شاءت إرادة الرّبّ أن يخلق البشر وقد اختار منهم [آدم] وجعله مُكرَّمًا ومُنعمًَا ومُعلَّمًا، وأسكنه [الأرض المباركة] ونهاه عن أن يقترب من [الشجرة]، وحذّره من أن يطيع [الشيطان] الذي هو عدوّ له، والذي حصل أن [الشيطان] اكتشف نقاط ضعف [الإنسان] وهي البحث عن "الخلود"، وقد استطاع [الشيطان] خداع [آدم] بأن المحظور منه -الشجرة- هي السبب في "الخلود". فلما خالف [آدم] أمر ربّه انفصل عنه، وأخرجه من [الأرض المباركة] إلى أرض الشقاء.
ثم ندم [آدم] على المعصية فأعطاه الرّبّ [كلمات] وهي مناهج معرفية وآليات عمليّة معيّنة، لأن التوبة ليست تمتمات "فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن
رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ". البقرة: 37. إذ التوبة تتطلب عملاً صالحًا قال تعالى: "إلا من
تاب وآمن وعمل صالحًا". مريم:60.
ثم ندم [آدم] على المعصية فأعطاه الرّبّ [كلمات] وهي مناهج معرفية وآليات عمليّة معيّنة، لأن التوبة ليست تمتمات "فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن
رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ". البقرة: 37. إذ التوبة تتطلب عملاً صالحًا قال تعالى: "إلا من
تاب وآمن وعمل صالحًا". مريم:60.
لكن البشرية بعد فترة تركت هذه المنهجية في زمن [نوح] ورفضتها، حتى حصل الطوفان، ليبرز رجل استطاع
إعادة اكتشاف هذه "الكلمات": "وَإِذِ
ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ
إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي
قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ". البقرة: 124. وهذه "الكلمات" هذه المرة يمكن القول إنها عملية إعادة اكتشاف آلية معرفة الخالق تعالى، فألهم الله
تعالى إبراهيم عليه السلام تلك المنهجية وهداه إلى الأرض الأولى (فلسطين) فبحسب
النظرية فإن إبراهيم عليه السلام حينما
امتلك المنهجية العقلية الكاشفة عن سبب الوجود وأُلهم معرفة الأرض المباركة "وَنَجَّيْنَاهُ
وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ". الأنبياء: 71. وبعدها اكتسب لقب [إمام الناس].
وجاء من ذريّته
إسرائيل عليه السلام ليلعب دورًا بارزًا في تاريخ البشرية، إذ جاء الخطاب القرآني
بالنسبة للأنسال بصيغتين: الأولى: (يا بني آدم) 8 مرات، والآخرة: (يا بني إسرائيل)
41 مرّة.
وليكون لبني
إسرائيل بغض النظر عن كون إسرائيل يعقوب عليه السلام كما هو الراجح،
المفضّلين على العالمين في حلقة تسلسل البشرية إذ جعل الله تعالى فيهم الأنبياء
والملوك، لكن مرّوا بعد ذلك في مرحلة اضطهاد، ليبرز من جديد النبي موسى عليه
السلام.
بالرغم من أن موضع عبادة في الأرض هو الكعبة المباركة "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ
وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا
وَهُدًى
لِّلْعَالَمِينَ". آل عمران: 96. والتي بناها آدم
عليه السلام، إلا أنها ليست مركز البركة. على اعتبار أن الأرض
كل الأرض مباركة
تتوزع فيها البركات. "وَجَعَلَ
فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا
وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً
لِّلسَّائِلِينَ". فصلت:10.
فأخرج موسى بني إسرائيل من
الاضطهاد إلى الأرض المقدسة المباركة.
لذا فقد اكتسبن موسى عليه السلام لقب (هدًى للناس) قال تعالى:
"وَآتَيْنَا
مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا
مِن دُونِي وَكِيلًا". ﴿الإسراء: 2﴾
"وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى
الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي
إِسْرَائِيلَ". ﴿السجدة: 23﴾.
وقد اقترن الهدى
في القرآن الكريم مع موسى أول مرة "قُلْنَا
اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ
فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ". البقرة:
38. "وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ
وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ
هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ". الأعراف: 154. "إِنَّا
أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ".
المائدة:44. "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ". غافر: 53."وَمَا قَدَرُوا
اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن
شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ". الأنعام: 91.
فموسى
عليه السلام وبنو إسرائيل معه ورثوا الكتاب، وورثوا من بعده الأرض المباركة. قال
تعالى: "وَأَوْرَثْنَا
الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا
الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي
إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ
وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴿الأعراف: ١٣٧﴾
"لكن
هذه الأرض لا يستحقها على الدوام إلا الصالحون قال تعالى: "وَلَقَدْ
كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا
عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ". الأنبياء: 105.
لكن الله تعالى
قد أعطى المفسدين من بني إسرائيل إمهاليْن: الإمهال الأول والثاني لبني إسرائيل
المفسدين ومتوقف على قاعدة: [إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها] وقاعدة:
[وإن عدتم عدنا].
ثم بعد ذلك
ونتيجة لفساد مبدأ المادية جاءت فلسفة المثالية حيث برز المسيح عيسى ابن مريم
عليهما السلام قال تعالى: "إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ
وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا
لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ". الزخرف: 59. حيث اكتسب عيسى عليه السلام [مثلاً لبني إسرائيل].
ولما فشا في بني
إسرائيل الفساد، فصاروا ظلمة بعد إذ كانوا مضطهدين، نالهم الإخراج من الأرض
أشتاتًا.
إن اصطفاء الله
تعالى بني إسرائيل من بين العالمين لم يمنع فيهم الفساد، كما أن خلق بني آدم يغلب
عليهم نزعة الشر، وهذا ما قرره القرآن الكريم في أن أكثر الناس لا يؤمنون، فكان
بنو إسرائيل نموذج لطغيان فساد المادية.
فرسالة المسيح عيسى ابنمريم عليه أراد أن يعيد البشرية إلى عهدها الأول بأن يُبيّن أن [الخلود] والمُلك لا يكون بالمادّيات، وأن الأرض المقدسة ليس أرضية بل هي روحية سماوية.
بوركتم جميعًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق