جدلية
العقل والغيب (2)
يتقلّب الإنسان ما بين يقظة ونوم، وتبقى "الروح" سارية في الحالتين حتى بعد مرحلة الممات، إنما تقبض "النفس" إما مؤقتًا في حالة النوم، أو بلا رجعة -غالبًا- في حالة "الموت". وقد يعترض الإنسان في "منامه" رؤى ومشاهد، ثم يراها في عالم "اليقظة" تمامًا كما رآها في عالم "المنام".
يتقلّب الإنسان ما بين يقظة ونوم، وتبقى "الروح" سارية في الحالتين حتى بعد مرحلة الممات، إنما تقبض "النفس" إما مؤقتًا في حالة النوم، أو بلا رجعة -غالبًا- في حالة "الموت". وقد يعترض الإنسان في "منامه" رؤى ومشاهد، ثم يراها في عالم "اليقظة" تمامًا كما رآها في عالم "المنام".
وقد جاء
القرآن الكريم في تحليل هذه الظاهرة "الرؤى المنامية" إذ كيف للغيب
الآجل أن يتكشف حجابه قبل أوانه لأناس معيّنين؟؟
وعند التأمل نجد أن القرآن الكريم قد ميّز بين نوعين من "الرؤى":
الأول: الرؤيا غير المرمّزة (من غير ترميز)...ويأتي الواقع بالتصديق والموافقة
مثاله: رؤيا الرسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشركي بدر قليلاً:
كقوله تعالى: "إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّـهُ فِي (مَنَامِكَ قَلِيلًا) وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ". الأنفال: ٤٣.
وقد صدّق الواقع رؤياه قال تعالى: "وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ ((قَلِيلًا)) وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّـهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ۗ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ". الأنفال: ٤٤.
ومثال آخر: " لَّقَدْ صَدَقَ اللَّـهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا". الفتح: ٢٧.
إني أرى في المنام أني أذبحك
ومثاله من قبل ما رآه نبي الله تعالى إبراهيم عليه السلام من ذبح ابنه
قال تعالى: "قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ". الصافات: ١٠٢
وقد قام به في الواقع لكن الله تعالى صرفه عن ذبح ابنه قال تعالى: "فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ". الصافات: 103-106.
الثاني: الرؤيا المرمّزة (فيها ترميز)..ويأتي التأويل لتحليلها
مثاله: رؤيا نبي الله تعالى يوسف عليه السلام قال تعالى: "إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ". يوسف: 4.
ومعلوم أن الكواكب والشمس والقمر لا تسجد لأحد، فالأمر فيه ترميز.
وتأويله جاء في قوله تعالى: "وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا". يوسف: 100.
ومثاله رؤيا الملك قال تعالى: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ". يوسف: ٤٣.
ومعلوم أن البقر لا يفترس بعضها بعضًا، وأن العدد سبع مقترنًا بسنابل خضر وأُخر يابسات له دلالة ترميزية.
لذا فقد جاء تأويله في قوله تعالى: "قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ". يوسف: 47-49.
وبهذا يقدّم القرآن الكريم صورًا من تداخل "الغيب النسبي" في "الإنسان" من خلال -"عالم المنام"، إما "رؤى غير ترميزية"، أو "رؤى ترميزية"، ومع كل ما سبق فإن المسلم غير مطالب في البحث عن كل تفسير لما يراه من "رموز" في منامه، بل مطالب بالعمل والأخذ بالأسباب.
فأي أمة انشغلت في "المنامات" وتأويلها وتعددت عندها القنوات الفضائية لهذا المجال، وانتشرت بينها كتب تفسير الأحلام ، فهي أمة "نائمة" في "سابع نوومة" يقظتها منامها..ومنامها يقظتها. لذا فالقرآن الحكيم "كوعاء فكري" يبني أمة عاملة فاعلة لا تُعوّل على مناماتها بل ترسم مُخطّطاتها بالتوكّل على "خالقها" والأخذ بالأسباب.
قال تعالى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ". التوبة: ١٠٥.
وعند التأمل نجد أن القرآن الكريم قد ميّز بين نوعين من "الرؤى":
الأول: الرؤيا غير المرمّزة (من غير ترميز)...ويأتي الواقع بالتصديق والموافقة
مثاله: رؤيا الرسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشركي بدر قليلاً:
كقوله تعالى: "إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّـهُ فِي (مَنَامِكَ قَلِيلًا) وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ". الأنفال: ٤٣.
وقد صدّق الواقع رؤياه قال تعالى: "وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ ((قَلِيلًا)) وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّـهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ۗ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ". الأنفال: ٤٤.
ومثال آخر: " لَّقَدْ صَدَقَ اللَّـهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا". الفتح: ٢٧.
إني أرى في المنام أني أذبحك
ومثاله من قبل ما رآه نبي الله تعالى إبراهيم عليه السلام من ذبح ابنه
قال تعالى: "قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ". الصافات: ١٠٢
وقد قام به في الواقع لكن الله تعالى صرفه عن ذبح ابنه قال تعالى: "فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ". الصافات: 103-106.
الثاني: الرؤيا المرمّزة (فيها ترميز)..ويأتي التأويل لتحليلها
مثاله: رؤيا نبي الله تعالى يوسف عليه السلام قال تعالى: "إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ". يوسف: 4.
ومعلوم أن الكواكب والشمس والقمر لا تسجد لأحد، فالأمر فيه ترميز.
وتأويله جاء في قوله تعالى: "وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا". يوسف: 100.
ومثاله رؤيا الملك قال تعالى: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ". يوسف: ٤٣.
ومعلوم أن البقر لا يفترس بعضها بعضًا، وأن العدد سبع مقترنًا بسنابل خضر وأُخر يابسات له دلالة ترميزية.
لذا فقد جاء تأويله في قوله تعالى: "قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ". يوسف: 47-49.
وبهذا يقدّم القرآن الكريم صورًا من تداخل "الغيب النسبي" في "الإنسان" من خلال -"عالم المنام"، إما "رؤى غير ترميزية"، أو "رؤى ترميزية"، ومع كل ما سبق فإن المسلم غير مطالب في البحث عن كل تفسير لما يراه من "رموز" في منامه، بل مطالب بالعمل والأخذ بالأسباب.
فأي أمة انشغلت في "المنامات" وتأويلها وتعددت عندها القنوات الفضائية لهذا المجال، وانتشرت بينها كتب تفسير الأحلام ، فهي أمة "نائمة" في "سابع نوومة" يقظتها منامها..ومنامها يقظتها. لذا فالقرآن الحكيم "كوعاء فكري" يبني أمة عاملة فاعلة لا تُعوّل على مناماتها بل ترسم مُخطّطاتها بالتوكّل على "خالقها" والأخذ بالأسباب.
قال تعالى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ". التوبة: ١٠٥.
بوركتم جميعًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق