الجمعة، 17 أكتوبر 2014

لسان القوم ولسان القرآن المبين

لسان القوم ولسان القرآن المبين
القرآن الكريم إنما نزل وحيًا صوتًا مسموعًا واضحًا إلى قلب الرسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم ينزل على هيئة قرطاس أو كتابٍ كما هو كتاب موسى عليه السلام : "وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ". الأعراف: 145.
والقرآن الكريم وهو حديث: "فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ". القلم: 44. قد وعاهُ الرسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسمعه الناس وقت التنزيل، فلم ينكروا منه مفردة من حيث دلالتها، وإن وردت روايات تفيد استغرابهم من بعض المفردات، إلا أن جهلهم بهذه المفردات لا يعني أنها مخترعات، ومما جاءت به البِنية القرآنية التأسيس لبعض المفردات بدلالة جديدة غير المتداولة. كمفردة: الصلاة، الزكاة. أو كمركّبات: غلّت أيديهم، تضع الحرب أوزارها.
لذا يمكن القول إن اللفظة القرآنية (دالّ) يدلّ على مدلول وعلاقة الدال والمدلول ليست اعتباطية، بل هي وضعيّة ومتداولة: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّـهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ". ابراهيم: 4. خلا بعض الألفاظ التي نحت لها القرآن دلالات جديدة لم تكن متداولة.
الإشكال عند معظم المفسرين أنهم كانوا يحلّلون الآية من خلال المفردة وما تحمله من احتمالات مما تداوله لسان العرب، فاختلفت النظرات والمآلات، ولو أنهم ربطوا المفردة بأختها من الآيات، لكان دلالة المفردة أضبط وأحسن مقيلاً.
ثم الإشكال عند الناس أنهم ابتعدوا عن لسان القرآن الكريم، ونتيجة تطوّر اللغة واحتكاكها وتوسّعها أو تدهورها فإن اللغة المتداولة تتغيّر، إذ أصبح بعض الناس يفهم بعض المفردات القرآنية من خلال المعنى المتداول لا من المعنى الوضعي.
فمثلاً يرون معنى النجم في قوله تعالى: "وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ". الرحمن: 6.
الذي هو في السماء، والأوْلى أن يكون النبات الذي لا ساق له بحسب السياق. لكن المعنى الأول متداول عند الناس، والثاني غير متداول. إذ غدت بعض دلالة المفردات القرآنية غير متطابقة مع دلالة المخاطَب أو السامع.
لكن تبقى "بعض" دلالات ألفاظ القرآن الكريم أوسع مما ذهب إليه السلف من المفسرين. وتحمل في دلالتها آفاق جديدة لكن ضمن الاحتمالات التي تحملها اللفظة أيضًا.
لذا فإن بالإمكان القول إن المفردة القرآنية دالّ يدلّ على مدلول/ ات متداول /ة يفهمه/ا السامع أو المخاطَب به/ا وقت التنزيل، خلا بعض جهل بعض السامعين لبعض المفردات، وخلا بعض الدلالات الجديدة التي حفرها القرآن الكريم.
ثم إن هذه المفردة قد يكون لها مدلول واحد أو متعدّد، وقد فسّر المفسرون بعض هذه المفردات بأحد تلك المدلولات بما يوافق مستواهم المعرفي والعِلمي، بالإضافة إلى أنهم أهملوا ربط المفردة بأختها من المفردات في القرآن الكريم إلا ما ندر.
المطلوب حاليًا هو فهم المفردة القرآنية من خلال أخواتها من المفردات القرآنية، وعدم التوقّف على الاحتمالات التي أخذ بها السلف، لا لأنهم سلف، بل الأخذُ بالاحتمالات الجديدة إنما يكون اتباعًا للسياق القرآني لا اتباعًا للجديد لمجرد أنه جديد أو نبذ كل ما هو قديم.
فالإشكال الحالي هو التمسك باختيارات سلف المفسرين، وإشكال أكبر منه وهو اختراع مدلولات لا أساس لها في الاستعمال القرآني، أو إهمال مدلولات يدلّ عليها السياق القرآني، كأنكارهم لدلالة اليد أو الرقبة الدالة على أعضاء في الجسد.

بوركتم جميعًا
ولكل مجتهدٍ نصيبٌ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق