ابتلاء [الإنسان] بالشر والخير
لا
يقتصر الابتلاء في مجال الشر، بل يتجاوزه ويدخل في مجال الخير. ولما كانت حياة
[الإنسان] يتخللها الخيرات والشرور، فتكون الحياة الدنيا ابتلاء في ابتلاء. فكما
أنّ كل نفسٍ ذائقة الموت فالحياة كلها ابتلاءات. وهذا من القوانين الحاكمة في هذه
الحياة الدنيا. قال تعالى:
"كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا
تُرْجَعُونَ". ﴿الأنبياء: ٣٥﴾
"فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ
فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ
فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ". ﴿الفجر: ١٥﴾
"وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ
فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ". ﴿الفجر: ١٦﴾
"وَقَطَّعْنَاهُمْ
فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ
وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ". ﴿الأعراف: ١٦٨﴾
أما مجال الشر:
الخوف، والجوع، ونقص من الأموال والأنفس وفي الثمرات: قال تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ
مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ". ﴿البقرة: ١٥٥﴾.
أما مجال الخير:
الأموال، والأولاد، الأزواج، وسائر النعم
والملذّات قال تعالى:
"وَاعْلَمُوا
أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ
اللَّـهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ". ﴿الأنفال: ٢٨﴾
"إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّـهُ
عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ". ﴿التغابن: ١٥﴾
"وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ
أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ
وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ".
﴿طه: ١٣١﴾
تقدّم النظرية القرآنية أن [الشيطان]
العدو المبين يبتلي ويفتن [الإنسان]، كما أن [الخالق] تعالى يبتليه ويفتنه.
أما ابتلاء
[الخالق] للـ [الإنسان] قال تعالى:
"أَحَسِبَ
النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ". ﴿العنكبوت: ٢﴾
"وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ
مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ". ﴿العنكبوت: ٣﴾
"وَمَا
أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ
الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ
وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴿الفرقان: ٢٠﴾.
أما ابتلاء [الشيطان]
قال تعالى:
"يَا بَنِي
آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ
كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا
لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا
تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ". ﴿الأعراف: ٢٧﴾
"لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي
شِقَاقٍ بَعِيدٍ". ﴿الحج: ٥٣﴾
من السنن سُنّة الابتلاء بالخير أو
بالشر:
فكما أن التفاوت بين
[المخلوقين] سُنّة من السنن فإن الابتلاء هو سنّة من السنن الحاكمة لهذه الحياة
الدنيا قال تعالى:
"وَلَوْ
شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي
مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا
الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّـهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ
فِيهِ تَخْتَلِفُونَ". ﴿المائدة: ٤٨﴾
"وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ
بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي
مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ
رَّحِيمٌ". ﴿الأنعام: ١٦٥﴾
"أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم
مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ
وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ
نَصْرُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ". ﴿البقرة: ٢١٤﴾
"أَوَلَا
يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي
كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ
يَذَّكَّرُونَ". ﴿التوبة: ١٢٦﴾
صور الابتلاء:
- ابتلاء [الخالق] تعالى خلقَه، وابتلاء [الشيطان] عبادَ [الخالق] تعالى.
- ابتلاء الأنبياء والأمم: ابتلاء الله تعالى الناس فيما آتاهم، ابتلاء الله تعالى إبراهيم لكلمات فأتمهنّ، ابتلاء اليهود بالسبت. إبراهيم وذبح ابنه عليهما السلام، سليمان عليه السلام وإحضار قصر ملكة سبأ، والجسد على كرسيه، داود عليه السلام وحكاية 99 نعجة، موسى عليه السلام فتناك فتونًا.
- ابتلاء بعضُ الناس بعضهم: ابتلاء الجيش بنهر.
- الابتلاء بالمعنى الحسن: ابتلاء اليتامى لمعرفة درجة الرشد حتى يُعطوا أموالهم.
- ابتلاء الكفار للمؤمنين: ابتلاء قوم موسى تذبيح الأولاد واستحياء النساء، ابتلاء المسلمين يوم الأحزاب، المعارك ومواطن القتال والجهاد مع الكافرين، ابتلاء في المال والأنفس وسماع الأذى من أهل الكتاب والذين أشركوا.
- ابتلاء المؤمنين للكفار: "رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ". الممتحنة: 5.
اتجاهات [الإنسان] حيال الابتلاء
والفتنة:
1-
الذي يبحث عن المصالح دون المبادئ:
"وَمِنَ
النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّـهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ
بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ
عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ
الْمُبِينُ". ﴿الحج: ١١﴾
2- الكاذب المبالغ:
"وَمِنَ
النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّـهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ
كَعَذَابِ اللَّـهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا
كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّـهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ
الْعَالَمِينَ". ﴿العنكبوت: ١٠﴾.
3- الصبر بمعنى التفكير في الخروج من الأزمة:
"وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ". الفرقان: 20.
3- الصبر بمعنى التفكير في الخروج من الأزمة:
"وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ". الفرقان: 20.
الفتنة في الآخرة هي النار:
- "يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ". ﴿الذاريات: ١٣﴾
- "ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ". ﴿الذاريات: ١٤﴾
- "أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ؟ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ". ﴿الصافات: 62-63﴾
- "وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا". ﴿المدثر: ٣١﴾
أخيرًا
فإن المتدبر في القرآن الكريم يجد أن الابتلاء يدخل في مجال الشر والخير على حدِّ
سواء، وأن هذه الحياة الدنيا تحكمها سُنن لا تتبدّل ولا تتحوّل، فكما أن الموت
محتوم على كل [مخلوق] فإن الابتلاء متعلّق به سواء في حياته أو بموت أعزائه، سواء
بالخيرات أو المضرّات، ويجد المتأمّل لآيات القرآن الكريم أن [الخالق] تعالى يفتن
ويبتلي [الإنسان] كلهم، يبتلي الأنبياء والمؤمنين والكافرين، يبتلي جميع الناس وهذا من
لوازم السنن. ومما يقدّمه القرآن الكريم أن العدو المبين للـ [الإنسان] وهو
[الشيطان] له طاقة على أن يفتن و أن يبتلي، وقد حذّر [الخالق] تعالى من فتنته. أما ابتلاء
[الخالق] تعالى للـ[إنسان] في حال الخيرات فهو اختباره في كيفية توظيفه هذه الخيرات هل سيصرفها فيما ينفع
الإنسانية، أم يعمل على احتكارها أو توظيفها في الظلم والاستبداد.
وابتلاؤه تعالى
للـ[إنسان] في حال المضرات، فهو لصقل الإنسان وتهيئته للمقام المنوط به. أو معرفة
مكنون صدر المخلوق، بالرغم من علمه السابق به. فـ [الخالق] تعالى يعلم مسبقًا أيهم أحسن عملاً. لكنه تعالى ترك للمخلوق حرّيّة في إدارة خياراته، فإما أن يوظف الخيرات والنعم فيما يفيد البشرية، أو يوظفها فيما يهدم البشرية ويؤسس للظلم والاستبداد، وإما أن يصبر مع العمل بجهد في رفع الضرر عن نفسه وأمته في حال المضرات والشدائد، لا أن يستسلم للألم والجوع. فـ [الخالق] تعالى يريد من هذا [الإنسان] أن يكون منسجمًا في كل حالاته في الشدة والرخاء، وأن يكون مسابقًا وداعمًا للخيرات. أما [الشيطان] يريد من [الإنسان] أن يكون متناقضًا فحاله في الرخاء غير حاله في الشدة، وأن يحتكر العلم والخير عن غيره.
ومن صور الفتنة في عالم [الحياة الآخرة] النار التي تفتن الكافرين والظالمين.
ملحوظات:
"وَلَقَدْ فَتَنَّا
الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ". ﴿العنكبوت: ٣﴾
"وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ". ﴿العنكبوت: ١١﴾
ابتلاء في الخير ==> تسابق في الخيرات أحسن عملاً
ابتلاء في الشر ==> إعادة النظر والتفكّر -مفهوم الصبر- للخروج من الأزمة، وصقل الشخصية.
ابتلاء في الخير ==> تسابق في الخيرات أحسن عملاً
ابتلاء في الشر ==> إعادة النظر والتفكّر -مفهوم الصبر- للخروج من الأزمة، وصقل الشخصية.
بوركتم جميعًا