الأربعاء، 30 ديسمبر 2015

الأرض المقدسة




يصارع المسلمون واليهود ومن ورائهم المسيحيون حول أحقية الأرض المقدسة. وبعيدًا عن التراث وتقيّدًا بالنصوص "الإلهية" فاليهود يعتقدون بأحقية الأرض المقدسة حصرًا لهم. وهذا فهم مغلوط وقراءة انتقائية إذ أنهم يأخذون بنص: "في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقا قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات". (التكوين: 15: 18). ويغفلون عن نص غاية في الأهمية وهو: "وَيَكُونُ أَنَّكُمْ تَقْسِمُونَهَا بِالْقُرْعَةِ لَكُمْ وَلِلْغُرَبَاءِ الْمُتَغَرِّبِينَ فِي وَسْطِكُمُ الَّذِينَ يَلِدُونَ بَنِينَ فِي وَسْطِكُمْ، فَيَكُونُونَ لَكُمْ كَالْوَطَنِيِّينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. يُقَاسِمُونَكُمُ الْمِيرَاثَ فِي وَسْطِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ.
وَيَكُونُ أَنَّهُ فِي السِّبْطِ الَّذِي فِيهِ يَتَغَرَّبُ غَرِيبٌ هُنَاكَ تُعْطُونَهُ مِيرَاثَهُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ".
(حزقيال: 47: 22-24).
فالقراءة الكلية وجمعًا بين النصوص نجد أن النص الأول يعطي لهم الأحقية،والنص الثاني ينفي عنهم الحصرية ويدعو إلى المشاركة مع "الغرباء". لذا فتسقط مقولة حصرية الأرض المقدسة وخصوصيتها لليهود.


فمعظم اليهود تمامًا كمعظم المسلمين لديهم إشكالية التراث. وإشكالية الإنتقائية لو رجعوا إلى النص "الإلهي"!!

أما المسلمون فيعتقد معظمهم أن الأرض المقدسة كانت حقًا لليهود لما كانوا ملتزمين بالميثاق. أما وقد نكثوا العهود ونقضوا العقود فقد خسروا هذا الامتياز. فلا حق لهم اليوم في الأرض المقدسة. "يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ". المائدة: 21.

ومهما يكن فإن هذا الفهم غير سليم من وجهة نظري بل هو أيضًا انتقائية، إذ القرآن الكريم يقرر أن:
الأرض يرثها الصديقون والودعاء والصالحون.
"قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّـهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّـهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ الأعراف: 128.
"وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ". الأنبياء: 105.
فالأرض لله تعالى والعاقبة للصالحون والصلاح لا يتوقف على الأيمان بل يعتمد أكثر على الأعمال الإنسانية والقيَم والعدالة.
لذا فالقرآن تمامًا يتقاطع مع النص التوراتي إذ ينفي حصرية الأرض لأي طرف على أساس ديني. بل الأرض هي لله تعالى ويورثها عباده "الصالحين".

أما بخصوص المسيحيين فإنهم يعانون من ذات الإشكاليات: سلطة التراث على النص "الإلهي" وإشكالية القراءة الانتقائية. فإن المسيح عليه السلام جاء بتعاليم روحية وقيَمية. ولم يُعظّم المكان بل الإنسان. فالأرض بالأساس صالحة. والإنسان هو من يزيدها صلاحًا أو يفسدها. فغاية ومقصد تعاليم المسيح عليه السلام هو الإنسان وليس المكان. وهذا يتفق تمامًا مع المنهج المقاصدي في القرآن المجيد.

لذا فإن أحد أهم جذور الصراع في فلسطين ذو طابع ديني بالإضافة إلى مطامع السيطرة على المنطقة، فإذا ما تم حلّ المعضلة في التفكير الديني عند أتباع الديانات "التوحيدية" فإن ذلك من شأنه التوجه نحو التنافس على الصلاح، وحبّ الإنسان لا على الفساد وتدمير الإنسان.



بوركتم جميعًا
ولكلّ مجتهدٍ نصيبٌ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق