الأربعاء، 30 ديسمبر 2015

"الأنا" و"الآخر" المواقف والعلاقات بين الأصالة والحداثة



"الأنا" و"الآخر" المواقف والعلاقات بين الأصالة والحداثة
إعداد: إياد محمد أبو ربيع

تشكل المرحلة الراهنة في التاريخ العربي الإسلامي درجة بالغة الأهمية، لاسيما وأن الحضارة الإنسانية قد صعدت درجات كثيرة في سلّم الترقي والتحضر، وقفزت قفزات هائلة عن التحديات والأزمات، بينما ظل الطموح يراود أرباب التحضر العربي، وبقيت الخواطر تعصف في أذهانهم، فهناك فجوة عميقة طويلة وعريضة، يصعب رأبها إذ اتسعت على الراقع.

أرباب الحضارة الإنسانية في الوقت الراهن هم "الآخر"، وقد كان منذ فترة أربابها "أنا" أو "نحن" كصيغة تعظيم، ولسنا نحاول في هذا الصدد أن نجيب عن التساؤل لماذا هذا التراجع والتقهقر، ولكننا من محاولة فهمنا لماذا هذا التقدم لـ"لآخر"، ستُتاح لنا إجابة أشمل وأوفى.

مما لا ريب فيه أن العالم اليوم يقترب أكثر مكانًا واتصالاً وإنسانًا، بحُكم العولمة، وهذا يعني أن الناس سيشكلون خليطًا فسيفسائيًا، تتداخل فيه الثقافات والعادات والديانات واللغات، وهذا قد يضر بالشخصية الذاتية لكل ثقافة، ويُشعر بالخوف من الذوبان، أو الاندماج، وربما يقود إلى مزيد تقوقع على الذات، وهذا الأخير يؤدي إلى التخلف؛ لأن الاحتكاك مع "الآخر" يعرّف "الأنا" على ما ينفعه وما يضرّه.
إن المرجو من هذه السيرورة أن يكون الخليط متجانسًا يفعّل الطاقات، ويُفرز الابتكارات والمخترعات، وهذا الرجاء والأمل لا يكون إلا ضمن أُطر عامة محددة تحكم هذا النمط العالمي الجديد "العولمة"، وإلا كان المصير انفجار بشري هائل يقضي على الجميع.

وبما أن "الأنا" ضمن المجموعة البشرية –بغض النظر عن موقعها الحضاري الفعلي- وتزعم أن لديها رسالة حضارية للإنسانية، إذ ترى في نفسها أنها خير أمة أُخرجت للبشرية، وهذا بقي على الأقل حتى اللحظة محض ادعاء، وليس له مكان متقدمًا في الخارطة الحضارية الإنسانية.

وليس من نافل القول إن "الأنا" العربي المسلم ليست كيانًا واحدًا ولا فكرًا محدّدًا، فـ"الأنا" اليوم مجموعة من الكواكب تدور حول شمس المركز (القرآن)، وهذا يجعل كلمتها متفرقة، وطاقاتها متفككة، مما يعيق حركة بنائها فضلاً عن بناء البشرية، لكن ضمن هذه الكواكب ظهرت كواكب وُجد فيها "ماء الحياة" إصلاحية، تَصلح أن تكون نواة جيدة للارتقاء بسائر الكواكب، إذا بذرت في تربة خصبة، وتهيئت لها أسباب النجاح، وأخذت زمام المبادرة وانطلقت.

هذه النواة من المفكرين الإصلاحيين عبر التاريخ الإسلامي العربي، استطاعت إلى حد ما، أن تُعطي صورة واضحة عن "الأنا" الواقعية، و منحت قراءةً تقييمية للـ"آخر". وحاولت التوفيق مع "الآخر" بغرض التلاقح الفكري بُغية توزيع الإنتاجية الحضارية على البشرية بشكل عادل وفاعل.
لكن هذه المحاولات بقيت ضعيفة وقليلة، خصوصًا أن المحيط العام والفكر السائد في معظمه يغرف من معين الماضي، وينظر إلى "الآخر" على أنه حسود حقود، وأنه أخطر عليه من النسور والأسُود. ساعد على ذلك بروز الاستعمار وأدواته، وبرهن على صحة نظريته الغطرسة الإمبريالية.
وهذا الاندفاع الإمبريالي والجشع والطمع، هو الذي حال دون توفر حالة التعايش السلمي، وزرع بذور الخلافات، وما يُسمى بـ "صراع الحضارات"، وما تشهده الإنسانية اليوم حصاد ذلك كله.

لكن من قناعتنا من أن الإنسان هو الذي يصنع تاريخه، وليس عجلة التاريخ مَن تتحكم فيه، فينبغي أن نعيد الأمور إلى نصابها، فنتفهّم واقع "الأنا" بمستوياتها، ومكانة "الآخر"، كي يصبح الحلم حقيقة، والطموح واقعًا، نحو حضارة إنسانية متعايشة.

وتشكل هذه الدراسة مشاركة في بناء هذا الطموح، فهي تتناول بالدراسة والفحص علاقة "الأنا" بـ"الآخر" الداخلي، وكذلك بـ"الآخر" الخارجي، وقياس درجة التوتر بينها أو الاستقرار، والسبل التي ينبغي توفرها في سبيل بناء حضارة متوافقة لا عدائية.

بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

خلفاء الأرض لا خلفاء الله تعالى




ورد الجدر (خلف) في القرآن الكريم في (64) كلمةً على مجموع تكرار (127) مرّة. على النحو الآتي:
أَخْلَفُوا (1)، أَخْلَفْنَا (1)، أُخَالِفَكُم (1)، اخْتَلَفَ (2)، اخْتَلَفُوا (9)، اخْتَلَفْتُم (1)، اخْتِلاَفًا (1)، اخْتِلاَفُ (1)، اخْتِلاَفِ (1)، اخْلُفْنِي (1)، اسْتَخْلَفَ (1)، الْخَالِفِينَ (1)، الْخَوَالِفِ (2)، الْمُخَلَّفُونَ (3)، تَخْتَلِفُونَ (6)، تُخْلَفَهُ (1)، تُخْلِفُ (1)، خَلاَئِفَ (4) خَلَفْتُمُونِي (1)، خَلِيفَةً (2)، خَلْفٌ (2)، خَلْفَكَ (1)، خَلْفَكُم (1)، خَلْفَنَا (1)، خَلْفَهَا (1)، خَلْفَهُم (7)، خَلْفِهِ (4)، خَلْفِهِم (5)، خُلَفَاءَ (3)، خُلِّفُوا (1)، خِلاَفٍ (4)، خِلاَفَ (1)، خِلاَفَكَ (1)، خِلْفَةً (1)، فَأَخْلَفْتُكُم (1)، فَأَخْلَفْتُم (1)، فَاخْتَلَفَ (2)، فَاخْتَلَفُوا (1)، فَاخْتُلِفَ (2)، فَخَلَفَ (2)، لاَخْتَلَفْتُم (1)، لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم (1)، لِلْمُخَلَّفِينَ (1)، مُخْتَلِفًا (4)، مُخْتَلِفٌ (3)، مُخْتَلِفٍ (1)، مُخْتَلِفُونَ (1)، مُخْتَلِفِينَ (1)، مُخْلِفَ (1)، مُسْتَخْلَفِينَ (1)، نُخْلِفُهُ (1) وَاخْتَلَفُوا (1)، وَاخْتِلاَفُ (1)، وَاخْتِلاَفِ (3)، وَيَسْتَخْلِف (1)، وَيَسْتَخْلِفَكُم (1)، وَيَسْتَخْلِفُ (1)، يَتَخَلَّفُوا (1)، يَخْتَلِفُونَ (10)، يَخْلُفُونَ (1)، يُخَالِفُونَ (1)، يُخْلِفَ (2)، يُخْلِفُ (4)، يُخْلِفُهُ (1).


وما يهمنا الآن هو دلالة مصطلح خليفة (2) وجمعها خلائف (4) وخلفاء (3). 
فالإنسان خليفة في الأرض بعد أن أهلك الله تعالى الخلق المُفسد السفّاك للدماء وهو السابق على خلق آدم عليه السلام.
فنحن ((خلفاء في الأرض)) لمن سبقنا لا "خلفاء الله في الأرض". فالخلافة تكون على مكان وتكون استبدالاً لأقوام.
قال تعالى: 
"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ [فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً] قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ". البقرة: 30.
"وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ". الأنعام: 133.

"وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ] كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ". النور: 55.

ونحن خلفاء الأرض قال تعالى:
"أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ [خُلَفَاءَ الْأَرْضِ] أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ". النمل: 62.

لذا فإن مصطلح "خلفاء الله في الأرض" لا يصحّ، ولا يحقّ لأيّ شخص أو مذهب أو حزب أو تنظيم الزعم بأنه "خليفة الله في الأرض"، أما مصطلح "خليفة المسلمين" للدلالة على منصب رئيس المسلمين فهو مصطلح تاريخي، والألقاب والمسميّات ليس لها قداسة، والأوْلى بالمسلمين أن يأخذوا بأسباب التقدّم والتحضّر، بدل تغنّي بعضهم بالشعارات واستحضار اللافتات التاريخية كـ"الخلافة". 
إن شباب الأمة الواعي بحاجة إلى حقائق الأشياء لا الشعارات واللافتات.

بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

العنف في الكتب الإلهية نظرة مقاصدية



العنف في الكتب الإلهية نظرة مقاصدية
لا يمكن غض الطرف عن وجود العنف في الكتب الآلهية (التوراة/الأنجيل/ القرآن) مع الإقرار بوجود تفاوت في حجم هذا العنف بين هـذه الكتب، مهما يكن فإن الفريق المنكر لوجود مستويات من العنف في الكتب الإلهية إنما مثلهم كمثل من يغطي عينيه والشمس في رابعة النهار، والفريق الذي ينزع إلى الرمزية في تفسير النصوص يضرب سياق النص بهدف تجميل النص.
وفي المقابل يرى فريق أن النصوص الإلهية تدعو أو تبرّر العنف على مستوى أقل وهو الإنجيل، فهذه الكتب من وجهة نظر هذا الفريق دمّرت الحضارة وأفسدت الإنسانية، فلا حاجة لنا لهذه الكتب بل علينا بالعلوم والمعارف، ولنترك "المنابر" إلى "المخابر".

في ظل هذه الآراء المتباينة يجد فريق قليل العدد كبير التأثير هذه النصوص التي يحوي في طياتها العنف مادة خصبة لتبرير إجرامه وطغيانه. وهذا ليس محصورًا في دين دون دين، فظاهرة "داعش" تبرز في كل ديانة حينما يفقد الأتباع البوصلة في فهم النصوص، ويغذيها بالإضافة إلى الجهل الشعور بالظلم والاضطهاد فتكون الممارسات والمآلات كارثية على المخالفين لهم.

سآلني البعض هل الله تعالى "صاحب مزاج"؟ هل الربّ يُغيّر منهجه من سلم إلى حرب؟
الفكرة التي أنطلق منها هي أن القيَم في ذاتها ليست مطلقة بل هي نسبية، فالعنف التي يدعو الله/الرب إليه في زمن موسى أو يوشع عليهما السلام هو في ذات الوقت رحمة بالمقارنة مع ممارسات الامبروطوريات في ذلك الوقت، حيث التحريق وقطع الأشلاء واغتصاب النساء...ومثله يقال في ممارسات الرسول النبي محمد واستخدام العنف مع "الأعداء" وليس "المخالفين"، فهو عنف وفي ذات الوقت هو رحمة نسبية في ذاك العصر.
لذا فمن الخطأ المنهجي سحب ظروف الماضي إلى العصر الحاضر ومحاكماتها وفق الأعراف الحالية والقيَم التي توصلت إليها الإنسانية اليوم.

كما أن الخطاب والتوجيه الرباني يناسب عصر التنزيل وظروفه ويعالج القضايا "عمليًا"٫ فقيمة الرحمة تتطوّر وتأخذ عدة أطوار، فالقاتل مثلاً يُقتل هو فقط ولا يُقتل جميع عشيرته، وهذا عنف مصطبغ بالرحمة، لكنه أكثر رحمة إذا ما قارناه مع قتل القاتل وعشيرته. ولكنه في ذات الوقت يكون رحمة نسبية أقل إذا ما قارناه مع حبس القاتل وحده دون قتله. فهذا سيغدو أكثر رحمة من العقوبة التي سبق ذكرها. لذا فالقيَم تتقدم بفعل "الوعي الإنساني" القائم على ملكة "التفكير السليم" وهي لبّ رسالة الإسلام ومحورها.
لذا لا ينبغي للبشرية في رقيّها أن تتعدى حدود الله بمعنى عليها ألا تنزل عن المستوى التي وصلت إليه، فالقيَم تتقدم، والنصوص في جميع الكتب الإلهية ظرفية باستثناء النصوص ذات البعد القيَمي بالأخص (الإنجيل/ وبعض نصوص القرآن). في ظل تقدم القيَم (المتحركة) وظرفية النصوص (الساكنة) تحصل الفجوة وتتباعد، فالتمسك بالنص الظرفي يجعلنا في دائرة التعدي على حدود الله، لذا ينبغي مواكبة هذا التقدم في القيَم. وعدم النزول عن الحدّ الذي وصلت إليه.

ومن ينظر في النصوص ككل، يرى أن العنف أكثر حضورًا في التوراة، ويكاد يكون معدمًا في الإنجيل، أما في القرآن المجيد فإن نصوصه تمزج العنف باللطف لكن ترجّح كفة اللطف. "وأن تعفوا هو خير لكم" وغيرها الكثير من الآيات.

نلاحظ أن القرآن الكريم في العهد المكي سلك خطة اللطف (اللاعنف) لكن في العهد المدني (حيث السلطة) زاوج ما بين العنف/ اللطف مع ترجيح الأخيرة تمامًا كالتوراة العهد القديم -العنف- والإنجيل -اللطف. فالقرآن الكريم رجع خطوات إلى الخلف (التوراة- شريعة موسى (العين بالعين) لأخذ الدروس والعبر، تلك الخطوات بهدف التقدم إلى الإمام (القيِم)، لكن ما حصل في ظل غياب الفهم الكلي لرسالة الله تعالى جعل معظم المسلمين يرجعون إلى تلكم الخطوات إلى الخلف لكنهم للأسف بقوا فيها في (التاريخ/ الماضي) وكأنما أصابتهم حالة تكلّس وتجمّد. والسبب في هذا من وجهة نظري هو اختراع الفقهاء مصطلح "النسخ" الذي هو يقضي أن آيات العنف تلغي آيات اللطف في كلا العهدين المكي والمدني، بمعنى أن القرآن صار في النهاية كالتوراة!! وفيما يخص المسيحيين فإن سيطرة فهم الكنسية أكبر من نصوص الإنجيل نفسه. وفي يخص اليهود هو ولعهم بتاريخ الشعب المختار واستحضارهم المستمر للماضي وسلخ سياقات وظروفه. ورفضهم المسيح عيسى عليه السلام الذي جاء بالقيَم.

أخيرًا.. أقول إن العنف بمستوياته في القرآن المجيد أو التوراة إنما هو معالجة لظروف التنزيل، وأن القيَم ليست مطلقة. وأن الرسالة الأخيرة تحض الإنسان على التفكير السليم لتطوير هذه القيَم وأخذ الدروس من التاريخ القديم والمعاصر، وتحثّه على عدم النزول عن مستوى القيَم التي توصّلت إليه.

إن المشكلة الأساسية هي في عدم الفهم الكلي للرسالات، والتطبيقات الناتجة عن هذا الفهم، واختراع مفاهيم تغطي على الفهم السليم كمصطلح "النسخ" عند عموم المسلمين. وسيطرة التاريخ على الفكر اليهودي ورفضهم تعاليم المسيح عليه السلام، وسلطة الكهنوت والكنسية على الفكر المسيحي. أظن بهذا الفهم يمكن تفسير ظاهرة "داعش" وأجدادها وأحفادها وأخواتها في كل الديانات. لذا فليس جديرًا بالمؤمنين انتقاء آيات اللطف وإنكار آيات العنف، أو تجميل نصوص العنف بأدوات التجميل "الرمزية". وعلى القائلين بأن النصوص هي سبب هذه الويلات والحروب والآلام أن ينظروا أكثر، فالنص القرآني من وجهة نظري في النهاية هو أحد المصادر التي ترفد البشرية بالقيَم، إذا ما اتبعنا المنهج المقاصدي على نحو ما ذكرت. وأدعو إليه.

شكرًا




بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

الأرض المقدسة




يصارع المسلمون واليهود ومن ورائهم المسيحيون حول أحقية الأرض المقدسة. وبعيدًا عن التراث وتقيّدًا بالنصوص "الإلهية" فاليهود يعتقدون بأحقية الأرض المقدسة حصرًا لهم. وهذا فهم مغلوط وقراءة انتقائية إذ أنهم يأخذون بنص: "في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقا قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات". (التكوين: 15: 18). ويغفلون عن نص غاية في الأهمية وهو: "وَيَكُونُ أَنَّكُمْ تَقْسِمُونَهَا بِالْقُرْعَةِ لَكُمْ وَلِلْغُرَبَاءِ الْمُتَغَرِّبِينَ فِي وَسْطِكُمُ الَّذِينَ يَلِدُونَ بَنِينَ فِي وَسْطِكُمْ، فَيَكُونُونَ لَكُمْ كَالْوَطَنِيِّينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. يُقَاسِمُونَكُمُ الْمِيرَاثَ فِي وَسْطِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ.
وَيَكُونُ أَنَّهُ فِي السِّبْطِ الَّذِي فِيهِ يَتَغَرَّبُ غَرِيبٌ هُنَاكَ تُعْطُونَهُ مِيرَاثَهُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ".
(حزقيال: 47: 22-24).
فالقراءة الكلية وجمعًا بين النصوص نجد أن النص الأول يعطي لهم الأحقية،والنص الثاني ينفي عنهم الحصرية ويدعو إلى المشاركة مع "الغرباء". لذا فتسقط مقولة حصرية الأرض المقدسة وخصوصيتها لليهود.


فمعظم اليهود تمامًا كمعظم المسلمين لديهم إشكالية التراث. وإشكالية الإنتقائية لو رجعوا إلى النص "الإلهي"!!

أما المسلمون فيعتقد معظمهم أن الأرض المقدسة كانت حقًا لليهود لما كانوا ملتزمين بالميثاق. أما وقد نكثوا العهود ونقضوا العقود فقد خسروا هذا الامتياز. فلا حق لهم اليوم في الأرض المقدسة. "يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ". المائدة: 21.

ومهما يكن فإن هذا الفهم غير سليم من وجهة نظري بل هو أيضًا انتقائية، إذ القرآن الكريم يقرر أن:
الأرض يرثها الصديقون والودعاء والصالحون.
"قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّـهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّـهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ الأعراف: 128.
"وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ". الأنبياء: 105.
فالأرض لله تعالى والعاقبة للصالحون والصلاح لا يتوقف على الأيمان بل يعتمد أكثر على الأعمال الإنسانية والقيَم والعدالة.
لذا فالقرآن تمامًا يتقاطع مع النص التوراتي إذ ينفي حصرية الأرض لأي طرف على أساس ديني. بل الأرض هي لله تعالى ويورثها عباده "الصالحين".

أما بخصوص المسيحيين فإنهم يعانون من ذات الإشكاليات: سلطة التراث على النص "الإلهي" وإشكالية القراءة الانتقائية. فإن المسيح عليه السلام جاء بتعاليم روحية وقيَمية. ولم يُعظّم المكان بل الإنسان. فالأرض بالأساس صالحة. والإنسان هو من يزيدها صلاحًا أو يفسدها. فغاية ومقصد تعاليم المسيح عليه السلام هو الإنسان وليس المكان. وهذا يتفق تمامًا مع المنهج المقاصدي في القرآن المجيد.

لذا فإن أحد أهم جذور الصراع في فلسطين ذو طابع ديني بالإضافة إلى مطامع السيطرة على المنطقة، فإذا ما تم حلّ المعضلة في التفكير الديني عند أتباع الديانات "التوحيدية" فإن ذلك من شأنه التوجه نحو التنافس على الصلاح، وحبّ الإنسان لا على الفساد وتدمير الإنسان.



بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

التاريخ النضالي لا يُبرّر الخطايا



التاريخ النضالي لا يُبرّر الخطايا
فضلُ أحدهم في معركة فاصلة مع عدو لا يُبرّر له ارتكاب الخطايا أو المسامحة وعدم المحاسبة، ومن أبرز التشريعات لتبرير هذا النوع من الأغلوطات هو رواية عدّوها في الصحيح!! وهي "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم". في حق الصحابي "حاطب بن أبي بلتعة" وقد كتب رسالة سرّية إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حاطب ما هذا؟ فكان الردّ: لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ ملصقًا في قريش قال سفيان كان حليفًا لهم ولم يكن من أنفسها أكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدًا يحمون بها قرابتي ولم أفعله كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق. فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق.
فقال: "إنه قد شهد بدرًا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"!!
فأنزل الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء". الممتحنة: 1.


لستُ أرى هذه الرواية إلا تبريرًا لخطايا لمن تمّ تصنيفهم بـ "الرعيل الأول" أو "ذوي التاريخ النضالي"، وكم عانيتُ سواء في المساجد أو الجامعات وما زلتُ من هذه النوعيات، وتعليقًا على الرواية فإن الصحابي حاطب بن أبي بلتعة وإن كانت خطته لم تتحقق كونها اكتشفت سريعًا، إلا أن فعله يعدّ خيانةً وتبريرها لا يكفي.
لكن انتبهوا...

ما تقوّلوه على الرسول النبي عليه الصلاة والسلام:
"لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم".
وانظر إلى قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء". الممتحنة: 1.

وبعد ذلك انظر إلى قول شرّاح الرواية: قال العلماء: معناه الغفران لهم في الآخرة! وإلا فإن توجّه على أحد منهم حدّ أو غيره أقيم عليه في الدنيا. ونقل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحدّ، وأقامه عمر على بعضهم. قال: وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مسطحًا الحدّ وكان بدريًا.

أقول صحيح إقامة الحدّ فيما لو أصابه أحد من الصحابة، لكن ليس في الرواية ما يفيد أن (الغفران لهم في الآخرة). لأن ما فعله الصحابي حاطب بن أبي بلتعة يستوجب العقوبة ولو مخففة، ولو لم تحصل المفسدة لاكتشافها، وأسوأ ما في الرواية هو التأسيس لتبريرات لذوي التاريخ النضالي، والأسوأ هو عدم التفريق بين المعاصي المتعلقة بحقوق الله تعالى والمعاصي المتعلقة بحقوق العباد، وهذه لا يغفرها الله تعالى إلا بعد غفران المظلومين، فحقّ الله تعالى قائم على المسامحة وحقوق العباد قائمة على المشاححة.

فما تورنَه من تخبّط في الحركات "الإسلامية" ناتج من أزمة فهم، وقائم على مصالح ذاتية فوق اعتبار أيّ قيَم.

بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدِ نصيبٌ

انتكاسة الإنسانية (6)



انتكاسة الإنسانية (6)
من الانتكاسات سوء الإدارة،خصوصًافي المجتمع العربي هناك أزمة إدارة في كل الدوائر. تبدأ من الأسرة إلى المدرسة والمسجد والنادي ومراكز الشرطة والمحاكم والجامعات ومؤسسات الدولة حتى الرئاسة.

من هذه المشاكل:


1- المجتمع الذكوري: الذي يجعل للذكر أفضلية على الأنثى لمجرّد أنه ذكر.
2- المجتمع الأبوي: الذي يجعل للسنّ والعمر سلطة أكبر من الأصغر لمجرّد أنه أكبر سنًّا.
3- المجتمع الصامت: الذي يرى الأخطاء والخطايا فيسكت عنها حفاظًا على مكانته.
4- المجتمع المقلد: الذي يقلّد الأساليب ولا يكتفي بهذا بل يقتل الإبداع ويعزل المبدعين.
5- المجتمع الحزبي: الذي ينحاز إلى حزبه في كل حال وإن كان مخطئًا. ومثله المجتمع القبلي.

هذه هي حقيقة المجتمع العربي بشكل عامّ، ولا مخرج إلا إذا قدّمنا الخبرة على السنّ والجندر، وقدّمنا الحق على القبيلة والحزب، وشجّعنا الإبداع ونبذنا التقليد. هذه الإشكاليات أراها في فلسطين ولا أظنها تغيب عن أي بلد عربي آخر.

بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

رسالة الرسول النبي عالمية؟!!!



رسالة الرسول النبي عالمية؟!!!
في ذكرى مولده صلى الله عليه وآله وسلّم

على المسلمين أن يبرهنوا على أنهم أتباع لرسالة الإسلام، وذلك من خلال فهمهم لطبيعة ومقصد الرسالة ابتداءً. فهل مقصد الرسالة هو إفحام غير المسلمين وإثبات سوء معتقدهم؟!!!


على المسلمين أن يدركوا أن الهدف الأساسي للإسلام هو إقامة الميزان والقسط وهي القيَم التي نفتقدها في أبسط الدوائر والعلاقات ابتداءً من القبيلة إلى الحزبية إلى الوظيفة والوجاهة.
قال تعالى:
"لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ". الحديد: 25.

صحيح أن من أهداف الرسالة تأكيد الخالقية، واستحقاقه للتعظيم كما قال تعالى:

الهدف :"وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ". الأنبياء: 25.

لكن مع أهمية هذا الهدف إلا أن معظم المسلمين قدّموا هذا الهدف على هدف تحقيق المقاصد والقيّم الإنسانية. لذا أرى أن المنهج المقاصدي المبني على القيَم له الأولويةّ.
قال تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ". آل عمران: 110.
نلاحظ تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله، لأن سلوك المؤمن الحق سيجعل منه محلّ قدوة واقثفاء. ونحن نشهد آثاره حينما نرى مسلمي الشرق الذي دخلوا في الإسلام لأخلاق أسلافنا، وما نراه في جهة الغرب حيث أسبانيا (الأندلس).
وبهذا المنهج تكون رسالة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام عالمية: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ". الأنبياء: 107.

فبالمقاصد والقيَم تكون الرسالة عالمية : "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ". سبأ: 28.

بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

حقائق لا بدّ من مراعاتها في الدراسات والبحوث:



حقائق لا بدّ من مراعاتها في الدراسات والبحوث:
في الدائرة الأضيق (MICRO)
1- تعدّد الأسماء والألقاب لذات واحدة، وهذا يشمل الشخصيات والأماكن والأزمان.
2- هناك فرق بين بني إسرائيل (نسل يعقوب عليه السلام) واليهود (أتباع شريعة موسى عليه السلام).
3- الأرض المقدسة لها حدودها جغرافيًا وتوراتيًا. ومن ضمنها فلسطين.
4- الأرض يرثها الصالحون (النافعون للناس) (في كل النصوص الدينية الثلاث).
5- المخطوطات تعرض معلومات، لا بدّ من مراعاة زمنها، والهدف من كتابتها، ومصداقية المعلومة الواردة فيها من خلال عرضها على الواقع (الآركولوجي)، أو بعرضها على ما زامنها من مخطوطات (مقارنة النصوص). وليس شرطًا أن تعرض المخطوطات كل الأحداث، أو كل حدث بتفاصيله، وقد تسكت عن أشياء، وإذا انفردت المخطوطة بمعلومة، فلا بدّ من أخذ الحيطة أكثر وفتح التساؤلات إزاءها.


في الدائرة الأوسع (MACRO):
1- لا البعد التاريخي، لا القوة العسكرية. تعطيان ولا تثبتان حقًا لأحد في رقعة ما.
2- التعايش هو الحلّ لكل أتباع ديانة أو مذهب بحسْب القانون المدني ووفق نظرية "توزيع العدالة".
3- الظلم واحتلالُ الشعوب لا يمكن تبريره، وإقصاء الآخرين واحتكار الحق أكبر أزمّة أخلاقية وإنسانية.

أخيرًا النصوص والمخطوطات والأرض ليست أعظم من الإنسان، أقصد الإنسان دونما أيّ تمييز مذهبي أو طائفي فضلاً عن تمييز ديني، فالإنسان أعظم ممن سواه، وعلى المفكرين تأكيد هذه القيمة والعمل على تفعليها، حتى نوقف نزيف الدّم بين الإنسان تحت مبرّرات نصوصية وتواريخية. ارتقوا يرحمكم الله تعالى.

بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

المقدّس



الأمكنة تكتسب قُدسيتها من المعتقِدين، وهذا يمكن فهمه في سياق الحركة الاجتماعية لكثير من المعتقدات، لكن الأصعب هو أن يأتي كتاب مصدره خالق السماوات والأرض ليعطي صبغة قُدسية لرقعة أو بقعة جغرافية ما، لستُ أدري لماذا هذه الإضفاءات خصوًصا في القرآن الكريم؟ لستُ هنا إلا متسائل حتى أقطع الطريق على الشامتين. فلماذا إضفاء قدسية على أمكنة معيّنة بذاتها؟

أخي الحبيب للإجابة على هذا التساؤل المهم، لا بدّ من استقراء المواضع التي ورد فيها تخصيص الأماكن سواء بالقدسية أو الحُرمة أو البركة وهي كالآتي:

* [المقدّس]: وهو لفظ يدلّ على الطهارة.
الأرض المقدسة التي كتب الله لبني إسرائيل (مدخلها فلسطين)، الواد المقدس الذي خاطب الله تعالى فيه نبيه موسى عليه السلام. "إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى". طه: 12.

* [الحرام]: وهي لفظ يدلّ على المنع.
المسجد/البيت، البلدة (مكّة)، المشعر، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا". التوبة: 28.

* [المبارك]: وهو لفظ يدلّ على العلوّ والكثرة والعظمة.
البيت "الكعبة"، المسجد الأقصى، الأرض (مشارقها ومغاربها)، الشجرة.

والحقيقة أن هذا التخصيص بالقدسية والحُرمة من شأنه أن يولّد الصراع بين أتباع الشرائع؟

لقد تمّ حسم الصراع بين المسلمين والوثنين العرب فيما يتعلّق بالبيت/الكعبة/ ومكّة، لصالح المسلمين ولا ينازعهم فيها أحد من يهود ولا نصارى. خلا بعض الخلافات حول توسعة الكعبة في عدة عصور انتهت بمقولة الإمام مالك على تركها على ما كانت عليه زمن الرسول عليه السلام حتى لا تكون "لعبة الملوك". ومعلوم أن الزبيريين قد وسّعوا الكعبة وقد هدم هذا الجزء الحجّاج بن يوسف الثقفي.
لذا فبخصوص مكّة والبيت والكعبة لا نزاع ولا صراع بين المسلمين واليهود أو النصارى.

لكن فيما يخصّ قدسية وبركة الأرض التي باركنا فيها للعالمين وقلبها فلسطين. فقد تم تأجيج الصراع بين أتباع الديانة الثلاثة (يهود، نصارى، مسلمين). وذلك برأيي سبب سوء الفهم عند أتباع الديانة اليهود والمسلمين وحتى النصارى.

وسأبدأ بالنصارى والإشكال ناجم من استسلامهم الأعمى للكنيسة، لكن لو عادوا إلى نصوصهم لوجدوا بوضوح أن السيّد المسيح حينما قال سيأتي يوم تعبدون الله تعالى في أي مكان، وهو مصداق حديث الرسول النبي محمّد عليه الصلاة والسلام: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا".
نصّ قول المسيح عليه السلام: "يَا امْرَأَةُ -سامرية-، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هذَا الْجَبَلِ (السامرة)، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ (القدس) تَسْجُدُونَ لِلآبِ. أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ.لأَنَّ الْخَلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ. ((وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا". يوحنا: 4: 21-24.

لذا فعلى النصارى أن يفهموا نصّ كلام المسيح عليه السلام، فالله تعالى روح، ولا مكان مقدّس مشروط لقبول الصلاة، وهذا يتقاطع كليًا مع قوله تعالى: " وَلِلَّـهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ". البقرة: 115.

بقي اليهود الذين هم أصلاً رفضوا رسالة وتعاليم المسيح عيسى عليه السلام، وأغرقوا في المادّيّة، فما يزالون متعلّقين بالمكان (الهيكل). وهذا إشكال اليهود الأزلي وعقليتهم المنغلقة.

الآن مشكلة المسلمين هي في الصراع على ذات البقعة مع اليهود في القدس، وهنا يثور التساؤل المشروع هل زيارة نبيٍ لبقعة أقصد رحلة الإسراء (على خلاف بين العلماء كونها بالروح أو بالجسد) تجعل تلكم البقعة حصرًا لأتباعه؟؟
بالتأكيد لا يمكن أن يجعلها حصرًا للمسلمين دون غيرهم.
وما فعله عمر بن الخطانبيب لما زار بيت المقدس/إيلياء، حينما حلّ وقت الصلاة حيث صلىّ في مكان فارغ، وهو تطبيق عملي لمقولة الرسول عليه الصلاة والسلام: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا".

لكن الإشكال فيما بعد عمر بن الخطاب، حيث تمّ توظيف مطلع سورة الإسراء المعروفة، وفعل عمر بن الخطاب لتأسيس بناء في المكان الذي صلّى به زمن الأمويين، وواقع التاريخ يُخبرنا أن النصارى في ذلك الوقت ينظرون إلى هذا المكان بأنه مقدس مثل نظرة اليهود بالرغم من تعاليم المسيح عليه السلام، ويرون في المسلمين أنهم محتلون لهذا المكان بل يُنجّسونه بعباداتهم!!

فالإشكال أن الأمويين اتخذوا من بعض آيات القرآن الكريم ومن فعل الفاروق مرتكزًا وحجةً لمواجهة الحضارة النصرانية حيث البناء الفاخر لقبة الصخرة، ومن حيث خلع البيْعات من الحُجّاج حينما يزورون المنطقة (بناء على رواية: "لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد")، حيث يخلعون مبايعتهم للزبيريين (الصراع بين الزبيريين والأمويين)، ليعطوا البيْعة للخليفة الأموي، وهذا لا يمكن استبعاده أبدًا ومطلقًا.

ومع مرور الوقت استقر الأمر للأمويين، وترسّخ في أذهان المسلمين أن الرقعة هاته مخصصة للمسلمين وحدهم، وتفاخروا ببناء قبة الصخرة التي رأوا فيها عجيبة من العجائب. كما تمّ ترسيخ بعض الخرافات من مثل أن الصخرة طارت إلى السماء فتعلقت لما عُرج بالرسول عليه الصلاة والسلام، وأيضًا خرافة الحلقة التي في الجدار وتلك التي ربط فيها محمَدًا عليه الصلاة والسلام البراق، وسُمّي الحائط بالبراق. (ملحوظة حائط البراق الآن في يد اليهود) وقد كانت ثورة خاصة به سُمّيت [ثورة البراق].

كل هذا التوظيف لبعض الآيات وفعل الفاروق مع قليل من العجائب "الخرافات" ترسّخ لدى جموع المسلمين أن هذا المكان للمسلمين فقط. وصارت القدس [عقيدة.. وآية في كتاب الله] كما في كتابات كثير من قيادات الحركة "الإسلامية". ويتمّ عمليًا منع المستوطنين من باحات المسجد الأقصا إذا ما قاموا بتمتمات دينية أثناء دخولهم!! ليواجه المسلمون في هذه الأثناء إلى تصعيد إسرائيلي في منع المصلين في الأقصى.

والذي أراه أن القرآن الكريم وأن أضفى قدسية على مكان ما، فهذا لا يعني أن المكان محصور لفئة دون فئة، وإن جادل يهودي عليم بالقرآن بقوله تعالى: " يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ". المائدة: 21. فسأقول له رُويْدك فالأرض المقدسة لكم ولسكّانها "الغرباء" كما في توراتكم. فانظر: "وَيَكُونُ أَنَّكُمْ تَقْسِمُونَهَا بِالْقُرْعَةِ لَكُمْ وَلِلْغُرَبَاءِ الْمُتَغَرِّبِينَ فِي وَسْطِكُمُ الَّذِينَ يَلِدُونَ بَنِينَ فِي وَسْطِكُمْ، فَيَكُونُونَ لَكُمْ كَالْوَطَنِيِّينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. يُقَاسِمُونَكُمُ الْمِيرَاثَ فِي وَسْطِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. وَيَكُونُ أَنَّهُ فِي السِّبْطِ الَّذِي فِيهِ يَتَغَرَّبُ غَرِيبٌ هُنَاكَ تُعْطُونَهُ مِيرَاثَهُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ".حزقيال: 47: 22-24.

وبناءً على نظرتي لطبيعة وتركيبة كلا الذهنيّتين العربية المسلمة المؤسَّسة على الفكر الأموي، واليهودية القائمة على المادّية فلا يمكن للعقلاء والمفكّرين مهما كان تأثيرهم من تغيير الواقع البائس، لأنها ببساطة "حتمية" لا بدّ منها، فالمنغلق لا يصدّه إلا منغلق مثله. وما على العقلاء أن يخفّفوا من آثار هذا الصراع. فالحاسم فيه هو القوة والمكر وهو في جانب اليهود ومن شايَعهم الآن.

أما بخصوص قوله تعالى: "وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا* عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا". الإسراء: 4-8.

فإن فساد بني إسرائيل -الذي يعلمه الله تعالى في علمه السابق- سيكون ظلمًا وإقصاءً للآخرين في أعلى مستوياته، وهذا وفق رؤيتي بدأ في هذا العصر (خلاف بين العلماء على آراء بين حصول الإفسادين، أو أحدهما، أو عدم حصولهما)، فالعباد الذين هم [عباد لله] لا يحاربون [بني إسرائيل] لاختلاف عقَدي ديني، بل يقاتلونهم في كل المستويات "كافة" لكونهم مفسدين ظلمة. لذا جاء التعبير عنهم بأنهم [عباد لله] وهم العقلاء والأحرار في كل العالم.

وحينئذِ ستكون البقعة للجميع وفق مبدأ العدالة، ليست حصرًا لأحد لا مسلمين، ولا يهود ولا نصارى.

فهل يعقلون؟؟؟

بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

لا مشاحة في اصطلاح

يعترض بعض الباحثين على بعض المصطلحات والمفاهيم السائدة ويُشنّع على الناس استعمالهم لها، بحجّة أنها لم ترد في القرآن الكريم مطلقًا، أو بحجّة أن المفهوم السائد مغاير لما في القرآن الكريم.
ابتداءً صكّ المصطلحات لا حرج فيه، والمصطلح يأتي من اللسان الدارج بحيث يتم اختيار لفظ ما، فينقله من معناه الشائع إلى معنى جديد في حقل من الحقول، فالقرآن ذاته استعمل هذه "التقنية" فمثلاً لفظ [الصلاة] نقلها من معناها الشائع ومن وضعي اللغوي إلى وضع جديد "شرعي" لتعطي مدلولا خاصًا، ومثلها لفظ [الزكاة]، وأحيانًا يأتي بتعبير جديد ليدلّ على معنى جديد مثل تركيب [غُلّت أيديهم].
فنحن نرى أن هذه التقنية لا حرج فيها، وقد تابع علماء المسلمين في صكّ بعض المصطلحات اعتمادًا على الألفاظ القرآنية أو من الوعاء اللغوي [العقيدة]، [المعجزة]، [التجويد]، [التوحيد]، [الفقه]، [الحديث]، [الأصول]، [الحجاب]، [السُّنّة] [الحكم] [المحاقلة، المزابنة]. لمزيد من المصطلحات ينظر: (معجم لغة الفقهاء للقلعجي).
فـ[الحديث] مثلاً مصطلح خاص وضعه أهل الحديث، للدلالة على أن الرواية من الرسول النبي عليه الصلاة والسلام، ومثله [السّنّة] التي تدلّ على معنى أوسع وهي كل ما صدر عن الرسول النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا لا مشاحة فيه، لأنه من باب التلقيب والتبويب، والترتيب. بالرغم من أن مفهوم [السنّة] في القرآن لا يفيد هذا المعنى.
إذ ليس شرطًا أن يكون المصطلح المصكوك موافقًا لمصطلح القرآني، بل يجدر أن يكون جديدًا يستكمل دوائر التجديد، كما رأينا في منهج القرآن في استعماله هذه التقنية.
لذا من التحجّر الوقوف على مصطلحات القرآن وسحبها إلى كل الأعصار، فهذه حرفية ما بعدها حرفية، لكن من المهم جدًا فهم الآتي: أن بعض المصطلحات الشائعة اليوم لا تعني المصطلح القرآني وإن كان اللفظ قرآنيًا، مثلاً [الحجاب] في المصطلح الشائع يعني غطاء الرأس عند المرأة، أما في القرآن يعني الحاجز بين شيئين.
ولا بأس بمصطلح [الحجاب] بالمعنى الشائع على أنه ليس قرآنيًا بل هو [الخِمار] وهو ما يغطي الرأس.
النتائج:
1.  لا بأس في صكّ المصطلحات أو التعبيرات، حيث [لا مُشاحة في اصطلاح].
2.   الإبداع والتجديد يكون في أحد صوره ابتكار المصطلحات. [المنهج القرآني].
3.  المصطلحات الشائعة قد تخالف المصطلحات الفرآنية. [لذا وجب التفريق بين المصطلح الشائع والقرآني].
إن المنهج المقاصدي يراعي التغيّرات في المفاهيم والمصطلحات، ولا يجمد على المصطلح القرآني، لأن غاية المنهج هو المقصد لا اللفظ، كما يراعي التغيّرات في مسار فهم النصوص.

بوركتم جميعًا
ولكل مجتهدٍ نصيبٌ


             

التجديد

من مظاهر الاجتهاد والتجديد صكّ المصطلحات الجديدة، والتصنيفات والتقسيمات. ومن هذه المصطلحات "القطعيات" و"الظنيّات"، وتقسيماتها، ومنها "الأصول" و"الفروع". لكن الوقوف على هذه المظاهر وعدم تطويرها يُردي بالاجتهاد والتجديد إلى الإجهاد والتقليد.

النصوص القطعية والظنية

دأب الأصوليون على تقسيم النصوص من حيث القطع والظن ابتداءً من المعتزلة ومن بعدهم الأشاعرة، واعتمده سائر الأصوليين إلى الآتي:
1.  نص قطعي الثبوت وقطعي الدلالة. كبعض الآيات القرآنية، وملحق بها الأحاديث المتواترة ذات الدلالة الواضحة.
2.  نص قطعي الثبوت وظني الدلالة. كبعض الآيات القرآنية، وملحق بها الأحاديث المتواترة ذات الدلالة الظنية.
3.  نص ظني الثبوت وقطعي الدلالة. كبعض الأحاديث، وملحق بها القراءات غير المتواترة ذات الدلالة الواضحة.
4.  نص ظني الثبوت وظني الدلالة. وملحق بها القراءات غير المتواترة ذات الدلالة الظنية.
وعند تعارض النصوص:
يقدم النص القطعي الثبوت (القرآن) ثم النص القطعي الثبوت (المتواتر من الأحاديث) ثم النص الظني الثبوت.

والمعلوم أن قطعي الثبوت من الأحاديث قليل ولا يحمل في طيّاته أيّة أحكام. لكن وسّع بعض الأصوليين دائرة [قطعي الثبوت] من الأحاديث: باختراع مصطلحات: التواتر المعنوي. أو تلقته الأمة بالقبول، أو اتفاق الشيخان على إخراجه!!
فهل التواتر المعنوي حجة؟؟ وأي أمة تلقته بالقبول العامة أم الخاصة؟ وهل ما اتفق عليه الشيخان (البخاري ومسلم) حجة؟ (هذا سأنشر حياله منشورًا خاصًا).

كما أن قطعي الدلالة من القرآن الكريم قليل، يقول الشاطبي: "الْمُعْتَمَدُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ، وَوُجُودُ الْقَطْعِ فِيهَا -عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْمَشْهُورِ- معدوم، أو في غاية الندور". الشاطبي، الموافقات، ج1، ص27.
فالإمام الشاطبي ذو المنهج المقاصدي تقدّم خطوة في التقسيم وجعل المعيارهو موافقة [للأصل] ويقصد كليات الشريعة:
قسَّم الإمام الشاطبي الأدلة الشرعية من حيث كونها قطعية أو ظنية إلى أربعة أقسام، فصّلها كما يلي:
 القسم الأول: الأدلة القطعية، وهي التي لا تفتقر إلى بيان؛ كأدلة وجوب الطهارة من الحدث والصلاة والزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتماع الكلمة والعدل وأشباه ذلك.
القسم الثاني: الأدلة الظنية الراجعة إلى (أصول قطعية)، ومثالها العام: أخبار الآحاد، فإنها بيان للكتاب لقوله تعالى: "بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ". النحل: ٤٤.
ومثالها كذلك: ما جاء في الأحاديث من صفة الطهارة الصغرى والكبرى والصلاة والحج، ومنه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، فإنه داخل تحت أصل قطعي؛ لأن الضرر والضرار مثبوت منعه في الشريعة كلها في وقائع جزئيات وقواعد كليات.
القسم الثالث: الأدلة الظنية المعارضة (لأصل قطعي) أو التي لا يشهد لها أصل قطعي، فهذه مردودة بلا إشكال، والدليل على ذلك أمران:
- أنها مخالفة لأصول الشريعة، ومخالفة أصولها لا تصح؛ لأنها ليست منها، وما ليس من الشريعة كيف يعد منها؟!
- أن ليس لها ما يشهد بصحتها، وما هو كذلك متساقط في الاعتبار.
القسم الرابع: الأدلة الظنية التي لا يشهد لها (أصل قطعي) ولا تعارض أصلاً قطعيًا، فهي في محل نظر.

فمع الإمام الشاطبي صار الاعتبار إلى الكليات (الأصول)، بعد أن كان الاعتبار إلى آليات الثبوت من تقسيمات (المتواتر المعنوي، أو الإجماع واتفاق الأمة أو أخرجه الشيخان). ولكن مع الأسف يبدو أن التعليم الشرعي متمسك بالأمر "العتيق"، ولا يحبّذ تقسيم الإمام الشاطبي، وإذا أردتُ المضي في تجديد التقسيمات فبإمكاني الإضافة أن المعيار هو "المقاصد" وهي "القِيم الإنسانية" من الرحمة والعدل والإحسان والتعايش. فالقِيم الإنسانية هي القطعيات، التي يدورعليها القرآن الكريم وما جاء من أحاديث الرسول النبي عليه الصلاة والسلام.

المقاصد وفق المعيار القيَمي:
نصوص الشريعة من قرآن كريم أو ما يوافقه من روايات، ينبغي قراءتها وفق المنهج المقاصدي القائم على معيار القِيَم، كقيمة العدل والقسط، والحرية والصلاح والفلاح، فكل النصوص إنما تصب في تحقيق هذه القيَم.
وهذه القيَم نسبية ليست مطلقة؛ أي أنه في ظرف زماني أو مجتمع ما تكون القيمة ذات سقف معيّن، إذا ما قارناها بظرف زماني لاحق أو سابق، أو بمجتمع في مكان آخر في نفس العصر أو في عصر سابق أو لاحق، لكن المقطوع به أن هذه القيَم يتقبّلها ويطلبها كل إنسان سوي لأنها تنسجم مع تكوينه، خلا بعض الأشرار الذي يرون في هذه القيَم تفويتًا أو تقليلاً لمصالحهم
ومن المقطوع به أن هذه القيَم يتقدّم مستواها مع تقدّم البشرية، ويتطوّر منسوبها، لذا لا يجدر بمجتمع ينشد التطوّر والتحضّر التراجع عن مستوى تقدّم هذه القيَم، وهي الحدود التي لا ينبغي على الإنسان الواعي أن يتعداها. وإذا كانت نصوص الشريعة والروايات الموافقة له، تحوي قيَمًا إلا أنها نسبية، فهي متقدّمة على ما سبقها أو عاصرها من قيَم إلا أن بعض التطبيقات المنصوص عليها غدت مع تقدّم البشرية متأخرة، والقبول بها اليوم هو تعدٍّ للحدود. لا سيّما أن القيَم كلما قلتُ تتقدّم لا تتخلّف، فالنص ثابت والقيَم تتقدّم، وعلى الثابت أن يلحق بالمتقدّم. وإلا كانت الهوة كبيرة وحالة الانفصام ظاهرة.
إن رسالة الإسلام قائمة على إعمال الفكر والتعقل -الذي يحذّر منه كثيرون-، والنص إنما جاء لتفعيل وتحفيز العقل البشري نحو ما ينفع الخلق أجمعين.






:الإجماع::
من المصطلحات التي صكّها العلماء مصطلح [الإجماع]، ويقصدون به اتفاق المجتهدين على حكم مسألة من المسائل الشرعية، واتفاقهم يعني تطابق آرائهم وإن لم يجتمعوا على طاولة واحدة.
وقد ذكر أهل الأصول أن من شروط المجتهد أن يعلم مواضع الإجماع التي سبقته. وهنا أحاول تفكيك هذا المصطلح وتحديد مجاله.

تفكيك المصطلح وتجديده:
المعلوم أن الأمور التشريعية محلّها الكتاب وما وافقه من روايات، فما يُقال عنه إجماع على مسائل دينية، فإن الحجّة هي لجملة النصوص المعتبرة لا للإجماع بحدّ ذاته، وعمل المجتهد هو الكشف عن النص، على من خفي عليه، أو الربط بين الأدلة والاستنباط
لكن إذا تجاوزنا حقيقة أن العبرة بالنصوص لا بإجماع المجتهدين، فإن هذا يفتح بابًا للتساؤل:
فقد يسأل سائل إجماع من هو المعتبر؟ إجماع أهل المدينة؟ ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة؟ ما اتفق عليه الشيخان (البخاري ومسلم)؟ إجماع السلف في القرون الثلاث الأولى؟ إجماع المذهب الفلاني السنّي أو الشيعي أوغيره؟؟
وأتعجّب من قول أحد دكاترة الأصول: إن إجماع العلماء على مسألة يرفعها من مقام الظنّ إلى مقام غلبة الظنّ، فتصير الحجية أكبر!!

لذا فالإجماعات في المسائل الدينية لا عبرة لها إلا بقدر ما تشهد لها النصوص القرآنية وما وافقها من روايات وأحاديث.
والذي أراهُ أن الإجماع لا يكون إلا في الأمور الدنيوية فيصر التعريف كالآتي: إجماع أهل التخصص والخبرة في قضية من القضايا المثارة في زمن ما على حكم معين مُلزم للعامة، ويصدق عليه قوله تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ [أَمْرٍ جَامِعٍ] لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ". النور: 62.

مجال الإجماع:
في الدنيويات لا في التشريعات:
قال تعالى: "بِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ [وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ] فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ". آل عمران: 159.
والشورى لا تكون في التشريعات بل في الاجتهادات، فالمؤمن مطالب بفتح باب المشورة في المستجدات، ويأخذ رأي المتخصصين وأصحاب الخبرة والحكمة. وعليه يكون الأمر الذي تمّ الإجماعُ عليه أو رأي الأكثرية هو واجب الإلزام والطاعة. قال تعالى
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ] فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخر" النساء: 59.
وهذا يدل أنه في حال النزاع في أي قضية شرعية أو قضائية أو دنيوية يكون الرجوع إلى كتاب الله وإلى الرسول وقت التنزيل وهذا وقته انقضى، وإلى النصوص بعد التنزيل من قرآن وسنّة موافقة له، لكن الطاعة إنما تكون لأولي الأمر فيما يتعلق بأمور دنيوية لا تشريعية. لأن الطاعة في الأمور التشريعية إنما هي من الكتاب وما وافقه من أحاديث، وليس لأولي الأمر أي مُدخل فيها.
ومثله قوله تعالى: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ [وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ] لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ". النساء: 83.
فواضح من الآية الكريمة أن ردّ القضايا الدنيوية لا التشريعية يكون لأهل التخصص والخبرات.
يبقى دور أهل الذكر هو بيان النصوص والاجتهاد فيها، " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". النحل: 34، الأنبياء: 7. لكن لا اعتبار للإجماع، بل للنص المؤسس له الذي لا يُقبل فيه الخلاف.

النتائج:
ترتّب على مصطلح "الإجماع" الأصولي وتعميم مجاله عدة إشكاليات
1.  تغييب الشورى. وهذا حصل زمن معاوية مع ابنه يزيد.
2.  تشريع طاعة ولي الأمر بلا ضوابط. (روايات السمع والطاعة..وإن جلد ظهرك).
3.  تفتيت المسلمين بمفهوم "الإجماع" الفقهي والعقائدي. وإخراج من لا يقبل بهذا الإجماع. (مظاهر قولية من التبديع والتكفير، مظاهر فعلية من التفعيق والتفجير). واختراع مفهوم الفرقة الناجية، ومصطلح أهل السنة والجماعة.
وإذا اتبعنا المنهج المقاصدي الذي أدعو إليه فإن المعتبر هو النصوص من قرآن وما وافقه من روايات، على أساس القيَم، وأن لا عبرة لإجماع مهما كان، وإن كان ثمّة الإجماع قد استند إلى نص، فلا عبرة له بل للنص المؤسس، كما أن الإجماع يمكن أن يتصوّر في الأمور الدنيوية الطارئة والمستجدة. وهنا يكون الإجماع محلّ طاعة وإلزام إذا تداوله أهل الخبرة والاختصاص وصدر عنهم.

::النسخ::

من المصطلحات التي صكّها العلماء مفهوم "النسخ"، وهو بمعنى أن الحكم اللاحق ينسخ الحكم السابق، فيكون الحكم المعمول به والملزم هو الحكم الأخير.
تفكيك المصطلح وتجديده:
وهذا المفهوم يصدق على الشرائع، فتأتي شريعة تنسخ بعض أحكام الشريعة السابقة عليها. كقوله تعالى:"مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَاللَّـهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". البقرة: 105-106.
ويصدق مفهوم النسخ على بعض أقوال وتصرفات الرسول النبي عليه الصلاة والسلام، كاستقبال القبلة إلى غير البيت الحرام، أو صوم عاشوراء، أو النهي عن زيارة القبور.
لكن الخطير هو تعميم هذا المفهوم ليدخل نطاق القرآن الكريم، بحيث تصبح آيات الصبر والعفو والدفع بالحسنى، منسوخات وملغيات بحكم آيات القتال والجهاد!!
وإن كان مفهوم النسخ في حدّ ذاته عند "المتقدّمين" هو بمعنى تخصيص العام، أو تقييد المطلق، لا بمعنى الإلغاء. لكن في عُرف "المتأخرين" صار بمعنى الإلغاء!!
وصار تبعًا لذلك من شروط المجتهد معرفة الناسخ والمنسوخ من القرآن الكريم!!

مجال النسخ:
والذي أراهُ أن النسخ له مجاله؛ وهو في بعض الشرائع وفي بعض تصرفات وأقوال الرسول النبي عليه الصلاة والسلام، أما القرآن الكريم فلا نسخ فيه، فلا آية تلغي حكم آية أخرى.

النتائج:
ترتّب على مصطلح "النسخ" وتعميم مجاله عدة إشكاليات:
1.  الإساءة إلى الإسلام، بحيث يُصوّر على أنه دين انتهازي، ينتهج قاعدة: [تمسْكنْ حتى تتمكّن].
2.  تغييب منهج القرآن الكريم في تغليب العفو على مقابلة السيئة.
3.  تبرير الهجوم على الأمم والشعوب، وأن أصل العلاقة معهم هو الحرب لا السلم.

وإذا اتبعنا المنهج المقاصدي الذي أدعو إليه فإن المعتبر هو النصوص من قرآن كريم وما وافقه من روايات، على أساس القيَم، وأن لا وجود لناسخ ومنسوخ في القرآن الكريم، وإن كان ثمّة نسخ فهو محصور في بعض الشرائع وبعض أقوال وتصرفات الرسول النبي عليه الصلاة والسلام، وأن دين الله تعالى ينتهج خطة وهي واقعية تدعو إلى المثالية، تبدأ من الصبر والعفو (في مرحلة الضعف)، ثم دفع الاعتداء (في مرحلة توازن القوى)، إلى عدم الانتقام، بل العفو لمن طلبه واستحقه. وأن العلاقة مع الآخر هي السلم والتعايش على أساس القيَم الإنسانية.




::البدعة::
من المصطلحات التي شابها الكثير من اللغط وعدم التحقيق مصطلح "البدعة".
وبغضّ النظر عن اختلاف الأصوليين حول تقسيم "البدعة" الأصولية من حيث كونها حسنة أو سيئة.

تفكيك المصطلح وتجديده:
الإشكال الكبير الذي وقع فيه علماء كثيرون هو أنهم يوسّعون دائرة الابتداع إلى أكبر حجم واتساع.
ومثله "سد الذريعة". (سيأتي الكلام عليه في منشور لاحق).

مجال البدعة:
هناك فاصل بين الديني والدنيوي، ولا بد من التمييز بين المجالين، لكن معظم العلماء يخلطون ما بين الديني والدنيوي، ثم هناك بعض الأحكام الدينية معلّلة وبعضها غير معلّلة.

النتائج:
1.  تعسير الحياة على الناس وجلب المشقات عليهم على نقيض مقصود رسالة الإسلام القائمة على التيسير والتبشير.
2.  خلط الديني بالدنيوي
3.  تبديع الناس وتفسيقهم ومقاطعتهم وأحيانًا المساعدة في سجنهم أو حتى اغتيالهم.




الخميس، 24 ديسمبر 2015

الزواج من الصغيرات




من الآيات العلاجية
الزواج من الصغيرات

لطالما يتساءل الكثيرون حول الزواج من الصغيرات وهل فعلاً القرآن الكريم أباح ذلك؟
وقبل الإجابة عن هذا التساؤل أودّ تقديم بعض التأملات في القرآن الكريم:


أولاً: لفظ النساء في القرآن الكريم يشمل الصغيرة والكبيرة:"يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا". النساء: 11.

ثانيًا: دلالة (لم) التي تدخل على الفعل المضارع وهو يفيد الدلالة على حدوث الفعل في الزمن الحاضر، فإذا سُبق بـ(لم) الجازمة جاء للدلالة على الزمن الماضي.
مثال مريم عليها السلام وهي أنثى، والأنثى قد تمارس الجنس، لكنها عليها السلام لم تمارسه حيث قالت مريم كما في قوله تعالى: " وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا". مريم: 20.
وهنا الدلالة تفيد عدم وقوع الوصف في السابق وهو الممارسة من قبل قطعيًا.

أما دلالة (لا) التي تدخل على الفعل المضارع فإذا سُبِق بـ (لا) النافية فتنفي زمنه في الحاضر.
فحال المؤمنين في الجنة أن لا يمسُّهم نصبٌ، لكن قد مسّهم نصب سابقًا في الدنيا. فهنا الدلالة تفيد انقطاع بعد وجود. كما في قوله تعالى: "لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ". الحجر: 48.

وهنا نلاحظ الفرق في دلالة (لم يمسَسْ)، ودلالة (لا يمَسُّ).

الآن نتأمل قوله تعالى:
"وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا". النساء: 4.
فـقوله: "وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ". هن اللائي لم يسبق لهنّ الحيض أساسًا، فلو أراد أن يقول غير ذلك مما يقتضي انقطاع الحيض لسبب طارئ كاليأس أو الحمل لعبّر عن ذلك بقوله [لا يحضْن]. وعليه فإن المقصود من اللائي لم يحضنَ تدخل فيه الصغيرات و النساء اللائي لديهم خلل في الحيض بالرغم من بلوغهنّ، فلم يحضَنَ حتى لحظة الطلاق.

ثالثًا: عدّة المطلقّات:
"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ". الطلاق: 1.

والمطلّقات تكون إحدى الحالات الآتية:
* غير مدخول بها (لا عدّة):
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا". الأحزاب: 49.

* مدخول بها:

1- ذات حيض (ثلاثة قروء):
"وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّـهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ". البقرة: 228.

2- اليائسات من الحيض: (ثلاثة أشهر) وهنّ قسمان:
أ- المتأكدات من انقطاع الحيض بتقدّم السنّ أو بسبب آخر مثل استئصال المبيَض.
ب- المرتابات بسبب اقترابهنّ من سنّ اليأس أو بسبب خلل هرموني.
"وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ".النساء: 4.

3- الصغيرات أو اللائي لم يحضْنَ مطلقًا بالرغم من البلوغ لخلل هرموني: (ثلاثة أشهر)
"فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ". النساء: 4.

4- الحوامل: (وضع الحمل)

"وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا". النساء: 4.

رابعًا: اليتامى لفظ يشمل الذكور والإناث الصغار.
وقد يحدث كما هو الآن أن تصبح الصغيرة يتيمة لسبب أو لآخر، وقد كان العلاج وقت التنزيل أن يقوم وليّها بأخذ مالها والإنفاق عليها، لكن قد يظلمها البعض فقال تعالى محذّرًا: "وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا". النساء: 2.
"وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ". النساء: 6. "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا". النساء: 10.
ولمّا جاء التحذير بهذه الصيغ فقد ثقلت على بعض المؤمنين إذ خشُوا ألا يقسطوا في اليتيمات فقال تعالى:
"وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا". النساء: 3- 4.

وقد عالج القرآن الكريم مسألة اليتيمات في حال امتناع البعض عن إعطائهنّ ما كتب الله لهنّ فقال تعالى:
"وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّـهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا". النساء: 127.
وقوله تعالى: " وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ" دليل على زواج الصغيرات، إذ كان في المجتمع المدني وقت التنزيل يعدّ الزواج من الصغيرات من العُرف.

أما قوله تعالى:
"وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ۚ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا". النساء: 6.

فالآية تعالج مسألة تأسيسية وهي دفع الأموال المستحقة لليتامى ذكورًا كانوا أو إناثًا، وهذا يكون في شرطيْن:
1- "فإذا بَلَغُوا النِّكَاحَ". وصول اليتيم إلى سنّ النكاح، وهذا يدلّ على أن هناك بعض اليتيمات لم يتزوجنَ بعد.
20 :فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا". وإذا كانت تصرفات اليتيم رشيدة.
بهذيْن الشرطيْن يُعطى اليتامى حقوقهم المالية المستقلة. وتحديد سنّ النكاح متروك للعُرف. وقد علمنا أنه من العُرف أيضًا نكاح الصغيرات كما في آية 127 من سورة النساء، وآية 4 من سورة الطلاق، حيث عدّة الصغيرة المطلقة.

لذا فإن الزواج من الصغيرات وقت التنزيل وفي بعض المجتمعات مقبول، وقد عالج القرآن الكريم الواقع القائم آنذاك من غير أن يؤسس له. فكل الآيات الكريمات التي تطرّقت إلى نكاح الصغيرة أو عدّة الصغيرة المطلقة هي من قسم الآيات العلاجية. ذلك أن مؤسسة الزواج والأسرة في ذاك الزمان وفي بعض المجتمعات الحالية قائمة على قدرة الصغيرة على الوطء ومعرفة بسيطة بشئون الحياة، أما في هذا الزمان وفي كثير من المجتمعات فإن مؤسسة الزواج غير متوقفة على الوطء بل المرأة أصبحت تزاحم الرجال في ميادين العلم والفكر.





إشكالات المؤرخين وتقديرات الأعمار (1)
سنّ فاطمة وعائشة عليهما السلام
يقول المؤرخون في رواية إن فاطمة عليها السلام أكبر من عائشة عليها السلام بـ (5) أعوام، وفي رواية أخرى إن فاطمة عليها السلام أصغر من عائشة عليها السلام بـ (5) أعوام. ويقولون في روايتين أن فاطمة عليها السلام إما ولدت قبل البعثة بـ (5) أعوام، أو بعد البعثة بـ (1) عام واحد.
وعلى الفرْض الأول فسيكون عمر فاطمة عليها السلام وقت وفاة السيّدة خديجة عليها السلام (15) عامًا، وعلى الفرض الثاني سيكون عمرها (9) أعوام.


الإشكال :ذكرت المصادر التاريخية أن السبب في رغبة الرسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الحصول على زوجة تحرص على بناته. فإذا كانت فاطمة عليها السلام أكبر من عائشة عليها السلام فهذا يعني عند احتمال سنّ فاطمة (15) عامًا يكون عمر عائشة عليها السلام (10) عامًا، وعند احتمال سنّ فاطمة (9) أعوام يكون عمر عائشة عليها السلام (4) عامًا.
وهذا الفرض مستبعد لأنه مخالف لمقصد الزواج وهو الحرص على تربية البنات. وعليه ففرض أن فاطمة أكبر من عائشة عليهما السلام يضعف كثيرًا.

فيكون الفرض أنّ سنّ عائشة أكبر من فاطمة عليهما السلام بـ (5) أعوام هو الأقوى.
وعليه يكون الاحتمال الأول: عمر عائشة لما توفيت السيدة خديجة عليهما السلام (20) عامًا، أو (14) عامًا.

كل ما سبق لا يمكن الاعتماد عليه لسبب بسيط أن الروايات التاريخية لا موثوقية بها، على المناهج المتبعة فيها كآتي:
1- تقديم الروايات "الحديثية" على الروايات "التاريخية". (أهل الحديث)
2- الأخذ بالرواية التي توافق فكر الباحث. (بعض الباحثين)
3- عدم الأخذ بأي رواية سواء كانت "حديثية" أو "تاريخية" والاكتفاء بالقرآن المجيد. (القرآنيون).
4- الأخذ بالروايات "الحديثية" و"التاريخية" التي لا تناقض أو تخالف القرآن المجيد. (المقاصديون).

والذي أنتهجه هو المنهج الرابع، على أنّ الروايات "الحديثية" هي المقدّمة في النظر إليها قبل "الروايات التاريخية" لما تعرّضت له "الروايات الحديثية" من تنقيح في الأسانيد وللتساهل الذي اعترى "الروايات التاريخية".


إشكالات المؤرخين وتقديرات الأعمار (2)سنّ فاطمة وعائشة عليهما السلام وقت الدخول بهما

سبق أن ذكرتُ آراء المؤرخين حول تقدير عمر فاطمة عليها السلام لما توفيت السيّدة خديجة عليها السلام حيث كان على الأرجح (15) عامًا، ولما كان الأرجح أن عائشة عليها السلام أكبر من فاطمة عليها السلام بـ (5) أعوام فيكون عمر عائشة لما توفيت السيدة خديجة عليهما السلام (20) عامًا، أو (14) عامًا.


وقد ذكر المؤرخون أن زواجه الرسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسيّدة عائشة عليها السلام كان بعد الهجرة (1 هـ)، فيكون عمر عائشة عليها السلام بناءً عليه إما (23-24) عامًا أو (17-18) عامًا، وعمر فاطمة عليها السلام (18) عامًا.

الإشكال هو الآتي:
ورود روايات تفيد أن عائشة عليها السلام قد دُخل بها وهي في عمر (9) أعوام، وروايات تفيد أنها قد كانت مخطوبة من قبل لمطعم بن عدي وعلى الأرجح كانت هذه الخطبة قبل البعثة، وكما نجد روايات ذكرها المؤرخون تفيد الآتي:

• تزوج أبو العاص بن الربيع [زينب] وقد ولدت وعمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (30) عامًا. فيكون عمرها عند البعثة هو (10) أعوام.
• تزوج عتبة بن أبي لهب [رقية]، وعمره صلى الله عليه وآله وسلم (33) عامًا، فيكون عمرها عند البعثة هو (7) أعوام.
• تزوج عتيبة بن أبي لهب [أم كلثوم]، وعمره صلى الله عليه وآله وسلم (34) عامًا، فيكون عمرها عند البعثة هو (6) أعوام.

وكما قلتُ سابقًا فإن "الروايات التاريخية" مضطربة، وأسانيدها لا تثبت، والروايات "الحديثية" وأكثر صحّة من حيث الإسناد تصرّح أن السّيّدة عائشة عليها السلام قد دُخل بها وهي في سنّ (9) أعوام.

الحلول المقترحة:1- تقديم الروايات "الحديثية" على الروايات "التاريخية". (أهل الحديث) فسنّ الدخول هو (9) أعوام.

2- الأخذ بالرواية التي توافق فكر الباحث. (بعض الباحثين) أي سنّ ممكن (9) أعوام، وممكن (23-24) عامًا أو (17-18) عامًا. بحسب الفكرة المسبقة التي يريدها الباحث.
3- عدم الأخذ بأي رواية سواء كانت "حديثية" أو "تاريخية" والاكتفاء بالقرآن المجيد. (القرآنيون). ولا أي واحدة من الروايات كلها عبط وخبل!!
4- الأخذ بالروايات "الحديثية" و"التاريخية" التي لا تناقض أو تخالف القرآن المجيد. (المقاصديون). محاكمة الروايات الخاصة بزواج الصغيرات في ضوء القرآن الكريم.


إشكالات المؤرخين وتقديرات الأعمار (3)
يورد المؤرخ ابن حجر في "الإصابة" رواية تفيد أن فاطمة عليها السلام أكبر من عائشة عليها السلام بـ (5) أعوام، وفي رواية عند الذهبي في "سير أعلام النبلاء" أن فاطمة عليها السلام أكبر من عائشة عليها السلام بـ (8) أعوام. علمًا بأن عائشة عليها السلام ولدتْ بعد المبعث بـ (4) أو (5) سنوات كما أفاد ابن حجر في الإصابة.

وعلى فرض أن فاطمة عليها السلام أكبر من عائشة بـ (5) أعوام، وأنها ولدت قبل البعثة (5) أعوام كما نقل ابن حجر، فيكون عمر فاطمة عليها السلام لما توفيت خديجة عليها السلام (ت: 10 للبعثة) (15) عامًا، وعليه سيكون عمر عائشة عليها السلام آنذاك إما (5) أو (6) أعوام، ويكون الفارق بين عمر عائشة وفاطمة عليهما السلام (10) سنوات، أو (9) سنوات، وعلى حساب أن فاطمة عليها السلام كانت في عمر (9) لما توفيت خديجة عليها السلام حيث ولدت بعد المبعث بسنة. فسيكون الفارق بينهما (4) أو (3) سنوات.

أما على فرض أن فاطمة عليها السلام أكبر من عائشة عليها السلام بـ (8) أعوام كما في رواية الذهبي، وقد ولدت قبل البعثة بـ (5) أعوام، وعليه فيكون عمر فاطمة عليها السلام لما توفيت خديجة عليها السلام (ت: 10 للبعثة) (15) عامًا، وعليه سيكون عمر عائشة عليها السلام آنذاك إما (7) أعوام، وهذا يعني أنها ولدت بعد البعثة بـ (3) سنوات. وعلى حساب أن فاطمة عليها السلام كانت في عمر (9) لما توفيت خديجة عليها السلام. فسيكون عمر عائشة عليها السلام (1) عامًا!!.
فالمحصلة كالآتي بالنسبة لسنة وفاة السيّدة خديجة عليها السلام:
* على فرض أن فاطمة (ع) السلام ولدت قبل البعثة بـ (5) أو بعد البعثة بـ (1) سنة وعائشة (ع) ولدت إما في (4) (5) للبعثة:
1 احتمال ف (5) قبل البعثة ع (4) بعد البعثة ==>فاطمة (ع) السلام (15) عامًا وعائشة (ع) (6) أعوام.
2- احتمال ف (5) قبل البعثة ع (5) بعد البعثة ==> فاطمة (ع) السلام (15) عامًا وعائشة (ع) (5) أعوام.
3- احتمال ف (1) بعد البعثة ع (4) بعد البعثة ==>فاطمة (ع) السلام (9) عامًا وعائشة (ع) (6) أعوام.
4- احتمال ف (1) بعد البعثة ع (5) بعد البعثة ==>فاطمة (ع) السلام (9) عامًا وعائشة (ع) (5) أعوام.

* وعلى فرض [الذهبي] أن فاطمة (ع) السلام ولدت قبل البعثة بـ (5) أو بعد البعثة بـ (1) سنة وهي أكبر من عائشة (ع) بـ (8) سنوات:
1- احتمال ف (5) قبل البعثة ع (3) بعد البعثة ==>فاطمة (ع) السلام (15) عامًا وعائشة (ع) (5) أعوام.
2-احتمال ف (1) بعد البعثة ع (9) بعد البعثة ==>فاطمة (ع) السلام (15) عامًا وعائشة (ع) (1) عامًا.

والخلاصة هي احتمال أن تكون فاطمة عليها السلام وقت وفاة السيّدة خديجة عليها السلام كانت في عمر إما (15) أو (9) أعوام.
أما احتمالات عمر عائشة عليها السلام فقد تراوحت ما بين (1) و (5) و(6).
احتمال لما كانت فاطمة (ع) (15) عامًا كانت عائشة (ع) إما (5) أو (6) عامًا.
احتمال لما كانت فاطمة (ع) (9) عامًا كانت عائشة (ع) إما (5) أو (6) عامًا. أو (1) عامًا.
نلاحظ أن الاحتمالات في سنّ عائشة عليها السلام كما هي. لكن احتمال (1) عامًا هو ما نقله الذهبي والذي هو مستبعد جدًا جدًا.