الأربعاء، 30 أبريل 2014

لماذا خلق [الخالق] تعالى الإنسان؟؟

تساؤل لطالما طرحه [الإنسان] عبر الأزمنة، وهو لماذا خلقنا [الخالق] تعالى؟
وعند التأمل نجد أن الاحتمالات الممكنة للإجابة على هذا التساؤل هي كالآتي:
1.     تسليةً.
2.     تكثير عدد وتنويع جنس.
3.     التسبيح والتعظيم.
4.     عبثًا.
5.     للعبادة بمفهوم الصلاة والصوم وسائر التكاليف الشرعية.
6.     للبرهنة والإثبات على علم [الخالق] المطلق على سائر خلقه وأهمهم [الملائكة].


 إن النقاط من 1-4 بحسب النظرية القرآنية مستبعدة تمامًا لانتفاء العبثية والعدمية عن [الخالق]، أما النقطة 5 فلا تشكل السبب الرئيس من خلق [الإنسان]، فلم يبقَ إلا النقطة رقم 6.

عند تدبر آيات القرآن الكريم فإننا نلحظ نقاشًا حول خلق جديد (بشر) سيكون [خليفة في الأرض] تمّ هذا النقاش حينما قرّر [الخالق] تعالى الاستعداد لمشروع خلقي جديد، وأراد أن يستمزج آراء [الملائكة] ولربما بعضهم (المقربين)، إذ لفظ العموم لا يفيد بالضرورة استغراق جميع اسم الجنس كما هو معلوم من النظرية القرآنية. فأجاب هذا الفريق من [الملائكة] بالسؤال الاستنكاري. وهاكم الحوار كالآتي:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً. 
قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؟!
قَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ.  البقرة: 30.
فلنحظ أن هذا الفريق من الملائكة علّل استنكاره واعتراضه للخلق الجديد بأنه يسبّحه [الخالق] ويقدّسه. وكوْن [المخلوق] الجديد مفسد في الأرض سفّاك للدماء!

وفي هذا الجواب ملحوظتان:
الأولى: ذكرٌ لأحب وأفضل طاعة يحبّها [الخالق] تعالى وهي التسبيح بحمده والتقديس له. فلو كان ما هنالك أفضل لذكروها.
الثانية: التنبؤ بمستقبل [المخلوق] الجديد على أنه مفسد وسفّاك للدماء. فكيف لهم أن يعلموا بهذا؟!

لربما [الملائكة] رأت في نفسها أنها [الخلق] المميز فقد سبق [الإنسان] في الأرض [خلق] مفسد وسفّاك للدماء، فقاست الجديد على القديم. أو لربما بنوا حكمهم على ما ألفوه من سلوك هذا [الخلق] السابق إذ تمّ اصطفاء بعضهم ليكونوا خلفاء الأرض وآدم أولهم، فظنوا أن الاصطفاء غير جدير بهم. على اعتبار أن آدم عليه السلام من ذرية أو على هيئة [المخلوق] السابق له. فأجابوا على أساس قاعدة الاستصحاب، أي أن هذا [المخلوق] ملازم للإفساد وسفك الدماء، فلا حاجة للـ [الخالق] تعالى بهم، فـ[الملائكة] أوْلى بالخلافة منهم.
وفي جوابهم ذاك استبقاء للأمر وقياس مع الفارق، فهم إن علموا شيئًا فقد غابت عنهم أشياء!

وبرأيي أن هذا الفريق من [الملائكة] قد انبهر بعلمه فقدّم نفسه على [المخلوق] الجديد. ولما كان [الخالق] تعالى عالم بما كان وبما سيكون، علم بأن هذا الفريق من[الملائكة] قد تعدّى حدوده من خلال ((العلم)) بتوهمّهم أنهم قاربوا علم [الخالق] تعالى. فقد أراد سبحانه وتعالى أن يختبرهم بـ [مخلوق] جديد.

ومما يجدر ملاحظته أن الإنباء بجعل [المخلوق] الجديد خليفة في الأرض سبقه إعلان بخلقه فلم يُسجّل أي اعتراض أو استفسار وكأن الأمر لا يؤثر في مجال الملائكة، فـ[الخالق] تعالى يخلق ما يشاء. قال تعالى: "وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ". ﴿الحجر: ٢٨﴾،  "إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ". ﴿ص: ٧١﴾.


لذا فيمكن القول إن خلق [المخلوق] الجديد كان اختبارًا لهذا الفريق من الملائكة. فكان أن ما اهتموا لخبر خلقه ابتداءً، ثم لما قرر [الخالق] تعالى جعله (خليفة) بدأوا يعترضون ويقدّمون الحجج والخدمات على حدّ سواء.
وكان جواب [الخالق] تعالى لهم: "قَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ".

وما أن خلق [الخالق] تعالى [المخلوق] الجديد حتى كانوا جميعًا تحت اختيار جديد وهو السجود بمعنى تكريم هذا [المخلوق].
قال تعالى

"فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ". ﴿الحجر: ٢٩﴾
"فإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ". ﴿ص: ٧٢﴾

"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ". ﴿البقرة: ٣٤﴾
"وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ". ﴿الأعراف: ١١﴾
"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا". ﴿الإسراء: ٦١﴾
"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا". ﴿الكهف: ٥٠﴾
"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ". ﴿طه: ١١٦﴾

وعند التدبر في الآيات الكريمات نجد أن الأمر بالسجود كان لحظة نفخ الروح في هذا [المخلوق]، والذي هو (جنس إنساني)، لكن الخطاب بالأمر بالسجود كان موجه نحو واحد منهم (آدم) فهو سيّدهم اصطفاه [الخالق] على علمه، وتم السجود له من قبل [الملائكة] باستثناء [إبليس]، إذ هو واحد منهم بحسب النظرية.

وهنا نؤكد بأن الفريق الذي اعترض على [المخلوق] الجديد كان أحدهم وأشدهم [إبليس]. وهو الوحيد الذي رفض وأبى استكبارًا السجود لـ[آدم] عليه السلام. وبرّر فعلته بما لا يليق اعتمادًا على قياس باطل.

ويأتي الاختبار الثاني لذا الفريق من [الملائكة]، فبعد إصدار حكم الطرد على [إبليس] قال تعالى: 

"وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ
فَقَالَ: أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 
 قَالُوا: سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ". البقرة: 31-32.        
ونلحظ  في الآيات الكريمات ثلاثة أمور:
الأول: أن مجال الاختبار كان في (العِلم) وهو ما ظنّت [الملائكة] أنهم امتلكوه أو قاربوا حقيقته.
الثاني: الاعتراف بأن (العِلم) محكوم بما يتيحُه [الخالق] لهم.
الثالث: أنهم صدقوا في طاعتهم باستفتاح جوابهم بقولهم (سبحانك).


وعليه فإن نتائج الاختبار سقوط [إبليس] من مقام المقربين إلى المطرودين. لتبدأ حلقة جديدة من الصراع والتدافع بين الحق والباطل.
ومن النتائج اعتراف [الملائكة] بمحدودية علمهم وإثبات طاعتهم للـ[الخالق] تعالى.

وأخيرًا فإن [الخلق] الجديد إنما كان في المقام الأول محلّ اختبار للـ[ملائكة]، ومحور صراع [آدم] وذريته مع من فشل منهم وهو [الشيطان][إبليس] وذريته.

وعليه يكون مفهوم (العبادة) وفق النظرية القرآنية في قوله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ". ﴿الذاريات: ٥٦﴾ غير متوقف على التكاليف الشرعية، بل هو الانسجام مع منهج [الخالق] تعالى، وعدم اتباع منهج [الشيطان]. والحفاظ على مقام [الإنسان] وعدم التردّي إلى [الأنعام]. إنه مفهوم "الموازنة" و"المفاصلة".

بوركتم جميعًا




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق