السبت، 19 أبريل 2014

جدلية العقل والغيب (3)


يعتري "العقل الإنساني" تساؤلات مستمرة تبدأ منذ الصغر تبحث عن "الواجد" "الخالق" مرورًا في مسارات ومنعطفات الحياة تبحث عن تفسير للظواهر التي يشعر بها أو يرتطم بها وهو لا يستطيع رصدها كونها بالنسبة إليه "من عالم الغيب". وقد حاول "العقل الإنساني" الإجابة عن تلك التساؤلات بمناهج ورؤى مختلفة. فنسب ما لا يستطيع رصده حسّيًا إلى قوى "غيبية" وأطلق عليها مسميّات نابعة من ثقافته وبيئته. وبعض تلك الرؤى نسبت ذلك إلى "قوى الكون المادية". فكل النظريات في النهاية توقفت لتفسير بعض "مظاهر الغيب" عند نقطة سواء كانت "مادية" أو "غيبة" ولم تستطع إختراق حجاب "الواجد" لتكشف عن ماهيته.
وهنا يقف "العقل الإنساني" أمام خيارين إما التسليم بالعجز: (فعدم الإدراك إدراك)، وإما المثابرة والبحث المستمر لإيجاد تفسيرات معقولة لتلك "الظواهر والمُسبّبات الغيبية".

الغيب النسبي والغيب المطلق

يعدّ الغيب غيبًا طالما لم ينتبه إليه الإنسان بحواسّه، أو لم يتوسّل له بالوسائل، فما كان غيبًا عند أمة في وقت ما لا يكون غيبًا عند أمة أخرى في ذات الوقت.
وما يكون من "عالم الغيب" عند أمة في زمن يصير من "عالم الشهادة" في زمن آخر لتطوّر الأدوات أو لتغيّر في زوايا النظر.

ومع تقدّم التكنولوجيا بدأ كثير مما كان يعتبر غيبًا يصير من "عالم الشهادة"، فحُجبُ بعضِ "الغيب" انكشفت مما شجّع هذا فريق من "العقل الإنساني" أن يثابر لعلّه يشبع طلبه للعلم ورغبته وفضوله في معرفة المستور. وما زال التحدي قائمًا.

لا يقدّم القرآن الكريم "كوعاء فكري" تفسيرًا للظواهر بقدر ما يقدّم منهجية للبحث والتساؤل والأخذ بشروط البحث العلمي، وفتْح باب ولفت الانتباه إلى غيب مستور نسبي "كعلم الأجنّة" وغيره.

لكن لما وقف "العقل المسلم" بشكل عامّ عند "حرفيات النص" ولجأ إلى مبدأ السلامة والتسليم. انتشرت في مجتمعاته "الخرافة" ساهم في ذلك "روايات" نُسبت إلى الرسول النبي (ص) لتقدّم تفسيرات لبعض تلك المظاهر. وهي لا تمّت للعلم ولا للنبوة بصلة.

فصار "غير المسلمين" يكشفون "الغيب النسبي" والمسلمون يردّدون "صدق الله العظيم". فانتقل المسلمون من طور الأستاذية إلى طور "التلميذ الكسول".


قال تعالى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ". ﴿فصلت: ٥٣﴾

بوركتم جميعًا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق