الاجتهاد والتجديد (1)النصوص القطعية والظنيةمن مظاهر الاجتهاد والتجديد صكّ المصطلحات الجديدة، والتصنيفات والتقسيمات. ومن هذه المصطلحات "القطعيات" و"الظنيّات"، وتقسيماتها، ومنها "الأصول" و"الفروع". لكن الوقوف على هذه المظاهر وعدم تطويرها يُردي بالاجتهاد والتجديد إلى الإجهاد والتقليد.
دأب الأصوليون على تقسيم النصوص من حيث القطع والظن ابتداءً من المعتزلة ومن بعدهم الأشاعرة، واعتمده سائر الأصوليين إلى الآتي:
1- نص قطعي الثبوت وقطعي الدلالة. كبعض الآيات القرآنية، وملحق بها الأحاديث المتواترة ذات الدلالة الواضحة.
2- نص قطعي الثبوت وظني الدلالة. كبعض الآيات القرآنية، وملحق بها الأحاديث المتواترة ذات الدلالة الظنية.
3- نص ظني الثبوت وقطعي الدلالة. كبعض الأحاديث، وملحق بها القراءات غير المتواترة ذات الدلالة الواضحة.
4- نص ظني الثبوت وظني الدلالة. وملحق بها القراءات غير المتواترة ذات الدلالة الظنية.
وعند تعارض النصوص:
يقدم النص القطعي الثبوت (القرآن) ثم النص القطعي الثبوت (المتواتر من الأحاديث) ثم النص الظني الثبوت.
والمعلوم أن قطعي الثبوت من الأحاديث قليل ولا يحمل في طيّاته أيّة أحكام.
لكن وسّع بعض الأصوليين دائرة [قطعي الثبوت] من الأحاديث: باختراع مصطلحات: التواتر المعنوي. أو تلقته الأمة بالقبول، أو اتفاق الشيخان على إخراجه!!
فهل التواتر المعنوي حجة؟؟ وأي أمة تلقته بالقبول العامة أم الخاصة؟ وهل ما اتفق عليه الشيخان (البخاري ومسلم) حجة؟ (هذا سأنشر حياله منشورًا خاصًا).
كما أن قطعي الدلالة من القرآن الكريم قليل، يقول الشاطبي: "الْمُعْتَمَدُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ، وَوُجُودُ الْقَطْعِ فِيهَا -عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْمَشْهُورِ- معدوم، أو في غاية الندور". الشاطبي، الموافقات، ج1، ص27.
فالإمام الشاطبي ذو المنهج المقاصدي تقدّم خطوة في التقسيم وجعل المعيارهو موافقة [للأصل] ويقصد كليات الشريعة:
قسَّم الإمام الشاطبي الأدلة الشرعية من حيث كونها قطعية أو ظنية إلى أربعة أقسام، فصّلها كما يلي:
(1) القسم الأول: الأدلة القطعية، وهي التي لا تفتقر إلى بيان؛ كأدلة وجوب الطهارة من الحدث والصلاة والزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتماع الكلمة والعدل وأشباه ذلك.
(2) القسم الثاني: الأدلة الظنية الراجعة إلى (أصول قطعية)، ومثالها العام: أخبار الآحاد، فإنها بيان للكتاب لقوله تعالى: "بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ". النحل: ٤٤.
ومثالها كذلك: ما جاء في الأحاديث من صفة الطهارة الصغرى والكبرى والصلاة والحج، ومنه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، فإنه داخل تحت أصل قطعي؛ لأن الضرر والضرار مثبوت منعه في الشريعة كلها في وقائع جزئيات وقواعد كليات.
(3) القسم الثالث: الأدلة الظنية المعارضة (لأصل قطعي) أو التي لا يشهد لها أصل قطعي، فهذه مردودة بلا إشكال، والدليل على ذلك أمران:
- أنها مخالفة لأصول الشريعة، ومخالفة أصولها لا تصح؛ لأنها ليست منها، وما ليس من الشريعة كيف يعد منها؟!
- أن ليس لها ما يشهد بصحتها، وما هو كذلك متساقط في الاعتبار.
(4) القسم الرابع: الأدلة الظنية التي لا يشهد لها (أصل قطعي) ولا تعارض أصلاً قطعيًا، فهي في محل نظر.
فمع الإمام الشاطبي صار الاعتبار إلى الكليات (الأصول)، بعد أن كان الاعتبار إلى آليات الثبوت من تقسيمات (المتواتر المعنوي، أو الإجماع واتفاق الأمة أو أخرجه الشيخان). ولكن مع الأسف يبدو أن التعليم الشرعي متمسك بالأمر "العتيق"، ولا يحبّذ تقسيم الإمام الشاطبي، وإذا أردتُ المضي في تجديد التقسميات فبإمكاني الإضافة أن المعيار هو "المقاصد" وهي "القِيم الإنسانية" من الرحمة والعدل والإحسان والتعايش. فالقِيم الإنسانية هي القطعيات، التي يدورعليها القرآن الكريم وما جاء من أحاديث الرسول النبي عليه الصلاة والسلام.
بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق