الأسماء التي تعلّمها آدم عليه السلام
قال تعالى: "وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ". البقرة: 31.
واتباعًا لفهم القرآن بالقرآن فقد ورد لفظ "أسماء" في القرآن المجيد عند الحديث عن "أسماء الله الحسنى"، وعند الكلام عن "الأصنام والمعبودات من دون الله تعالى"، فيُرجّح أن تكون تلكم الأسماء هي أسماء الله الحسنى "العروة الوثقى"، وأسماء المعبودات من دون الخالق تعالى "الطاغوت". قال تعالى: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ". البقرة: 256.
لذا فقد تعلّم آدم عليه السلام سبيل [الخالق] تعالى، وعرَف سبيل [ما دون الخالق] حتى يقوم بوظيفته المناط بها، فلا بدّ من معرفة الخير والشرور، والإيجابيات والسلبيات، فيبني على الإيجاب ويتجاوز ويحذر من السلبي.
لذا فـ "الأسماء" التي تعلّمها [آدم] كانت "كلها" وهذا لا يعني الاستغراق، بل يفيد تعلّم كلّ "الأسماء" المعروضة، وقد تعلّمها تمام التعلّم وكمال المعرفة.
قال تعالى : "وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ". البقرة: 31-32.
فـ[آدم] عرف كل الأسماء المعروضة "الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا" حيث عُرضت عليه كلّها، بينما الملائكة لم تعرف الأسماء التي عرضت عليها وهي بعضها وهي "بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ".
وهذه الأسماء هي التعريفات المتعلّقة بالطاغوت.
وما بعد [آدم] عليه السلام اتجهت بعض أجيال البشر نحو الطاغوت. فقد ذكر القرآن الكريم معاناة نوح عليه السلام حيث ورد أكثر ذكر لتلك المعبودات.
قال تعالى: "وقالوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا". نوح: 23.
وبعد فترة من الزمان اكتشف إبراهيم عليه السلام منظومة الأسماء الحسنى (العروة الوثقى) من جديد. وهو يمثل مرحلة [الرشد] للبشرية. قال تعالى:
"وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ". الأنبياء: 51.
فثمّة فرق بين التعليم والتلقين كآدم عليه السلام وبين البحث والتحقيق كإبراهيم عليه السلام، وفرق بين الإيمان المجرّد وبين الإيمان المؤيّد.
لذا يمكن القول إن الناس بين مستويين:
الأول: مَن هو في مرحلة التعليم فهو بحاجة إلى من يُعطيه ويُلقّنه. (طفولة).
الثاني: مَن هو في مرحلة الرشد فهو يبحث ويعمل للوصول إلى المنفعة والحقيقة. (الرشد).
فالأسماء هي أسماء الله وأسماء ما دون الله [الأصنام/الطواغيت]، يعني المعرفة التي يميّز بها [الإنسان] ما بين هو حق وبين ما هو باطل، ومعيار الحق يكون من صاحب [الخلق] قال تعالى:
"هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّـهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ فَتَعَالَى اللَّـهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ * وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمْ ۚ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ". الأعراف: 189-193.
فإبراهيم عليه السلام اكتشف الأسماء مجدَدًا من خلال رحلته في البحث عن [الخالق]. وقد عبّر القرآن الكريم عن الأصنام بصيغة العاقل:
"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ". إبراهيم: 35-36.
قد تثور إشكالات كالآتي:
إشكال: كيف يتمّ سؤال واختبار من ليس عنده علم؟ وتقديم من تمّ تعليمه على من لم يتم تعليمه، بحيث لم يعطَ الطرفان فرصة التعلّم؟؟!!فالربّ تعالى علّم [آدم] ولم يعلّم [الملائكة] فكيف صحّ أن يختبرهم فيما لا يعلمون؟!!!
الجواب: المقام كان في إظهار عجز الملائكة عن معرفة الأشياء دون تعليم أو إخبار، فما توقّعوه من أن الخليفة الجديد ليس لائقًا لهذا هو محض تخرّص منهم. لذا سارعوا بقولهم فيما لا يعلمون: "قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ". البقرة: 32.
إشكال آخر: إذا كان إبليس من الملائكة فكيف له أن يعرف الطواغيت بل يوحي إلى الإنسان بعبادتها؟
الجواب: إن إبليس لما طُرد من الرحمة استعرّ واشطنّ فصار مصدر الشرور وملهمها.
بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق