (في فعله) فأواري سوءة أخي؟؟!
ولا صحة لقول القائل إن الغراب من الفواسق المؤذية بالتالي فإن ما فعله الغراب أمام ابن آدم القاتل هو تعليمه إخفاء الجريمة، والأصل أن يظهرها.ففاسق(الغراب) يعلّم فاسقًا!!
فالآية تتحدّث عن عملية بحث ومواراة، ولا علاقة هاهنا بالإيذاء أو الفسق. ثم إن دفن الجثة لا يعني إخفاء الجريمة، لاسيما أن الآية صرّحت بندم القاتل.
ولا صحة لأن السوءة هي ذات السوءة التي نزعها الشيطان عن أبوينا، آدم وزجه عليهما السلام.
فالسوءة صحيح أن الشيطان نزعهما عن آدم وزوجه لكن لا علاقة بها فيما يخص سوءة الأخ المقتول،فالسوءة للأخ صارت بعد حادثة القتل. وإن كانا الأخوين ابني آدم لكن لا علاقة بسوءة الأخ المقتول بسوءة آدم وزوجه.
وعليه فلا يصح أن يكون الدرس من قصّ قصة ابني آدم، هو ألا تتبعوا وتبحثوا عن عورات وسوءات بني آدم، فتكشف سوءاتكم ولو في جوف بيوتكم فتصبحوا من النادمين. هذا الدرس متوفر في روايات صحّت عن الرسول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم.ولا صحة بأن الغراب غريب، يبحث عن غرباء، فالإنسان ينبغي ألا يبحث عن عيوب غيره وهو لا يخلو من عيوب.

بل الدرس هو لبني إسرائيل في المقام الأول ولبني آدم ومنهم بالتأكيد المؤمنين، ألا يقتل الأخ أخاه الذي هو مثله إنسان، بغير حق، فمن قتل نفسًا بغير حقّها فكأنما قتل الناس جميعًا.

بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق