الاثنين، 5 مايو 2014

مفهوم المشيئة الإلهية الهداية والضلالة


مفهوم المشيئة الإلهية

الهداية والضلالة


لمّا كان [الخلق] جميعهم لا يخرجون عن إحاطة [الخالق] 

تعالى وعِلمه، فإن ما يعمله [المخلوق] أو يعلمه أو يفعله 

لا يكون إلا ضمن تلك الدائرة، فتكون المحصلة النهائية واقعة تحت [المشيئة] 

الربّانية، "وَمَا تشاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا". ﴿الإنسان: 

30﴾، "وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ". ﴿التكوير: 29﴾.

ومشيئة [الخالق] تعالى خاضعة لمعاييره، و[الخلق] يسير وفقها، فلا يغيب عن 

علمه شيء، ولا يكون شيء دون إرادته تعالى، وإرادات [الإنسان] محكومة 

بالخيارات المطروحة كلُّ بحسبه، والمسئولية إنما تكون وفق هذه الاختيارات 

المتاحات. قال تعالى: "لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا 

اكْتَسَبَتْ". ﴿البقرة: 286﴾.

ولما خلق [الخالقُ] تعالى [الإنسانَ] وكوّن فيه حرّيّة الإرادة والاختيار، وأعطاه 

[الهُدى]، مع علمه تعالى المسبق بمآلات الأمور، فإن [الإنسان] إما أن يسير 

وينسجم مع النظام الرباني، أو يشاكسه.

يقدّم القرآن الكريم نظرّية تقرّر أن كل حركة وتفاعل لا يكون إلا في حدود [المشيئة] 

وهي في علم [الخالق] تعالى الذي أودع فيه النظم والسنن والقوانين، وأن [الإنسان] 

يواجه خيارات وهو مُصمَّم على حرّية الخيار، وفي الوقت ذاته مسئول عن اختياره 

الحرّ العاري عن الإكراه والإجبار.

ومما يقدّمه القرآن الكريم أن [الإنسان] لاعب أساسي في معادلة [المشيئة] فهو 

مؤثر في تلك السنن والقوانين إيجابًا أو سلبًا، فالتغيير الخارجي لا يحصل إلا إذا 

سبقه تغيير داخلي، قال تعالى: "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ 

أَمْرِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّـهُ بِقَوْمٍ سُوءًا 

فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ﴿الرعد: 11﴾. وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا 

إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ". ﴿محمد: 7﴾.


وتغيير النعم نقمًا أو النقم نعمًا لا يكون إلا وفق اختيارات [الإنسان] الحرّة، قال -

تعالى: "ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ 

وَأَنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ". ﴿الأنفال: 53﴾، وقال تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ 

اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ". ﴿إبراهيم: 28﴾.

لذا فالآيات الكريمات يضحُ فيها تأثير اختيارات [الإنسان] الحرّة في السنن 

والقوانين، فهو ليس مجرّد ألعوبة تحرّكه الرياح حيث تشاء. كالريشة في مهب الريح!


وأما بخصوص الهداية والضلالة، فيقرّر القرآن الكريم أن المحصلّة النهائية عائدة 

إلى [الخالق] من حيث النتيجة لا من حيث الدافع. فالمحصلة -[المشيئة]- يدخل -

ضمنها أن [الخالق] تعالى ((يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء)). قال تعالى:


"
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّ‌بِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّـهَ يُضلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي 

إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ". ﴿الرعد: 27﴾، وقال تعالى:

لكنه تعالى يقصد هداية بعض [الخلق] المستعدّين وهذا هو الأصل لا إضلال الجميع 

قال تعالى: "يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِ‌هِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِ‌بُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ 

عَلِيمٌ". ﴿النور: 35﴾

"
وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَ‌اطٍ مُّسْتَقِيمٍ". ﴿النور: 46﴾

"
وَاللَّـهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ‌ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَ‌اطٍ مُّسْتَقِيمٍ". ﴿يونس: 25﴾

"
اللَّـهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ". ﴿الشورى: 13﴾.

"
يَهْدِي بِهِ اللَّـهُ مَنِ اتَّبَعَ رِ‌ضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِ‌جُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ‌ 

بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَ‌اطٍ مُّسْتَقِيمٍ". ﴿المائدة: 16﴾

"
فَمَن يُرِ‌دِ اللَّـهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَ‌حْ صَدْرَ‌هُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِ‌دْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ 

صَدْرَ‌هُ ضَيِّقًا حَرَ‌جًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّـهُ الرِّ‌جْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا 

يُؤْمِنُونَ". ﴿الأنعام: 125﴾.

ومهمة النبيين عليهم السلام كرسل عن [الخالق] تعالى إلى [الخلق] هي محاولة 

هداية من استعدّ للهداية، قال تعالى:

"
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ". ﴿

القصص: 56﴾

"إِن تَحْرِ‌صْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِ‌ينَ". ﴿

النحل: 37﴾

"
وَمَن يُرِدِ اللَّـهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّـهُ أَن 

يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ". ﴿المائدة: 41﴾

"
وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّـهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ 

وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ". ﴿هود: 34﴾

فمن استعدّ من [الخلق] للهداية شُرح صدرُه، ومن لم يستعد ضيّق صدرُه، فالهداية 

لا تتأتى للقوم الكافرين، أو الظالمين، أو الفاسقين، أو الكذابين الكفّارين، أو 

المسرفين.

قال تعالى:

"
وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِ‌ينَ". ﴿البقرة: 264﴾، ﴿التوبة: 37﴾

"
وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِ‌ينَ". ﴿النحل: 107﴾

"
إنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِ‌ينَ". ﴿المائدة: 67﴾

"
وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". ﴿البقرة: 258﴾، ﴿آل عمران: 86﴾، ﴿التوبة: 

19﴾، ﴿التوبة: 109﴾، ﴿الصف: 7﴾، ﴿الجمعة: 5﴾،

"
إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". ﴿المائدة: 51﴾، ﴿القصص: 50﴾، ﴿الأحقاف:

 10﴾

"
وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ". ﴿المائدة: 108﴾، ﴿التوبة: 24﴾، ﴿التوبة: 

80﴾، ﴿الصف: ٥﴾

"
إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ". ﴿المنافقون: 6﴾

"
إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ‌". ﴿الزمر: 3﴾

"
إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِ‌فٌ كَذَّابٌ". ﴿غافر: 28﴾

"
وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ". ﴿يوسف: 52﴾

"
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّـهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ". ﴿النحل: 104﴾

"
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُ‌وا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُ‌وا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرً‌ا لَّمْ يَكُنِ اللَّـهُ لِيَغْفِرَ‌ 

لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا". ﴿النساء: 137﴾

"
كَيْفَ يَهْدِي اللَّـهُ قَوْمًا كَفَرُ‌وا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّ‌سُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ 

وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". ﴿آل عمران: 86﴾

"
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّـهُ لِيَغْفِرَ‌ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِ‌يقًا". ﴿النساء: 

168﴾.

بوركتم جميعًا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق