السبت، 31 مايو 2014

[الشيطان] ودور [الأنعام] و[إبراهيم] عليه السلام


لمّا عصى آدم عليه السلام ربَّه وتلّقى منه تعالى [كلمات] تعاليم تاب عليه سبحانه، ولما أخرجه من [الجنّة الأرضية] فقد أعطاه ما يقيه العُريَ وقسوة الحرّ والبرد، قال تعالى: "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ". الأعراف: 26.
حيث كان في [الجنّة الأرضية] متوفر له الأكل والثياب: "إِنَّ لكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ". طه: 118.
واللباس الذي علّمه تعالى لآدم عليه السلام هو صوف [الأنعام] وهذا للشتاء والبرد، وريش الطيور وهذا للصيف والحرّ. لذا فقد علّمه تعالى كيفية الحصول على لباسه، من [الأنعام] والطيور.
وقد تعهّد [الشيطان] منذ لحظة رفضه السجود لآدم بشيء يتعلّق بـ [الأنعام]:
"وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّـهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّـهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا". النساء: 119.
وهنا يمكن القول إن خطّة الشيطان فيما يخصّ [الأنعام] هي في تحريف تقديمها كقرابين لله تعالى، كأن يأمر بذبحها لغير [الخالق] أو ذبح غيرها [للخالق]، والذي أراه أن [الشيطان] ابتدأ خطته بالوسوسة لذبح [الأولاد] بدل [الأنعام] كقرابين [للخالق].
قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ". الأنعام: 137.
"قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّـهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّـهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ". الأنعام: 140.
حيث وسوس [الشيطان] بأن ذبح [الأولاد] أوْلى من ذبح [الأنعام] فكيف يتقبّل الرب [الخالق] الأنعام؟! لا بدّ من تقديم الأغلى وهم [الأولاد]!. وهكذا وجدنا حضارات بشرية تقدّم القرابين البشرية للآلهة.
وهكذا انحرفت البشرية بتقديم قرابين بشرية [للخالق]، أو قرابين [الأنعام] لغير [الخالق].
ولما تبيّن معنا أن إبراهيم عليه السلام الذي مثّل مرحلة [الرشد] حيث اكتشف وجود [الخالق] و[الكلمات] و[الأرض الي باركنا فيها للعالمين] فهو أيضًا من أعاد دور [الأنعام] كقرابين إلى [الخالق].
ولم يُعِد إبراهيم دور [الأنعام] إلا بعد مكابدة [بلاء مبين] قال تعالى:
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ* وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ". الصافات: 102-111.
وبهذا أعاد إبراهيم عليه السلام وظيفة [الأنعام] كقرابين لله تعالى، لكن لم يطلْ العهد حتى قام الشيطان بالوسوسة من جديد: "مَا جَعَلَ اللَّـهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَـٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ". المائدة: 103.
"وَجَعَلُوا لِلَّـهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَـٰذَا لِلَّـهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّـهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّـهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ۖ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَقَالُوا هَـٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَّا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَّا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّـهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ ۚ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا ۖ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ۚ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّـهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّـهِ ۚ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ". الأنعام: 136-140.
وأخيرًا فإن [إبراهيم] عليه السلام الذي مثّل مرحلة [الرشد] قد توصّل بالبحث الذهني الدؤوب والمكابدة الروحية العالية إلى الحقائق، واستحقّ أن يكون [رجلُ بأمّة]. "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّـهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ". النحل: 120.


بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيب
إياد محمّد أبو ربيع
طولكرم- فلسطين
1-6-2014

الخميس، 29 مايو 2014

مفهوم [الغيب]



مفهوم [الغيب]

من الجذور الواردة في القرآن الحكيم جذر "غيب" حيث ورد هذا الجذر ومشتقاته في (16) كلمة، على مجموع (60) مرةً. ويمكن تقسيم هذا الجذر إلى مجموعات كالآتي:

* المجموعة الأولى: [عالم الغيب] وهو الخالق تعالى وحده. وقد ورد (12) مرّة.

* المجموعة الثانية:  [علّام الغيوب] وقد ورد (4) مرّات، المائة: 109، 116، التوبة: 78، سبأ: 48.

* المجموعة الثالثة : [الغيب لله] وقد ورد ما يفيد هذا المعنى:
"فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّـهِ". يونس: 20.
"وَلِلَّـهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ". هود: 123، النحل:77.
"لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ". الكهف:26.
"إِنَّ اللَّـهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ". فاطر: 38.
"إِنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ". الحجرات: 18.
"قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ". النمل: 65.

* المجموعة الثالثة: [مفاتح الغيب] "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ". الأنعام" 59.

* المجموعة الرابعة: [أنباء الغيب] وقد ورد بخصوص قصة كفالة مريم، وقصة سفينة نوح، وقصة يوسف.

* المجموعة الخامسة: بمعنى السر وقد ورد في قوله تعالى:
"فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ". النساء: 34.
"لِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ". المائدة: 94.
"الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَ‌بَّهُم بِالْغَيْبِ". الأنبياء: 49.
"إِنَّمَا تُنذِرُ‌ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَ‌بَّهُم بِالْغَيْبِ". فاطر: 18.
"مَّنْ خَشِيَ الرَّ‌حْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ" ق:33.
"إِنَّمَا تُنذِرُ‌ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ‌ وَخَشِيَ الرَّ‌حْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ". يس: 11.
"إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَ‌بَّهُم بِالْغَيْبِ". الملك: 12.
قول يوسف: "ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ". يوسف: 52.
"وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا" المجادلة: 12.
"وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُ‌هُ وَرُ‌سُلَهُ بِالْغَيْبِ". الحديد: 25.

* المجموعة السادسة: نفي علم الغيب عن الرسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
"قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّـهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ". الأنعام: 50. "وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْ‌تُ مِنَ الْخَيْرِ‌ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ". الأعراف: 188. "لَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ". هود: 31.

* المجموعة السابعة: نفي علم الغيب لرسول إلا بإذن الله تعالى:  "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ‌ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْ‌تَضَىٰ مِن رَّ‌سُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَ‌صَدًا * لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِ‌سَالَاتِ رَ‌بِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا". الجنّ: 26-28.

* المجموعة الثامنة: [الرجم بالغيب] وقد وردت "رَ‌جْمًا بِالْغَيْبِ". الكهف: 22. وفي ذات المعنى: وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ". سبإ: 53.

*المجموعة  التاسعة: [غيابَِت الجُبّ] وقد وردت (2) مرّة.

* المجموعة العاشرة:  [الوعد بالغيب] وهو الوعد بالجنّة. "جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّ‌حْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا". مريم: 61.

* المجموعة الحادية عشرة: [الغيب] ضد الشهادة وقد ورد:
"فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ". الأعراف:7.
"مَا لِيَ لَا أَرَ‌ى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ؟". النمل: 20.
"وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْ‌ضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ". النمل: 75.
"وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ". الانفطار: 16.
"وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ". التكوير: 24.

* المجموعة الثانية عشرة:  التقريع على من يدّعي معرفة الغيب:
"أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ"؟!. الطور: 41، القلم: 47.
"أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَ‌ىٰ"؟!. النجم: 35.

وعند التأمل في القرآن الحكيم نجد أن الخالق تعالى وحده هو من يعلم [الغيب]، وأن النبيين والرسل لا يعلمون الغيب إلا لمن أذن له تعالى، وأن سائر المخلوقات لا يعلمون [الغيب] إلا بأدواته، فـ[للغيب] مستوياتٌ، فقد يكون [الغيب] في الأخبار الماضية [أنباء الغيب] مثل قصة كفالة مريم وقصة السفينة وقصة يوسف، وقد يكون [الغيب] في أمور مستقبلية كـ [الجنةّ]، وقد يكون [الغيب] في الحاضر بحيث يغيب عن شخص ولا يغيب عن شخص آخر. كقوله تعالى: "وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ". التكوير: 24.
وقد تبيّن ان لفظ [الغيب] وهو ضد [الشهادة]، وأيضًا هو السرّ والمستور، ومن صفات المتّقين: "الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَ‌زَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ". البقرة: 3.
وهذا يعني أنهم يؤمنون بـ [الغيب] بحيث يصدّقون وعوده منها [الجنّة] ويصدّقون أنباءهُ وأخباره التي أوردها في كتابه.

بوركتم جميعًا
ولكل مجتهدٍ نصيب


مفهوم [الدّين الحقّ]

[مفهوم الدين الحقّ]

من الجذور الواردة في القرآن الحكيم جذر "دين" حيث ورد هذا الجذر ومشتقاته في 

(26) كلمة، على مجموع (101) مرةً. ويمكن تقسيم هذا الجذر إلى مجموعات 

كالآتي:


المجموعة الأولى: بمعنى (الدَّيْن) وهو التزام طرفٍ لطرفٍ آخر بحقّ ما، 

وقد ورد في (5) كلمات في (8) مرّات كالآتي: بِدَيْنٍ (1)، تَدَايَنتُم (1)، دَيْنٍ (4)، لَمَدِينُونَ 

(1)، مَدِينِينَ (1).

المجموعة الثانية: بمعنى الالتزام بذات أو قانون جدير بالتعظيم والطاعة، وقد ورد 

(19) كلمة في (91) مرّة.

المجموعة الثالثة: بمعنى الجزاء يوم القيامة (يوم الدِّين)، وقد ورد (2) كلمة في 



(16) مرّة.

عند التأمّل في آيات القرآن الحكيم نجد أن لفظ "الدين" يدلّ على الانقياد والالتزام،

 وقد ظهرَ أنّ [الدين] عند الله [الإسلام] قال تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ 

وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَ‌اهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّـهُ إِبْرَ‌اهِيمَ خَلِيلًا". النساء: 

125. ولم يرد في القرآن الكريم جمع لمفردة [الدين] لا ديانات ولا أديان، فدين النبيّين 

واحد قال تعالى: "قُلْ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَ‌اهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ 

وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّ‌بِّهِمْ لَا نُفَرِّ‌قُ بَيْنَ 

أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ‌ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي 

الْآخِرَ‌ةِ مِنَ الْخَاسِرِ‌ينَ". آل عمران: 85.

[و[الدين] الذي جاء به النبيّون هو [دين الحقّ] وما سواه [دين غير الحقّ 

فـ[الدين الخاتم] سيظهر بطريق الإقناع والحُجّة على سائر [الدين] قال تعالى

"هُوَ الَّذِي أَرْ‌سَلَ رَ‌سُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَ‌هُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِ‌هَ 

الْمُشْرِ‌كُونَ". التوبة: 33.

"هُوَ الَّذِي أَرْ‌سَلَ رَ‌سُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَ‌هُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ 


شَهِيدًا". الفتح: 28. "هُوَ الَّذِي أَرْ‌سَلَ رَ‌سُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَ‌هُ عَلَى الدِّينِ

 كُلِّهِ وَلَوْ كَرِ‌هَ الْمُشْرِ‌كُونَ". الصف:9. 

و[الدين الخاتم] يستمدّ أحقيّته على سائر [الدين] من مدى انسجامه مع طبيعة 

الخلق، ومرونته وشموليته، فهو أفضل منهاج ربّاني عالمي قال تعالى: "قُلْ فَأْتُوا 

بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّـهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ". القصص: 49.

ولما كان الظلم والاستبداد بحيث يُخضع بعضُ المستضعَفين لبعض المستبدّين ماليًا 
   
أو اجتماعيًا أو فكريًا فلا بدّ من رفع هذا اللون من الاستبداد بحيث يكون الخضوع لربّ

الإنسان لا للإنسان قال تعالى: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّـهِ 

فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّـهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‌". الأنفال: 39.

بوركتم جميعًا 

ولكل مجتهدٍ نصيب

الثلاثاء، 27 مايو 2014

مفهوم [الدين]

مفهوم الدين

معنى الدّين في اللغة: "هو جنسٌ من الانقياد والذُّل. فالدِّين: الطاعة، يقال دانَ له يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطَاعَ. وقومٌ دِينٌ، أي مُطِيعون منقادون"[1].
فالدين هو قوانين وتعاليم يضعها صاحب السلطان (الربّ أو الملِك)، وعلى الأتباع الانقياد لها والالتزام بها. ويكون جزاؤهم حسْب التزامهم بالتعاليم وإنجاز المطلوب منهم في الدنيا إن كان ملِكًا، أو في الدنيا ويوم الدّين –الجزاء- إن كان صاحب السلطان هو الله تعالى.
والانقياد قد يصاحبه تصديق وإيمان به، وقد يكون خوفًا واستسلامًا. أو إكراهًا. وهذا ما لا يريده ولا يقبله الله تعالى: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"[2].  "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ"[3].أي؛ لَمْ تصدّقوا، ولكن قولوا اسْتَسلمنا من خوف السيف أو تعوُّذاً من القتل، وانْقَدْنا[4]. فلا سلطان لأحد على أفكار الناس واعتقاداتهم قال تعالى: "أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"[5]. "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"[6].
فالدين يماثل الإسلام بمعنى الاستسلام، والإيمان يكون بمعنى الاستسلام مع التصديق، والمطلوب هو الخضوع مع الإيمان، فلا يُقبل خضوع دونما إيمان، ولا يكمُل إيمان دونما خضوع. كما لا يُقبل إيمان بعد فوات الأوان كحال فرعون: "فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ"[7].
والدين في القرآن يأتي على معانٍ:
 1- الطاعة والانقياد:
"وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ"[8]. مُفْردين له العبادة، أو موحِّدين غير مشركين[9].
ويصلح ذلك على الإسلام، وهو الخضوع والانقياد والاستسلام: "وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ"[10]. وفي معرض جدال أهل الكتاب"وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"[11].
"لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"[12]. أي؛ لا إكراه في الانقياد والطاعة ولا إجبار.
"إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ"[13]. أي إن الدّين الصحيح المقبول عند الله تعالى هو ما كان سليمًا غير فاسد ولا محرَّف، فكلّ خضوع لله تعالى غير سليم غير مقبول، وكل خضوع سليم أُريد به غير الله أيضًا غير مقبول.
2- الإخلاص والتوحيد:
"وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ"[14]. قال ابن عباس: أي؛ يُخلَص له التوحيد.
3- التعاليم والرابط العقدي:
"وَطَعْنًا فِي الدِّينِ"[15]. "لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ"[16]. "وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ"[17]." فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ"[18].
4- دين محمد r:
"وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"[19].
سؤال جبريل عليه السلام يؤكّد ذلك: "مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ النبي r: "الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا"[20]. "يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ"[21].
5- النظام الذي يُدان الناس به، أي يعامَلون بقوانينه:
"ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ"[22]."مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ"[23].
6- يوم الجزاء:
"مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ"[24]، "وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ"[25].

الدين في اللغة : مشتق من الفعل الثلاثي (دان) وهو تارة يتعدى بنفسه ، وتارة باللام ، وتارة بالباء .
- إذا تعدى بنفسه (دانه) بمعنى ملكه وساسه .
- إذا تعدى باللام (دان له) بمعنى خضع له.
- إذا تعدى بالباء (دان به) بمعنى اتخذه ديناً ومذهباً.
الدين في الإصطلاح : وأرجح التعريفات أن يقال : هو اعتقاد قداسة ذات ، ومجموعة السلوك الذي يدل على الخضوع لتلك الذات ذلاً وحباً ، رغبةً ورهبةً.


[1] ابن فارس، أحمد بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، بيروت: دار الفكر، 1979م، ص319، ج2.
[2] البقرة: 256.
[3] الحجرات: 14.
[4] الجوزي، عبد الرحمن بن علي، زاد المسير في علم التفسير، ص406، ج5.
[5] يونس: 99
[6] الكهف: 29.
[7] يونس: 90.
[8] الأعراف: 29.
[9] الجوزي، عبد الرحمن بن علي، زاد المسير في علم التفسير، ص469، ج2.
[10] البقرة: 128.
[11] البقرة: 111-112.
[12] البقرة: 256.
[13] آل عمران:19.
[14] البقرة: 193.
[15] النساء: 46.
[16] التوبة: 122.
[17] الأنفال: 72.
[18] التوبة: 11.
[19] المائدة: 3.
[20] البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان حديث رقم: 48، ص87، ج1.
[21] الحجرات: 17.
[22] التوبة: 36.
[23] يوسف: 76.
[24] الفاتحة: 4.
[25] الحجر: 35.